التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا} (93)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك سوء عاقبة من يقتل مؤمناً متعمداً فقال : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } .

أى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } قتله { فَجَزَآؤُهُ } الذى يستحقه بسبب هذه الجناية الكبيرة { جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } أى باقيا فيها مدة طويلة لا يعلم مقدارها إلا الله { وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ } بسبب ما ارتكبه من منكر { وَلَعَنَهُ } أى طرده من رحمته { وَأَعَدَّ لَهُ } من وراء ذلك كله { عَذَاباً عَظِيماً } يوم القيامة .

هذا وقد ساق المفسرون جملة من الآيات والأحاديث التى تهدد مرتكب هذه الكبيرة بالعذاب الشديد ؛ واختلفوا فى حكمها هل هى هى منسوخة أولا ؟ وهل للقاتل عمداً توبة أولا ؟ وقد أفاض الإِيمام ابن كثير فى بيان كل ذلك فقال ما ملخصه :

" هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم والذى هو مقرون بالشرك بالله فى غير ما آية . قال - تعالى - { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق } والأحاديث فى تحريم القتل كثيرة جدا . فمن ذلك ما ثبت فى الصحيحين عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء " وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال المؤمن معتقا - أى خفيف الظهر ، سريع السير - ما لم يصب دما حراما . فإذا أصاب دما حراما بلح " أى : أعيا وانقطع .

وفى حديث آخر : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " .

ثم قال : وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدا .

وقال البخارى : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال :

سمعت ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة . فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها . فقال : نزلة هذه الآية . { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } هى آخر ما نزل وما نسخها شئ .

وروى ابن جرير أيضا عن سعيد بن جبير قال . سألت ابن عباس عن قوله - تعالى - { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } . فقال : إن الرجل إذا عرف الإِسلام ، وشرائع الإِسلام ، ثم قتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم ؛ ولا توبة له .

ثم قال : والذى عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها . أن القتل له توبة فيما بينه وبين الله - تعالى - فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات ، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته .

قال الله - تعالى - { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } فهذه الآية عامة فى جميع الذنوب ما عدا الشرك . وهى مذكورة فى هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها لتقوية الرجاء .

والمراد بالخلود هنا المكث الطويل . وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من النار من كان فى قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان .

وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذه فمراد قائله الزجر والتوبة لا أنه لا يعتقد بطلان توبته .

والآية الكريمة { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } . الصواب فى معناها : أن جزاءه جهنم . فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره . وقد لا يجازى بل يعفى عنه . فإن قتل عمدا مستحلا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد . يخلد فى جهنم بالإِجماع . وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص . مرتكب كبيرة جزاؤه جهنم خالدا فيها . ولكن تفضل - سبحانه - فأخبر أنه لا يخلد فيها من مات موحداً فلا يخلد هذا . وقد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا . وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر العصاة الموحدين . ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد فى النار . فهذا هو الصواب فى معنى الآية .

وبهذا نرى أن الآية الكريمة تنهى المؤمن نهيا قاطعا عن أن يمد يده بالسوء لقتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحقن وتتوعد لاذى يفعل ذلك بغضب الله عليه وطرده من رحمته ، وإلحاق العذاب العظيم به يوم القيامة .

وبعد هذا التحذير الشديد من قتل النفس بغير حق ، وجه القرآن نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن القتل بدون تبين أو تثبت من أجل التوصل إلى عرض من أعراض الدنيا الفانية ، فقال - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الذين . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا} (93)

88

ذلك القتل الخطأ . فأما القتل العمد ، فهو الكبيرة التي لا ترتكب مع إيمان ؛ والتي لا تكفر عنها دية ولا عتق رقبة ؛ وإنما يوكل جزاؤها إلى عذاب الله :

( من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ، وغضب الله عليه ولعنه . وأعد له عذابا عظيمًا ) . .

إنها جريمة قتل لا لنفس فحسب - بغير حق - ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة العظيمة ، التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم . إنها تنكر للإيمان ذاته وللعقيدة نفسها .

ومن ثم قرنت بالشرك في مواضع كثيرة ؛ واتجه بعضهم - ومنهم ابن عباس - إلى أنه لا توبة منها . . ولكن البعض الآخر استند إلى قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) . . فرجا للقاتل التائب المغفرة . . وفسر الخلود بأنه الدهر الطويل .

والذين تربوا في مدرسة الإسلام الأولى ، كانوا يرون قاتلي آبائهم وأبنائهم وإخوانهم ، - قبل إسلامهم - يمشون على الأرض - وقد دخلوا في الإسلام - فيهيج في نفوس بعضهم ما يهيج من المرارة . ولكنهم لا يفكرون في قتلهم . لا يفكرون مرة واحدة ؛ ولا يخطر لهم هذا الخاطر في أشد الحالات وجدا ولذعا ومرارة . بل إنهم لم يفكروا في إنقاصهم حقا واحدا من حقوقهم التي يخولها لهم الإسلام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا} (93)

{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } لما فيه من التهديد العظيم . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما . " لا تقبل توبة قاتل المؤمن عمدا " . ولعله أراد به التشديد إذ روي عنه خلافه . والجمهور على أنه مخصوص بمن لم يتب لقوله تعالى : { وإني لغفار لمن تاب } ونحوه وهو عندنا إما مخصوص بالمستحل له كما ذكره عكرمة وغيره ، ويؤيده أنه نزل في مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار ولم يظهر قاتله ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعوا إليه ديته فدفعوا إليه ثم حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكة مرتدا ، أو المراد بالخلود المكث الطويل فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم .