التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

8

وإلى جانب هذه الصورة النكدة من الإنسان ، يعرض صورة أخرى . . صورة القلب الخائف الوجل ، الذي يذكر الله ولا ينساه في سراء ولا ضراء ؛ والذي يعيش حياته على الأرض في حذر من الآخرة ؛ وفي تطلع إلى رحمة ربه وفضله ؛ وفي اتصال بالله ينشأ عنه العلم الصحيح المدرك لحقائق الوجود :

أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً ، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ? قل : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ? إنما يتذكر أولو الألباب .

وهي صورة مشرقة مرهفة . فالقنوت والطاعة والتوجه - وهو ساجد وقائم - وهذه الحساسية المرهفة - وهو يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه - وهذا الصفاء وهذه الشفافية التي تفتح البصيرة . وتمنح القلب نعمة الرؤية والالتقاط والتلقي . . هذه كلها ترسم صورة مشرقة وضيئة من البشر تقابل تلك الصورة النكدة المطموسة التي رسمتها الآية السابقة . فلا جرم يعقد هذه الموازنة :

( قل : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ? ) . .

فالعلم الحق هو المعرفة . هو إدراك الحق . هو تفتح البصيرة . هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود . وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن ، ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى ، ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس .

وهذا هو الطريق إلى العلم الحقيقي والمعرفة المستنيرة . . هذا هو . . القنوت لله . وحساسية القلب ، واستشعار الحذر من الآخرة ، والتطلع إلى رحمة الله وفضله ؛ ومراقبة الله هذه المراقبة الواجفة الخاشعة . . هذا هو الطريق ، ومن ثم يدرك اللب ويعرف ، وينتفع بما يرى وما يسمع وما يجرب ؛ وينتهي إلى الحقائق الكبرى الثابتة من وراء المشاهدات والتجارب الصغيرة . فأما الذين يقفون عند حدود التجارب المفردة ، والمشاهدات الظاهرة ، فهم جامعو معلومات وليسوا بالعلماء . .

إنما يتذكر أولو الألباب . .

وإنما يعرف أصحاب القلوب الواعية المتفتحة المدركة لما وراء الظواهر من حقائق . المنتفعة بما ترى وتعلم ، التي تذكر الله في كل شيء تراه وتلمسه ولا تنساه ، ولا تنسى يوم لقاه . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

يقول تعالى : أمن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أندادا ؟ لا يستوون عند الله ، كما قال تعالى : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] ، وقال هاهنا : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا } أي : في حال سجوده وفي حال قيامه ؛ ولهذا استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة ، ليس هو القيام وحده كما ، ذهب إليه آخرون .

قال الثوري ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن ابن مسعود أنه قال : القانت المطيع لله ولرسوله .

وقال ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وابن زيد : { آنَاءَ اللَّيْلِ } : جوف الليل . وقال الثوري ، عن منصور : بلغنا أن ذلك بين المغرب والعشاء .

وقال الحسن ، وقتادة : { آنَاءَ اللَّيْلِ } : أوله وأوسطه وآخره .

وقوله : { يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي : في حال عبادته خائف راج ، ولا بد في العبادة من هذا وهذا ، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب ؛ ولهذا قال : { يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ، فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرجاء هو الغالب عليه ، كما قال الإمام عبد بن حميد في مسنده .

حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت عن أنس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت ، فقال له : «كيف تجدك ؟ » قال : أرجو وأخاف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو ، وأمنه الذي يخافه » .

ورواه الترمذي والنسائي في " اليوم والليلة " ، وابن ماجه ، من حديث سَيَّار بن حاتم ، عن جعفر بن سليمان ، به . وقال الترمذي : " غريب . وقد رواه بعضهم عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " .

وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا عمر بن شبَّة ، عن عبيدة النميري ، حدثنا أبو خَلَف عبد الله بن عيسى الخَزَّاز ، حدثنا يحيى البّكَّاء ، أنه سمع ابن عمر قرأ : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ؛ قال ابن عمر : ذاك عثمان بن عفان ، رضي الله عنه .

وإنما قال ابن عمر ذلك ؛ لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته ، حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة ، كما روى ذلك أبو عبيدة عنه ، رضي الله عنه ، وقال الشاعر :

ضَحُّوا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ *** يُقَطَّع الليلَ تَسْبيحا وقُرآنا

وقال الإمام أحمد : كتب إلي الربيع بن نافع : حدثنا الهيثم بن حميد ، عن زيد بن واقد ، عن سليمان بن موسى ، عن كثير بن مرة ، عن تميم الداري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة » .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن إبراهيم بن يعقوب ، عن عبد الله بن يوسف والربيع بن نافع ، كلاهما عن الهيثم بن حميد ، به .

وقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } أي : هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أندادا ليضل عن سبيله ؟ ! { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ } أي : إنما يعلم الفرق بين هذا وهذا من له لب وهو العقل .