لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

هذه كلمة تعجيب وتعظيم لما فيه العبد ، أي لا ينبغي مع ظهور الآيات أن يجنح إلى الكفر قلبُه .

ويقال تعرَّف إلى الخلق بلوائح دلالاته ، ولوامع آياته . فقال : { وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً } يعني نطفة ، أجزاؤها متساوية ، { فَأَحْيَاكُمْ } : بَشَراً اختصَّ بعض أجزاء النطفة بكونه عظماً ، وبعضها بكونه لحماً ، وبعضها بكونه شَعْراً ، وبعضها بكونه جِلداً . . إلى غير ذلك .

{ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بأن يجعلكم عظاماً ورفاتاً ، { ثُمَّ يُحْييكُمْ } بأن يحشركم بعدما صرتم أمواتاً ، { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي إلى ما سبق به حكم من السعادة والشقاوة .

ويقال : { كُنْتُمْ أمْوَاتاً } بجهلكم عنّا ، ثم { فَأَحْيَاكُمْ } بمعرفتكم بنا ، " ثم يميتكم " عن - شواهدكم ، " ثم يحييكم " به بأن يأخذكم عنكم ، { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي بحفظ أحكام الشرع بإجراء الحق .

ويقال { وكُنتُمْ أمْواتاً } لبقاء نفوسكم فأحياكم بفناء نفوسكم ثم يميتكم عنكم عن شهود ذلك لئلا تلاحظوه فيفسد عليكم ، ثم يحييكم بأن يأخذكم عنكم ثم إليه ترجعون بتقلبكم في قبضته سبحانه وتعالى .

ويقال يحبس عليهم الأحوال ؛ فلا حياة بالدوام ولا فناء بالكلية ، كلّما قالوا هذه حياة - وبيناهم كذلك - إذ أدال عليهم فأفناهم ، فإذا صاروا إلى الفناء أنبتهم وأبقاهم ، فهم أبداً بين نفي وإثبات ، وبين بقاء وفناءَ ، وبين صحو ومحو . . كذلك جرت سنته سبحانه معهم .