الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا} (93)

قوله : ( وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِناً مُّتَعَمِّداً ) الآية [ 93 ] .

وروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم يقال : " والله للدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مسلم بغير حق " ( {[13253]} ) .

وروى عنه أيضاً أنه قال : " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب( {[13254]} ) على جبهته : آيس من رحمة الله " . وعنه( {[13255]} ) صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل ذنب عسى [ الله ]( {[13256]} ) أن يغفره إلا لمن مات مشركاً ، أو من قتل مؤمناً متعمداً( {[13257]} ) " المعنى : من يتعمد( {[13258]} ) قتل مؤمن فجزاؤه جهنم .

وقتل العمد عند مالك( {[13259]} ) سواء كان بحجر أو عصا( {[13260]} ) أو حديدة فيه القود( {[13261]} ) . وقال غيره : لا يكون قتل العمد إلا بحديد( {[13262]} ) ، وأثبت جماعة شبه( {[13263]} ) العمد وهو قول الشافعي ، وهو الضرب بالخشبة الضخمة والحجر( {[13264]} ) ، فجعلوا فيه ثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة وأربعين خليفة .

وليس عند أكثرهم في القتل غير الخطأ أو العمد ، فأما( {[13265]} ) شبه العمد فليس له نص في كتاب الله ، ولا تواترت( {[13266]} ) به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم( {[13267]} ) . . ( {[13268]} ) .

مذهب مالك : ومن أحرق رجلاً قتل به ، وهو عمد( {[13269]} ) ، ولو أطعمه شيئاً فقتله( {[13270]} ) ، وقال : لم أرد قتله إنما أردت أن أسكره ، فقال مالك : يقتل ، ولا يقبل منه ، وهو عمد( {[13271]} ) . ومن قتل رجلاً بخنق فهو عمد ، وقال محمد بن الحسن : إذا( {[13272]} ) خنقه ، وألقاه من ظهر جبل أو سلم( {[13273]} ) ( فمات )( {[13274]} ) فهو خطأ( {[13275]} ) . وإذا أمسكه واحد وقتله الآخر قتلا به جميعاً عند مالك ، إلا أن يكون الممسك أمسكه وهو لا يظن أن الآخر يقتله ، فيعاقب ولا يقتل الممسك( {[13276]} ) ، وإذا أمر الرجل عبده بقتل رجل فقتله العبد فيقتلان جميعاً عند مالك( {[13277]} ) ، وهو قول قتادة .

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : أما العبد فيسجن ، وأما السيد فيقتل . وقال أبو هريرة : يقتل الآمر دون العبد وكذلك قال الحسن وعكرمة ، وقال الشعبي يقتل العبد ويضرب السيد . وقال الشافعي : إن كان العبد أعجمياً ، أو صبياً فعلى السيد القود دون العبد ، وإن كان يعقل ويفهم ، فعلى العبد القود ، وعلى السيد العقوبة( {[13278]} ) . فإن أمره رجل بقتل آخر ، فقتله فعلى القاتل القود عند مالك( {[13279]} ) ، والشافعي( {[13280]} ) ، وجماعة من التابعين .

وقوله : ( فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ) معناه : فجزاؤه( {[13281]} ) إن جازاه ، قاله التميمي( {[13282]} ) وغيره ، ورواه ابن جبير عن ابن عباس . وهو كما يقول الرجل لعبد( {[13283]} ) قد جنى عليه : ما جزاؤك إلا كذا وكذا ، وهو لا يفعل به ذلك ، فمعناه هذا جزاؤك إن جوزيت( {[13284]} ) على ذنبك ، فكذلك الآية ، معناها : فجزاؤه إن جوزي على فعله جهنم ، والله أكرم الأكرمين ، له العفو وله العقوبة يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه( {[13285]} ) .

وقوله : ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَّشَاءُ )( {[13286]} ) يدل على جوازز العفو على القاتل عمداً .

وقيل : إنها نزلت في رجل بعينه أسلم ، ثم ارتد ، وقتل رجلاً مؤمناً ، فمعنى الآية : ومن يقتل مؤمناً متعمداً مستحلاً قتله فجزاؤه جهنم ، فالكافر يقتل المؤمن مستحلاً وليس كذلك المؤمن ، بل إن قتل فإنما( {[13287]} ) يقتل وهو( {[13288]} ) يعلم أن قتله حرام .

وقيل : نزلت في رجل من الأنصار قُتِل ولي له . وقيل( {[13289]} ) الدية ، ثم وثب( {[13290]} ) على قاتل وليه( {[13291]} ) فقتله وارتد ، قال ذلك ابن جريج وغيره( {[13292]} ) .

وقال مجاهد : إلا من تاب( {[13293]} ) يعني أن العفو من الله جائز للقاتل( {[13294]} ) عمداً إذا تاب ، وهو قول ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وجماعة من العلماء( {[13295]} ) .

وعن ابن عباس أنه لا توبة له ، وأنها محكمة لم تنسخ( {[13296]} ) .

وقال زيد بن ثابت : نزلت ( وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِناً مُتَعَمِّداً ) الآية بعد أن نزلت .

( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ ) الآية بأربعة أشهر( {[13297]} ) .

وقال ابن عباس : هذه الآية التي في النساء مدنية نسخت التي في الفرقان ( اِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ )( {[13298]} ) لأنها مكية( {[13299]} ) .

وعن ابن عمر وزيد بن ثابت : إن للقاتل( {[13300]} ) توبة وهو قول جماعة من العلماء لقوله : ( اِلاَّ مَنْ تَابَ ) وقوله : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وَءَامَنَ )( {[13301]} ) وقوله : ( وَهُوَ الذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ )( {[13302]} )( {[13303]} ) . وروي عن ابن عباس أنه قال : التي في الفرقان نزلت في أهل الشرك( {[13304]} ) .

وعن زيد بن ثابت أنه قال : نزلت سورة النساء بعد الفرقان بستة أشهر .

وكان الطبري يقول : جزاؤه جهنم حقاً ، ولكن الله يعفو ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله ، فلا يجازيه بالخلود فيها إما أن يعفو ، فلا يدخلهم النار ، وإما أن يدخلهم ، ثم يخرجهم بفضل رحمته لقوله ( إِنَّ اللَّهَ( {[13305]} ) يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً )( {[13306]} ) .


[13253]:- خرجه الترمذي في أبواب الديات 2/426، وابن ماجه في كتاب الديات 2/874، والنسائي في كتاب تحريم الدم 7/82.
[13254]:- (ج): مكرب وهو خطأ.
[13255]:- خرجه ابن ماجه في كتاب الدية 2/874، وذكره الجامع الصغير 2/574.
[13256]:- ساقط من (أ).
[13257]:- خرجه ابن ماجه في كتاب الديات 2]/874، والنسائي في كتاب تحريم الدم 7/81.
[13258]:- (د): من يتعد.
[13259]:- انظر: المدونة الكبرى 4/433.
[13260]:- (أ): أو عما.
[13261]:- القَوَد بفتح القاف والواو: قتل النفس بالنفس، والقود: القصاص. انظر: طلبة الطلبة 331، واللسان قود 3/372.
[13262]:- هو قول الشافعي في: الأم 6/6.
[13263]:- (د): شبيه.
[13264]:- في نظر من أثبت شبه العمد أن الضرب مقصود، والقتل غير مقصود ومنهم أبو حنيفة والشافعي. انظر: أحكام ابن العربي 1/479، وفي الحديث "قتل الخطأ شبه العمد"، خرجه ابن ماجه في كتاب الديات 2/877.
[13265]:- (أ): وما.
[13266]:- (أ): ولا تواثر.
[13267]:- خرج ابن ماجه عن عبد الله بن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قتيل الخطأ شبه العمد. انظر: سنن ابن ماجه كتاب الديات 2/877، وجامع البيان 5/216.
[13268]:- (أ) (ج): بياض وفي (د): صلى الله عليه وسلم كفته مذهب مالك.
[13269]:- انظر: الموطأ باب القصص في القتل 729.
[13270]:- (د): فيقتله.
[13271]:- انظر: المدونة الكبرى 4/432.
[13272]:- (د): لاذا.
[13273]:- (ج): سهم.
[13274]:- ساقط من (ج).
[13275]:- انظر: الأم 6/7.
[13276]:- انظر: الموطأ: 730.
[13277]:- انظر: الموطأ: 730، والمدونة الكبرى 4/463.
[13278]:- انظر: الأم 6/44.
[13279]:- انظر: الموطأ: 730.
[13280]:- الأم 6/44.
[13281]:- (ج): جزاه.
[13282]:- هو أبو إسحاق إبراهيم بن الزبرقان التميمي توفي 238 هـ كان صاحب سنة وتفسير، حسن الحديث وثقه ابن معين، انظر: تاريخ الثقات/521، ولسان الميزان 1/58.
[13283]:- (د): الرجل: العبد.
[13284]:- (أ): جوزت.
[13285]:- انظر: جامع البيان 5/221.
[13286]:- النساء آية 47.
[13287]:- (ج): وإنما.
[13288]:- (د): فهو.
[13289]:- (د): وقيل.
[13290]:- (ج): رتب على القاتل.
[13291]:- (د): وإليه.
[13292]:- انظر: أسباب النزول: 98.
[13293]:- الفرقان آية 70.
[13294]:- (ج): لقاتل.
[13295]:- انظر: جامع البيان 19/40.
[13296]:- يظهر أن هناك روايتين عن ابن عباس واحدة تقول بأن الآية منسوخة. انظر: جامع البيان 19/44 والأخرى تقول بأن الآية محكمة، انظر: جامع البيان 5/220.
[13297]:- هذه الآية محل نزاع بين العلماء: أهي محكمة أم منسوخة؟ من قال: إنها منسوخة احتج بأنها حكمت بخلود القاتل في النار وذلك منسوخ بقوله: (اِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ) وقيل نسخها قوله تعالى: (وَالذِينَ لاَ يَدْعُونَ... اِلاَّ مَن تَابَ). ومن قال إنها محكمة: اختلف في طريق أحكامها، قيل: إن قاتل المؤمن مخلد في النار، وأكدوا هذا بأنه خبر والأخبار لا يدخلها النسخ. وبهذا وردت الرواية عن ابن عباس وأبي هريرة، وقيل: إنها عامة دخلها التخصيص، والتخصيص ليس ينسخ فهي محكمة. انظر: الإيضاح في الناسخ 197-210، ونواسخ القرآن 135-139.
[13298]:- الفرقان آية 71.
[13299]:- انظر: جامع البيان 19/44.
[13300]:- (أ): القاتل.
[13301]:- طه آية 80.
[13302]:- الشورى آية 23.
[13303]:- انظر: جامع البيان 19/44-48.
[13304]:- انظر: جامع البيان 1ç/46.
[13305]:- (أ): إن الله لا يغفر وهو خطأ.
[13306]:- الزمر آية 30. وانظر: جامع البيان 5/221.