التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

وبعد أن عدد القرآن مساوئ أولئك الضالين ، وبين سوء مصيرهم ، ومآلهم ، وجه إليهم الإِنكار والتوبيخ فخاطبهم بقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ . . . }

{ كَيْفَ } اسم استفهام للسؤال عن الأحوال ، وليس المراد به هنا استعلام المخاطبين عن حال كفرهم ، وإنما المراد منه معنى تكثر تأديته في صورة الاستفهام وهو الإِنكار والتوبيخ ، كما تقول لشخص : كيف تؤذى أباك وقد رباك ؟ لا تقصد إلا أن تنكر عليه أذيته لأبيه وتوبيخه عليها .

وفي الآية الكريمة التفات من الغيبة إلى الخطاب ؛ لزيادة تقريعهم والتعجب من أحوالهم الغريبة ، لأنهم معهم ما يدعو إلى الإيمان ومع ذلك فهم منصرفون إلى الكفر .

وقوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ } جار مجرى التنبيه على أن كفرهم ناشئ عن جهل وعدم تأمل في أدلة الإِيمان القائمة أمام أعينهم .

والأموات : جمع ميت بمعنى المعدوم . والإِحياء : بمعنى الخلق .

والمعنى : كيف تكفرون بالله وحالكم أنكم كنتم معدومين فخلقكم ، وأخرجكم إلى الوجود كما قال - تعالى - : { هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } ويصح أن يفسر الأموات بمعنى فاقدي الحياة . والإِحياء بنفخ الروح فيهم فيكون المعنى : وكنتم أمواتاً يوم استقراركم نطفاً في الأرحام إلى تمام الأطوار بعدها ، فنفخ فيكم الأرواح ؛ وأصبحتم في طور إإحساس وحركة وتفكير وبيان .

وبعد أن وبخهم على كفرهم بمن أخرجهم من الموت إلى الحياة ، أورد جملا لاستيفاء الأطوار التي ينتقل فيها الإِنسان من مبدأ الحياة إلى مقره الخالد في دار نعيم أو عذاب فقال : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } يبعثكم بعد الموت { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . أي تصيرون إليه دون سواه ، فيجمعكم في المحشر ؛ ويتولى حسابكم ، والحكم في أمركم بمقتضى عدله { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } أما الإِماتة فهم يشاهدونها بأعينهم بين الحين والحين ، وأما البعث فقد أخبر الله عنه بما يدل على صحته وينفي استبعاد ، بأدلة عقلية ونقلية كثيرة ، أما الأدلة العقلية ، فمنها : أن الذي قدر على إحيائهم من العدم ، قادر على إحيائهم وإعادتهم بعد موتهم فإن الإِعادة أهون من البدء دائما ، وأما الأدلة النقلية ، فمنها قوله - تعالى - : { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ } وفي قوله - تعالى - { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ترهيب لمن ينزع إلى الشر ، ويرتكب المعاصي من غير مبالاة ، وترغيب لمن يقبل على فعل الخير ، ويقدم على الطاعات . قال الجمل : " والفاء في قوله { فَأَحْيَاكُمْ } على بابها من التعقيب ، وثم على بابها من التراخي ، لأن المراد بالموت الأول ، العدم السابق ، وبالحياة الأولى الخلق ، وبالموت الثاني الموت المعهود ، وبالحياة الثانية الحياة للبعث فجاءت الفاء وثم على بابيهما من التعيب والتراخي ، على هذا التفسير وهو أحسن الأقوال ، ويعزى لابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخ عن البعث "

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

1

وعند هذا البيان الكاشف لآثار الكفر والفسوق في الأرض كلها يتوجه إلى الناس باستنكار كفرهم بالله المحيي المميت الخالق الرازق المدبر العليم :

( كيف تكفرون بالله ، وكنتم أمواتا فأحياكم ، ثم يميتكم ، ثم يحييكم ، ثم إليه ترجعون ؟ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ؛ ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ) . .

والكفر بالله في مواجهة هذه الدلائل والآلاء كفر قبيح بشع ، مجرد من كل حجة أو سند . . والقرآن يواجه البشر بما لا بد لهم من مواجهته ، والاعتراف به ، والتسليم بمقتضياته . يواجههم بموكب حياتهم وأطوار وجودهم . لقد كانوا أمواتا فأحياهم . كانوا في حالة موت فنقلهم منها إلى حالة حياة ولا مفر من مواجهة هذه الحقيقة التي لا تفسير لها إلا بالقدرة الخالقة . إنهم أحياء ، فيهم حياة . فمن الذي أنشأ لهم هذه الحياة ؟ من الذي أوجد هذه الظاهرة الجديدة الزائدة على ما في الأرض من جماد ميت ؟ إن طبيعة الحياة شيء آخر غير طبيعة الموت المحيط بها في الجمادات . فمن أين جاءت ؟ إنه لا جدوى من الهروب من مواجهة هذا السؤال الذي يلح على العقل والنفس ؛ ولا سبيل كذلك لتعليل مجيئها بغير قدرة خالقة ذات طبيعة أخرى غير طبيعة المخلوقات . من أين جاءت هذه الحياة التي تسلك في الأرض سلوكا آخر متميزا عن كل ما عداها من الموات ؟ . . لقد جاءت من عند الله . . هذا هو أقرب جواب . . وإلا فليقل من لا يريد التسليم : أين هو الجواب !

وهذه الحقيقة هي التي يواجه بها السياق الناس في هذا المقام :

( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ؟ ) . .

كنتم أمواتا من هذا الموات الشائع من حولكم في الأرض فأنشا فيكم الحياة ( فأحياكم ) . . فكيف يكفر بالله من تلقى منه الحياة ؟

( ثم يميتكم ) . .

ولعل هذه لا تلقى مراء ولا جدلا ، فهي الحقيقة التي تواجه الأحياء في كل لحظة ، وتفرض نفسها عليهم فرضا ، ولا تقبل المراء فيها ولا الجدال .

( ثم يحييكم ) . .

وهذه كانوا يمارون فيها ويجادلون ؛ كما يماري فيها اليوم ويجادل بعض المطموسين ، المنتكسين إلى تلك الجاهلية الأولى قبل قرون كثيرة . وهي حين يتدبرون النشأة الأولى ، لا تدعو إلى العجب ، ولا تدعو إلى التكذيب .

( ثم إليه ترجعون ) . .

كما بدأكم تعودون ، وكما ذرأكم في الأرض تحشرون ، وكما انطلقتم بإرادته من عالم الموت إلى عالم الحياة ، ترجعون إليه ليمضي فيكم حكمه ويقضي فيكم قضاءه . .

وهكذا في آية واحدة قصيرة يفتح سجل الحياة كلها ويطوى ، وتعرض في ومضة صورة البشرية في قبضة الباريء : ينشرها من همود الموت أول مرة ، ثم يقبضها بيد الموت في الأولى ، ثم يحييها كرة أخرى ، وإليه مرجعها في الآخرة ، كما كانت منه نشأتها في الأولى . . وفي هذا الاستعراض السريع يرتسم ظل القدرة القادرة ، ويلقي في الحس إيحاءاته المؤثرة العميقة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

يقول تعالى محتجًا على وجوده وقدرته ، وأنه الخالق المتصرف في عباده : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ } أي : كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره ! { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } أي : قد كنتم عدمًا فأخرجكم إلى الوجود ، كما قال تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ } [ الطور : 35 ، 36 ] ، وقال { هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } [ الإنسان : 1 ] والآيات في هذا كثيرة .

وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } [ غافر : 11 ] قال : هي التي في البقرة : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ }

وقال ابن جُريج{[1449]} ، عن عطاء ، عن ابن عباس : { كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } أمواتا في أصلاب آبائكم ، لم تكونوا شيئًا حتى خلقكم ، ثم يميتكم موتة الحق ، ثم يحييكم حين يبعثكم . قال : وهي مثل قوله : { [ رَبَّنَا ]{[1450]} أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } قال : كنتم ترابًا قبل أن يخلقكم{[1451]} ، فهذه ميتة ، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة ، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى . فهذه ميتتان وحياتان ، فهو كقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ }

وهكذا روي عن السدي بسنده ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة - وعن أبي العالية والحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نَحْوُ ذلك .

وقال الثوري ، عن السدي عن أبي صالح : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قال : يحييكم{[1452]} في القبر{[1453]} ، ثم يميتكم .

وقال ابن جرير عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ؛ خلقهم في{[1454]} ظهر آدم ثم أخذ{[1455]} عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم يوم القيامة . وذلك كقول الله تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } وهذا غريب والذي قبله . والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس ، وأولئك الجماعة من التابعين ، وهو كقوله تعالى : { قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [ الجاثية : 26 ] .

[ وعبر عن الحال قبل الوجود بالموت بجامع ما يشتركان فيه من عدم الإحساس ، كما قال في الأصنام : { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ } [ النحل : 21 ] ، وقال { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } [ يس : 33 ]{[1456]} .


[1449]:في جـ، ط: "جرير".
[1450]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[1451]:في جـ: "أخلفكم".
[1452]:في أ: "يحيهم".
[1453]:في جـ: "القبور".
[1454]:في جـ، ط: "من".
[1455]:في جـ، ط: "من".
[1456]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 28 )

وقوله تعالى : { كيف تكفرون } لفظه الاستفهام وليس به ، بل هو تقرير وتوبيخ ، أي كيف تكفرون بالله ونعمه عليكم وقدرته هذه ؟ و { كيف } في موضع نصب على الحال والعامل فيها { تكفرون } ، وتقديرها أجاحدين تكفرون أمنكرين تكفرون ؟ و { كيف } مبنية ، وخصت بالفتح لخفته ، ومن قال إن { كيف } تقرير وتعجب فمعناه إن هذا الأمر إن عن فحقه أن يتعجب منه لغرابته وبعده عن المألوف من شكر المنعم ، والواو في قوله { وكنتم } واو الحال( {[389]} ) ، واختلف في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين : فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد .

«فالمعنى كنتم أمواتاً معدومين قبل أن تخلقوا دارسين ، كما يقال للشيء الدارس ميت ، ثم خلقتم وأخرجتم إلى الدنيا فأحياكم ثم أماتكم الموت المعهود ، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة »( {[390]} ) .

وقال آخرون : «كنتم أمواتاً بكون آدم من طين ميتاً قبل أن يُحيى ثم نفخ فيه الروح فأحياكم بحياة آدم ثم يميتكم ثم يحييكم على ما تقدم » .

وقال قتادة : «كنتم أمواتاً في أصلاب آبائكم فأخرجتم إلى الدنيا فأحياكم ثم كما تقدم » .

وقال غيره : «كنتم أمواتاً في الأرحام قبل نفخ الروح ثم أحياكم بالإخراج إلى الدنيا ثم كما تقدم » .

وقال ابن زيد : «إن الله تعالى أخرج نسم بني آدم أمثال الذر ثم أماتهم بعد ذلك فهو قوله وكنتم أمواتاً ، ثم أحياهم بالإخراج إلى الدنيا ثم كما تقدم » .

وقال ابن عباس وأبو صالح : «كنتم أمواتاً بالموت المعهود ثم أحياكم للسؤال في القبور ، ثم أماتكم فيها ، ثم أحياكم للبعث » .

وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : «وكنتم أمواتاً بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم » .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والقول الأول هو أولى هذه الأقوال ، لأنه الذي لا محيد للكفار عن الإقرار به في أول ترتيبه ، ثم إن قوله أولاً { كنتم أمواتاً } وإسناده آخراً الإماتة إليه تبارك وتعالى مما يقوي ذلك القول ، وإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتاً معدومين ثم للإحياء في الدنيا ثم للإماتة فيها قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر ، وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها ، والضمير في { إليه } عائد على الله تعالى أي إلى ثوابه أو عقابه ، وقيل هو عائد على الاحياء ، والأول أظهر .

وقرأ جمهور الناس «تُرجَعون » بضم التاء وفتح الجيم .

وقرأ ابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن يعمر وسلام والفياض بن غزوان( {[391]} ) ويعقوب الحضرمي : «يَرجع ويَرجعون وتَرجعون » بفتح الياء والتاء حيث وقع . ( {[392]} )


[389]:- على تقدير (قد) كما هو واضح، يعني: (وقد كنتم أمواتا).
[390]:- مثل هذا قوله تعالى: [ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين] وهذا هو المراد بالآية الكريمة وهو أعدل الأقوال وأولاها للزومه للكفار، فإنهم إذا اعترفوا بالإحياء الأول لزمهم الإعتراف بالإحياء الأخير وهو البعث، ويؤيد ذلك إسناد الإماتة إلى الله آخرا.
[391]:- سلام بن سليمان الطويل البصري، مقرئ كبير مات سنة 171هـ والفياض بالفاء هو ابن غزوان الضبي الكوفي، مقرئ قال فيه الإمام أحمد: شيخ ثقة.
[392]:- أي: لأن (رجع) يكون متعديا ولازما، كما تقدم في (هدى) وأنه يكون لازما ومتعديا، ومن المتعدي قوله تعالى: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم) أي: ردك.