وقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية ( يحتمل وجوها : أحدها ){[6358]} : قيل في بعض القصة : إن رجلا قتل آخر عمدا . فلما علم أنه يقتل به ارتد عن الإسلام ، ولحق بدار الحرب ، فنزل الوعيد . وهذا ، والله أعلم ، كقوله تعالى : { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } ( فصلت : 7 ) كانوا( يمتنعون عن ){[6359]} الزكاة لما كان عندهم أن الزكاة تنقص المال ، فجحدوا بها رأسا كقوله تعالى : { لم نك من المصلين } { ولم نك نطعم المسكين } { وكنا نخوض مع الخائضين } { وكنا نكذب بيوم الذين } ( المدثر : 43-46 ) فتركوا الصلاة والزكاة لما يلحقهم بذلك من مؤن وأشغال نشغلهم . ذلك كله مما {[6360]} تهوى أنفسهم ، فأنكروا رأسا لأنهم إن صلوا ، وأدوا الزكاة ، لا يكون ذلك صلاة وزكاة إذ كانوا يكذبون بيوم الدين .
فعلى ذلك قاتل المسلم عمدا ، إذ علم أنه مقتول به ترك دينه ، فصار من أهل النار خالدا مخلدا فيها .
والثاني : {[6361]} يحتمل قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } لدينه ، يقتله عمدا غير غالط ولا جاهل عالما{[6362]} بذلك ، وإلى قتله ليدينه قاصدا{[6363]} ، ومن كان هذه صفته فقد كفر ، ووجب له هذا الوعيد الذي ذكره في كتابه الكريم إلا أن يجدد إيمانه{[6364]} ، فإن الله تعالى يقبل إيمانه وتوبته .
والثالث : أن يكون الوعيد الذي ذكره في كتابه ، ذلك جزاؤه ، ولله الإفضال عليه بالعفو والمجاوزة ؛ إذ ذلك جزاؤه إن لم يكن له حسنات كقوله : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات }( الفرقان : 70 ) .
ثم الدليل أن الآية في من قتل مسلما لدينه قاصدا لنفسه دون دينه قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } ( البقرة : 178 )وإنما كتب{[6365]} عليهم إذا كان القتل قتل عمد ، وأبقى لهم بعد القتل اسم الإيمان . ثم قال : { فمن عفى له من أخيه شيء } فأبقى لهم اسم الأخوة . ثم قال : { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } أطمعه في رحمته عز وجل ، وبعيد أن يكون له مع هذا خلود في النار . فدلت الآية على بقاء اسم الإيمان وعلى رجاء الرحمة ، وهما معنيان ينقضان قول المعتزلة حين خلدوا ( صاحب ){[6366]} الكبيرة في النار ، ولأنه تعالى قال : { فجزاؤه جهنم خالدا فيها } ، ولم يقل : يجزيه . وله أن يتفضل بالعفو عنه على ما وصفنا ، وبالله التوفيق والنجاة .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه ، في تأويل الآية ما يؤيد ما قلنا ؛ روي عنه أنه قال في قوله ( سبحانه وتعالى : { فجزائه جهنم } الآية قال : ( جزاؤه إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ) .
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في من قبلكم رجل ){[6367]} قتل تسعا وتسعين نفسا ، فسأل عن علم أهل الأرض ، فدل على راهب ، فأتاه ، فقال : إني قلت تسعا وتسعين نفسا بغير حق فهل لي من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله ، ثم سأل عن علم أهل الأرض ، فدل على رجل ، فأتاه ، فقال : إني قتلت مئة نفس بغير حق ، فه لي من توبة ؟ قال : نعم ، ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن فيها ناسا يعبدون الله ، فاعبده معهم . فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصم به ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأتاهم ملك ، فجعلوه حكما بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، قال : أيهما كان أدنى وأقرب فهو له ، فقاسوه ، فوجدوه أدنى من الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة " ( البخاري : 3470 ) ألا ترى أنه لما كان كافرا ، فقتل مئة نفس ، فقبلت توبته . ولو كان مسلما كانت مظالم المقتولين في عنقه باقية . فهذا الحديث يدل ، والله أعلم ، على أن التأويل ما ذكرنا ؟ وبالله التوفيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.