محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

{ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون 28 } .

{ كيف تكفرون بالله } التفات إلى خطاب المذكورين ، مبني على إيراث ما عدّد من قبائحهم السابقة ، لتزايد السخط الموجب للمشافهة بالتوبيخ والتقريع . والاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع ، واستبعاده ، والتعجيب منه ، لأن معهم ما يصرف عن الكفر ، ويدعو إلى الإيمان { وكنتم أمواتا } أجساما لا حياة لها عناصر ، وأغذية ، ونطفا ، ومضغا مخلَّقة وغير مخلَّقة وإطلاق الأموات على تلك الأجسام الجمادية ، إما حقيقة بناء على أن الميت عادم الحياة مطلقا ، كما في قوله تعالى : { بلدة ميتا } {[535]} و{ وآية لهم الأرض الميتة } {[536]} . أو استعارة ، جريا على أن إطلاق الميت فيما تصح فيه الحياة ، لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس . { فأحياكم } بخلق الأرواح ، ونفخها فيكم . وإنما عطفه بالفاء لأنه متصل بما عطف عليه ، غير متراخ عنه ، بخلاف البواقي { ثم يميتكم } عند تقضي آجالكم { ثم يحييكم } بالنشور ، والبعث ، للحساب والجزاء { ثم إليه ترجعون } بعد الحشر فيجازيكم بأعمالكم : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . فما أعجب كفركم مع علمكم بحالتكم هذه . . !

فإن قيل : إن علموا أنهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم ، لم يعلموا أنه يحييهم ثم إليه / يرجعون ، فكيف نظم ما ينكرونه ، من الإحياء الأخير والرجع ، في سلك ما يعترفون به من الإحياء الأول والإماتة . . ؟

قلت : تمكّنهم من العلم بهما لما نصب لهم من الدلائل منزل منزلة علمهم في إزاحة العذر . سيّما وفي الآية تنبيه على ما يدل على صحتهما . وهو أنه تعالى لما قدر على إحيائهم أولا ، قدر على أن يحييهم ثانيا . فإن بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته . . ! أو الخطاب ، مع أهل الكتابين . وإنكار اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها الله تعالى إما لأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر ، أو على نعم جسام حقها أن ُتشكر ولا تكفر . أو لإرادة الأمرين جميعا . فإن ما عدّده آيات ، وهي مع كونها آيات من أعظم النعم .


[535]:[25/ الفرقان/ 49] ونصها: {لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا 49}. و[50/ ق/ 11] ونصها: {رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج 11}.
[536]:[36/ يس/ 33] ونصها: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون 33}.