بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ } ، قال ابن عباس : هو على وجه التعجب . وقال الفراء : هو على وجه التوبيخ والتعجب لا على وجه الاستفهام ، فكأنه قال : ويحكم كيف تكفرون وتجحدون بوحدانية الله تعالى . فإن قيل : كيف يجوز التعجب من الله تعالى ؟ وإنما يجوز التعجب ممن رأى شيئاً لم يكن رآه أو سمع شيئاً لم يكن سمعه فيتعجب لذلك ، والله تعالى قد علم الأشياء قبل كونها . قيل له : التعجب من الله تعالى يكون على وجه التعجيب ، والتعجيب هو أن يدعو إلى التعجب فكأنه يقول : ألا تتعجبون أنهم يكفرون بالله ؟ وهذا كما قال في آية أخرى { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغلال فى أعناقهم وأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } [ الرعد : 5 ] .

ثم قال : { وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم } ، أي كنتم نطفة في أصلاب آبائكم فأحياكم في أرحام أمهاتكم { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقطاع آجالكم ، { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } للبعث يوم القيامة ، { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في الآخرة فتثابون بأعمالكم . قال الكلبي : فلما ذكر البعث عرف اليهود فسكتوا وأنكر ذلك المشركون فقالوا : ومن يستطيع أن يحيينا بعد الموت ؟ فنزل قوله تعالى : { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض جَمِيعاً ثُمَّ استوى إِلَى السماء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سموات وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ البقرة : 29 ] . فإن قيل : كيف يجوز أن يكون هذا الخطاب لليهود وهم لم يكفروا بالله تعالى ؟ فالجواب ما سبق ذكره : أنهم لما أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أنكروا وحدانية الله تعالى لأنهم أخبروا أن القرآن قول البشر .