الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

{ إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ } وإنّما كرّر الكناية لتوكيد الدلالة وإزالة الشبهة وتحقيق المعرفة ، ونظيره قوله للرسول عليه السلام

{ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ } [ الحجر : 89 ] .

{ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } وكان السبب في أمره بخلع نعليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن يحيى العبيدي قال : حدَّثنا أحمد بن نجدة قال : حدَّثنا الحمّاني قال : حدَّثنا عيسى بن يونس عن حميد بن عبد الله عن عبد الله بن الحرث العنبسي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } قال : كانتا من جلد حمار ميّت ، وفي بعض الأخبار : غير مدبوغ ، وقال الحسن : ما بال خلع النعلين في الصلاة وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه ؟ وإنّما أُمر موسى عليه السلام أن يخلع نعليه أنّهما كانتا من جلد حمار ، وقال أبو الأحوص : أتى عبد الله أبا موسى في داره فأُقيمت الصلاة فقال لعبد الله تقدّم ، فقال له عبد الله : تقدّم أنت في دارك فتقدّم فنزع نعليه ، فقال له عبد الله : أبالواد المقدّس أنت ؟ .

وقال عكرمة ومجاهد : إنّما قال له : اخلع نعليك كي تمسّ راحة قدميك الأرض الطيّبة وينالك بركتها لأنّها قدّست مرّتين .

وقال بعضهم : أُمر بذلك لأنّ الحفوة من أمارات التواضع ، وكذلك فعل السّلف حين طافوا بالبيت .

قال سعيد بن جبير : قيل له : طأ الأرض حافياً ، كيما يدخل كعبه من بركة الوادي .

وقال أهل الإشارة : معناه : فرِّغ قلبك من شغل الأهل والولد .

قالوا : وكذلك هو في التعبير من رأى عليه نعلين تزوّج .

فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي { إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ } المطهّر { طُوًى } اسم الوادي ، وقال الضحاك : مستدير عميق مثل الطوى في استدارته ، وقيل : أراد به إنك تطوي الوادي ، وقيل : هو الليل ، يقال : أتيتك طوى من الليل ، وقيل : طُويَت عليه البركة طيّاً ، وقرأ عكرمة : طوى بكسر الطاء وهما لغتان ، وقرأ أهل الكوفة والشام : طِوَىً بالتنوين وإلاّ جرّاً لتذكيره وتحقيقه ، الباقون من غير تنوين ، قال : لأنّه معدول عن طاو أو مطوىّ ، فلّما كان معدولاً عن وجهه كان مصروفاً عن إعرابه مثل عمر وزفر وقثم .