معاني القرآن للفراء - الفراء  
{كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (28)

وقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً . . . }

على وجه التعجُّب والتوبيخ ؛ لا على الاستفهام المحض ؛ [ أي ] وَيْحَكم كيف تكفرون ! وهو كقوله : { فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } . وقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } . المعنى - والله أعلم - وقد كنتم ، ولولا إضمار " قد " لم يجز مثله في الكلام . ألا ترى أنه قد قال في سورة يوسف : { إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ } . المعنى - والله أعلم - فقد كَذَبتْ . وقولك للرجل : أصبحتَ كَثُرَ مالُك ، لا يجوز إلاّ وأنتَ تريدُ : قد كَثُرَ مالُك ؛ لأنهما جميعا قد كانا ، فالثاني حال للأوّل ، والحالُ لا تكون إلا بإضمار " قد " أو بإِظهارها ؛ ومثله في كتاب الله : " أَوْ جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ " يريد - والله أعلم - [ جاءوكم قد حصِرت صدورهم ] .

وقد قرأ بعضُ القرّاء - وهو الحسن البصرِيّ - " حَصِرَةً صدورهم " . كأنه لم يعرف الوجه في أصبح عبد الله قام أو أقبل أخذ شاة ، كأنّه يريدُ فقد أخَذَ شاة .

وإذا كان الأوّل لم يَمْضِ لم يجز الثاني بقَدْ ، ولا بغير قد ، مثل قولك : كاد قام ، ولا أراد قام ؛ لانّ الإرادة شيء يكون ولا يكون الفعل ، ولذلك كان محالا قولك : عسى قام ؛ لأن عسى وإن كان لفظها على فَعَلَ فإنها لمستقبل ، فلا يجوز عسى قد قام ؛ ولا عسى قام ، ولا كاد قد قام ، ولا كاد قام ؛ لأن ما بعدهما لا يكون ماضيا ؛ فإن جئت بيكون مع عسى وكاد صلح ذلك فقلت : عسى أن يكون قد ذهب ، كما قال الله : { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذي تَسْتَعْجِلُونَ } .

وقوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ } يعنى نُطَفا ، وكل ما فارق الجسد من شعر أو نُطْفة فهو ميتة ؛ والله أعلم . يقول : فأحياكم من النُّطَف ، ثُم يميتكم بعد الحياة ، ثم يحييكم للبعث .