غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا} (93)

92

ثم لما ذكر حكم القتل الخطأ أردفه ببيان حكم القتل العمد وله أحكام وجوب الدية والكفارة عند غير أبي حنيفة ومالك والقصاص كما مر في البقرة ، فلا جر اقتصر ههنا على بيان ما فيه من الإثم والوعيد ، ولا يخفى ما في الآية من التخويف والتهديد فلا جرم تمسكت الوعيدية بها في القطع بخلود الفاسق في النار . وأجيب بوجهين : الأول إجماع المفسرين على أنها نزلت في كافر قتل مؤمناً . روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن مقيس بن ضبابة وجد أخاه قتيلاً في بني النجار وكان مسلماً ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسولاً من بني فهر وقال له : ائت بني النجار فاقرأهم السلام وقل لهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منه ، وإن لم تعملوا له قاتلاً أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلاً ولكنا نؤدي إليه ديته فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين إلى المدينة وبينهما وبين المدينة قريب ، فأتى الشيطان مقيساً فوسوس إليه فقال : أي شيء صنعت تقبل دية أخيك فيكون عليك مسبة ؟ اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية . فرمى الفهري بصخرة فشدخ رأسه ثم ركب بعيراً منها وساق بقيتها راجعاً إلى مكة كافراً وجعل يقول في شعره :

قتلت به فهراً وحملت عقله *** سراة بني النجار أرباب فارع

وأدركت ثأري واضطجعت موسدا *** وكنت إلى الأوثان أول راجع

فنزلت الآية فيه { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة فأدركه الناس بالسوق فقتلوه . الوجه الثاني أنه يجوز عندنا أن يخلف الله وعيد المؤمنين فإن خلف الوعيد كرم . وضعف الوجه الأول بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وبأن ما قبل الآية وما بعدها في نهي المؤمن عن قتل المؤمن فكذا هذه الآية ، وبأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فيجب أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو مجرد القتل العمد ، وبأن الكفر بالاستقلال موجب لهذا الوعيد فأي فائدة في ضم القتل إليه ؟ وإذا لا أثر للقتل في هذه الصورة فيكون الكلام جارياً مجرى قول القائل " إنّ من تنفس لجزاؤه جهنم " وزيف الوجه الثاني بأن الوعيد قسم من أقسام الخبر .

وإذا جاز الكذب فيه لغرض إظهار الكرم فلم لا يجوز في القصص والأخبار وغير ذلك لغرض المصلحة ؟ وفتح هذا الباب يفضي إلى الطعن في الشرائع . قال القفال : الآية تدل على أنّ جزاء القتل العمد هو ما ذكر . وقد يقول الرجل لغيره : جزاؤك أني أفعل بك كذا إلاّ أني لا أفعله . ولا يخفى ضعف هذا الجواب أيضاً لدلالة سائر الآيات كقوله :{ من يعمل سوءاً يجز به }

[ النساء :123 ]{ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }[ الزلزلة :8 ] على أنه يوصل الجزاء إلى المستحقين ، ولأن قوله : { وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً } صريح في أنه تعالى سيفعل به ذلك لا سيما وقد أخبر عنه بلفظ الماضي ليعلم أنه كالواقع . ولتأكد هذه المعاني نقل عن ابن عباس أن توبة من أقدم على القتل العمد العدوان غير مقبولة . وعن سفيان كان أهل العلم إذا سألوا قالوا : لا توبة له . وحمله الجمهور على التغليظ والتشديد وإلاّ فكل ذنب ممحوّ بالتوبة حتى الشرك . هذا عند المعتزلة ، وعند الأشاعرة كل الذنوب يحتمل العفو إلاّ الشرك لقوله تعالى :{ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }[ النساء :48 ] .

/خ101