ثم لما ذكر حكم القتل الخطأ أردفه ببيان حكم القتل العمد وله أحكام وجوب الدية والكفارة عند غير أبي حنيفة ومالك والقصاص كما مر في البقرة ، فلا جر اقتصر ههنا على بيان ما فيه من الإثم والوعيد ، ولا يخفى ما في الآية من التخويف والتهديد فلا جرم تمسكت الوعيدية بها في القطع بخلود الفاسق في النار . وأجيب بوجهين : الأول إجماع المفسرين على أنها نزلت في كافر قتل مؤمناً . روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن مقيس بن ضبابة وجد أخاه قتيلاً في بني النجار وكان مسلماً ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسولاً من بني فهر وقال له : ائت بني النجار فاقرأهم السلام وقل لهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منه ، وإن لم تعملوا له قاتلاً أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلاً ولكنا نؤدي إليه ديته فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين إلى المدينة وبينهما وبين المدينة قريب ، فأتى الشيطان مقيساً فوسوس إليه فقال : أي شيء صنعت تقبل دية أخيك فيكون عليك مسبة ؟ اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية . فرمى الفهري بصخرة فشدخ رأسه ثم ركب بعيراً منها وساق بقيتها راجعاً إلى مكة كافراً وجعل يقول في شعره :
قتلت به فهراً وحملت عقله *** سراة بني النجار أرباب فارع
وأدركت ثأري واضطجعت موسدا *** وكنت إلى الأوثان أول راجع
فنزلت الآية فيه { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة فأدركه الناس بالسوق فقتلوه . الوجه الثاني أنه يجوز عندنا أن يخلف الله وعيد المؤمنين فإن خلف الوعيد كرم . وضعف الوجه الأول بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وبأن ما قبل الآية وما بعدها في نهي المؤمن عن قتل المؤمن فكذا هذه الآية ، وبأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فيجب أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو مجرد القتل العمد ، وبأن الكفر بالاستقلال موجب لهذا الوعيد فأي فائدة في ضم القتل إليه ؟ وإذا لا أثر للقتل في هذه الصورة فيكون الكلام جارياً مجرى قول القائل " إنّ من تنفس لجزاؤه جهنم " وزيف الوجه الثاني بأن الوعيد قسم من أقسام الخبر .
وإذا جاز الكذب فيه لغرض إظهار الكرم فلم لا يجوز في القصص والأخبار وغير ذلك لغرض المصلحة ؟ وفتح هذا الباب يفضي إلى الطعن في الشرائع . قال القفال : الآية تدل على أنّ جزاء القتل العمد هو ما ذكر . وقد يقول الرجل لغيره : جزاؤك أني أفعل بك كذا إلاّ أني لا أفعله . ولا يخفى ضعف هذا الجواب أيضاً لدلالة سائر الآيات كقوله :{ من يعمل سوءاً يجز به }
[ النساء :123 ]{ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }[ الزلزلة :8 ] على أنه يوصل الجزاء إلى المستحقين ، ولأن قوله : { وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً } صريح في أنه تعالى سيفعل به ذلك لا سيما وقد أخبر عنه بلفظ الماضي ليعلم أنه كالواقع . ولتأكد هذه المعاني نقل عن ابن عباس أن توبة من أقدم على القتل العمد العدوان غير مقبولة . وعن سفيان كان أهل العلم إذا سألوا قالوا : لا توبة له . وحمله الجمهور على التغليظ والتشديد وإلاّ فكل ذنب ممحوّ بالتوبة حتى الشرك . هذا عند المعتزلة ، وعند الأشاعرة كل الذنوب يحتمل العفو إلاّ الشرك لقوله تعالى :{ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }[ النساء :48 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.