التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

وقوله : { وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا } معطوف على { هذه } .

أى : فعجل لكم هذه المغانم ، وعجل لكم مغانم أخرى ، لم تقدروا على الحصول عليها قبل ذلك لبعدها عن أن تنالها أيديكم . وقد أحاط الله بها لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ { وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } .

وتختلف الأقوال فى هذه المغانم الأخرى فمنهم من يرى أنها فتح مكة ، ومنهم من يرى أنها فتح خيبر . ومنهم من يرى أنها مغانم هوزان وثقيف ، ومنهم من يرى أنها مغانم المسلمين من الفرس والروم .

ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال أولها ، لأنه ترتيب على هذا الصلح فى الحديبية أن فتحت مكة بعد سنتين منه ، بسبب نقض المشركين له ، وقد تم فتحا بدون قتال يذكر ، بعد أن حدث ما حدث بين المسلمين وبين مشركة مكة من قتال انتصر فيه المسلمون تارة كغزوة بدر ، وانتصر فيه المشركون أخرى كغزوة أحد . .

فالمسلمون لم يقدروا على دخول مكة إلا فى عام الفتح ، وبعد أن أحاط الله - تعالى بها - بقدرته التى لا يغلبها شئ ، وبعد أن استعصت على المسلمين زمنا طويلا ، وقد سلمها - سبحانه - لهم بأقل أنواع القتال { وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } .

والذى يتأمل فى هذه الآيات الكريمة يرى الله - تعالى - ، قد بشر المسلمين الذين شهدوا صلح الجديبية ببشارات متعددة .

بشرهم - أولا - برضاه عنهم - وهذه أسمى بشارة وأعلاها . .

وبشرهم - ثانيا - بتفضله عليهم بمنحهم السكينة والطمأنية التى تجعلهم فى ثبات وأمان . .

وبشرهم - ثالثا - بفتوحات وغنائم منها القريب العاجل ، ومنها الآجل المتحقق ، الذى يكاد لتحققه أن يشاهدوه بأعينهم لأن الله - تعالى وعد به ووعده لا يتخلف .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

18

كذلك يمن عليهم ويبشرهم بأخرى غير هذه . لم يقدروا عليها بقوتهم ، ولكن الله تولاها عنهم بقدرته وتقديره : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديرا ) . .

وتختلف الروايات في هذه الأخرى . أهي فتح مكة ? أهي فتح خيبر ? أهي فتوح مملكتي كسرى وقيصر ? أهي فتوح المسلمين التي تلت هذه الوقعة جميعا ?

وأقرب ما يناسب السياق أن تكون هي فتح مكة . بعد صلح الحديبية وبسبب من هذا الصلح . الذي لم يدم سوى عامين ، ثم نقضه المشركون ، ففتح الله مكة للمسلمين بلا قتال تقريبا . وهي التي استعصت عليهم من قبل ، وهاجمتهم في عقر دارهم ، وردتهم عام الحديبية . ثم أحاط الله بها ، وسلمها لهم بلا قتال - ( وكان الله على كل شيء قديرا ) . . فهذه بشرى ملفوفة في هذا الموضع ، لم يحددها لأنها كانت عند نزول هذه الآية غيبا من غيب الله . أشار إليه هذه الإشارة لبث الطمأنينة والرضى والتطلع والاستبشار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

وقوله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } أي : وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها ، قد يَسَّرها الله عليكم ، وأحاط بها لكم ، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون .

وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ، ما المراد بها ؟ فقال العَوْفي عن ابن عباس : هي خيبر . وهذا على قوله في قوله تعالى : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } إنها صلح الحديبية . وقاله الضحاك ، وابن إسحاق ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال قتادة : هي مكة . واختاره ابن جرير .

وقال ابن أبي ليلى ، والحسن البصري : هي فارس والروم .

وقال مجاهد : هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن سماك الحنفي ، عن ابن عباس : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا } قال : هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم{[26863]} .


[26863]:- (3) في ت: "إلى يوم القيامة".