وقوله : { إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ . . . } بدل مما قبله . والفزع : انقباض فى النفس يحدث للإِنسان عند توقع مكروه .
أى : أن هؤلاء الخصوم بعد أن تسوروا المحراب ، دخلوا على داود ، فخاف منهم ، لأنهم أتوه من غير الطريق المعتاد للإِتيان وهو الباب ، ولأنهم أتوه فى غير الوقت الذى حدده للقاء الناس وللحجكم بينهم ، وإنما أتوه فى وقت عبادته .
ومن شأن النفس البشرية أن تفزع عندما تفاجأ بحالة كهذه الحالة .
قال القرطبى : فإن قيل : لم فزع داودو وهو نبى ، وقد قويت نفسه بالنبوة واطمأنت بالوحى ، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة ، وأظهر على يديه من الآيات ، وكان من الشجاعة فى غاية المكانة ؟
قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله ، لم يأمنوا القتل والأذية ، ومنهما كان يخاف .
ألا ترى إلى موسى وهارون - عليهما السلام - كيف قالا : { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يطغى } - أى : فرعون - ، فقال الله لهما : { لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى } ثم بين - سبحانه - ما قاله أولئك الخصوم لداود عندما شاهدوا عليه أمارات الوجل والفزع ، فقال : { قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ واهدنآ إلى سَوَآءِ الصراط } . .
والبغى : الجور والظلم . . وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إليه الفساد .
والشطط : مجاوزة الحد فى كل شئ . يقال : شط فلان على فلان فى الحكم واشتط . . إذى ظلم وتجاوز الحق إلى الباطل .
وقوله : { خَصْمَانِ } خبر لمبتدأ محذوف أى : نحن خصمان . والجملة استئناف معلل للنهى فى قولهم : { لاَ تَخَفْ } أى : قالوا لداود : لا تخف ، نحن خصمان بغى بعضنا على بعض ، فاحكم بيننا بالحكم الحق ، ولا تتجاوزه إلى غيره ، { واهدنآ إلى سَوَآءِ الصراط } أى : وأرشدنا إلى الطريق الوسط ، وهو طريق الحق والعدل .
ومع هذا كله فقد تعرض داود للفتنة والابتلاء ؛ وكانت عين الله عليه لترعاه وتقود خطاه ، وكانت يد الله معه تكشف له ضعفه وخطأه ، وتوقيه خطر الطريق وتعلمه كيف يتوقاه :
( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ? إذ دخلوا على داود ففزع منهم . قالوا : لا تخف . خصمان بغى بعضنا على بعض . فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط . واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، فقال : أكفلنيها ، وعزني في الخطاب . قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات - وقليل ما هم - وظن داود أنما فتناه . فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ) . .
وبيان هذه الفتنة أن داود النبي الملك ، كان يخصص بعض وقته للتصرف في شؤون الملك ، وللقضاء بين الناس . ويخصص البعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل أناشيده تسبيحاً لله في المحراب . وكان إذا دخل المحراب للعبادة والخلوة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس .
وفي ذات يوم فوجى ء بشخصين يتسوران المحراب المغلق عليه . ففزع منهم . فما يتسور المحراب هكذا مؤمن ولا أمين ! فبادرا يطمئنانه . ( قالوا : لا تخف . خصمان بغى بعضنا على بعض ) . وجئنا للتقاضي أمامك ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ) . .
وقوله : إذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فكرّر إذ مرّتين ، وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك : قد يكون معناهما كالواحد ، كقولك : ضربتك إذ دخلت عليّ إذ اجترأت ، فيكون الدخول هو الاجتراء ، ويكون أن تجعل إحداهما على مذهب لما ، فكأنه قال : إذ تسوّروا المحراب لما دخلوا ، قال : وإن شئت جعلت لما في الأوّل ، فإذا كان لما أوّلا أو آخرا ، فهي بعد صاحبتها ، كما تقول : أعطيته لما سألني ، فالسؤال قبل الإعطاء في تقدّمه وتأخره .
وقوله : ( فَفَزِعَ مِنْهُمْ ) : يقول القائل : وما كان وجه فزعه منهما وهما خصمان ، فإنّ فزعه منهما كان لدخولهما عليه من غير الباب الذي كان المَدْخَل عليه ، فراعه دخولهما كذلك عليه . وقيل : إن فزعه كان منهما ، لأنهما دخلا عليه ليلاً في غير وقت نظره بين الناس قالوا : لا تَخَفْ يقول تعالى ذكره : قال له الخصم : لا تخف يا داود ، وذلك لمّا رأياه قد ارتاع من دخولهما عليه من غير الباب . وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر من الكلام منه ، وهو مرافع خصمان ، وذلك نحن . وإنما جاز ترك إظهار ذلك مع حاجة الخصمين إلى المرافع ، لأن قوله خَصْمانِ فعل للمتكلم ، والعرب تضمر للمتكلم والمكلّم والمخاطب ما يرفع أفعالهما ، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرهما ، فيقولون للرجل يخاطبونه : أمنطلق يا فلان ويقول المتكلم لصاحبه : أحسن إليك وتجمل ، وإنما يفعلون ذلك كذلك في المتكلم والمكلّم ، لأنهما حاضران يعرف السامع مراد المتكلم إذا حُذف الاسم ، وأكثر ما يجِييء ذلك في الاستفهام ، وإن كان جائزا في غير الاستفهام ، فيقال : أجالس راكب ؟ فمن ذلك قوله خَصْمان ومنه قول الشاعر :
وَقُولا إذَا جاوَزْتُمَا أرْضَ عامِرٍ *** وَجاوَزْتُمَا الحَيّيْنَ نَهْدا وخَثْعَما
نَزيعانِ مِنْ جَرْمِ بْنِ رَبّانِ إنهمْ *** أَبَوْا أن يُميرُوا في الهَزَاهِزِ مِحْجَما
تَقُولُ ابْنَةُ الكَعْبِيّ يوْمَ لَقِيتُها *** أمُنْطَلِقٌ في الجَيْشِ أمْ مُتَثاقِلُ
ومنه قولهم : «مُحْسِنة فهيلي » . وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «آئِبُونَ تائِبُونَ » . وقوله : «جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ مَكْتُوبٌ بينَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ » كلّ ذلك بضميرٍ رَفَعه . وقوله عزّ وجلّ بَغَى بَعْضُنا على بَعْضٍ يقول : تعدّى أحدنا على صاحبه بغير حقّ فاحْكُمْ بَيْنَنا بالحَقّ يقول : فاقضِ بيننا بالعدّل وَلا تُشْطِطْ : يقول : ولا تَجُر ، ولا تُسْرِف في حكمك ، بالميل منك مع أحدنا على صاحبه . وفيه لغتان : أشَطّ ، وشَطّ . ومن الإشطاط قول الأحوص :
ألا يا لَقَوْمٍ قَدْ أشَطّتْ عَوَاذِلي *** وَيَزْعُمْنَ أنْ أَوْدَي بحَقّيَ باطِلِي
ومسموع من بعضهم : شَطَطْتَ عليّ في السّوْم . فأما في البعد فإن أكثر كلامهم : شَطّت الدار ، فهي تَشِطّ ، كما قال الشاعر :
تَشِطّ غَدا دَارُ جِيرَانِنا *** وللدّارُ بَعْدَ غَدٍ أبْعَدُ
وقوله : وَاهْدِنا إلى سَوَاءِ الصّراطِ يقول : وأرشدنا إلى قَصْد الطريق المستقيم . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : وَلا تُشْطِطْ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلا تُشْطِطْ : أي لا تمل .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَلا تُشْطِطْ يقول : لا تُحِف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تُشْطِطْ تخالف عن الحقّ .
وكالذي قلنا أيضا في قوله : وَاهْدِنا إلى سَوَاءِ الصّراطِ قالوا : ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاهْدِنا إلى سَوَاء الصّراطِ إلى عدله وخيره .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَاهْدنا إلى سَوَاءِ الصّراطِ إلى عدل القضاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاهْدِنا إلى سَوَاء الصّراطِ قال : إلى الحقّ الذي هو الحقّ : الطريق المستقيم وَلا تُشْطِطْ تذهب إلى غيرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه : وَاهْدِنا إلى سَوَاء الصّراطِ : أي احملنا على الحقّ ، ولا تخالف بنا إلى غيره .
{ وإذ } الثانية في : { إذ دخلوا على داود } بدل من الأولى أو ظرف ل { تسوروا } . { ففزع منهم } نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان جزأ زمانه : يوما للعبادة ، ويوما للقضاء ، ويوما للوعظ ، ويوما للاشتغال بخاصته ، فتسور عليه ملائكة على صورة الإنسان في يوم الخلوة . { قالوا لا تخف خصمان } نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصما . { بغى بعضنا على بعض } وهو على الفرض وقصد التعريض إن كانوا ملائكة وهو المشهور . { فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط } ولا تجر في الحكومة ، وقرئ " ولا تشطط " أي ولا تبعد عن الحق ولا تشطط ولا تشاط ، والكل من معنى الشطط وهو من مجاوزة الحد . { واهدنا إلى سواء الصراط } أي إلى وسطه وهو العدل .
و{ إذْ دَخلُوا } بدل من { إذْ تَسَوَّرُوا } لأنهم تسوروا المحراب للدخول على داود .
والفزع : الذُّعر ، وهو انفعال يظهر منه اضطراب على صاحبه من توقع شدة أو مفاجأة ، وتقدم في قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } في سورة [ الأنبياء : 103 ] . قال ابن العربي في كتاب « أحكام القرآن » : إن قيل : لِم فَزع داود وقد قويت نفسه بالنبوءة ؟ وأجاب بأن الله لم يضمن له العصمة ولا الأمن من القتل وكان يخاف منهما وقد قال الله لموسى { لا تَخَف } وقبلَه قيل للوط . فهم مُؤمَّنون من خوف ما لم يكن قيل لهم إنكم منه معصومون اه .
وحاصل جوابه : أن ذلك قد عرض للأنبياء إذ لم يكونوا معصومين من إصابة الضرّ حتى يؤمّن الله أحدَهم فيطمئن والله لم يؤمن داود فلذلك فزع . وهو جواب غير تام الإِقناع لأن السؤال تضمن قول السائل وقد قويت نفسه بالنبوءة فجعل السائل انتفاءَ تطرّق الخوف إلى نفوس الأنبياء أصلاً بنى عليه سؤاله ، وهو أجاب بانتفاء التأمين فلم يطابق سؤال السائل . وكان الوجه أن ينفي في الجواب سلامة الأنبياء من تطرق الخوف إليهم . والأحسن أن نجيب :
أولاً : بأن الخوف انفعال جبليّ وضعه الله في أحوال النفوس عند رؤية المكروه فلا تخلو من بوادره نفوس البشر فيعرض لها ذلك الانفعال بادِىءَ ذي بَدءٍ ثم يطرأ عليه ثبات الشجاعة فتدفعه على النفس ونفوس الناس متفاوتة في دوامه وانقشاعه ، فأمَّا إذا أمَّن الله نبيئاً فذلك مقام آخر كقوله لموسى { لا تخف } وقوله للنبيء صلى الله عليه وسلم { فسيكفيكهم اللَّه } [ البقرة : 137 ] .
وثانياً : بأن الذي حصل لداود عليه السلام فزع وليس بخوف . والفَزع أعمّ من الخوف إذ هو اضطراب يحصل من الإِحساس بشيء شأنُه أن يتخلص منه وقد جاء في حديث خسوف الشمس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فَزِعاً ، أي مسرعاً مبادراً للصلاة توقّعاً أن يكون ذلك الخسوف نذير عذاب " ، ولذلك قال القرآن { فَفَزِعَ منهم } ولم يقل : خاف . وقال في إبراهيم عليه السلام { فأوجس منهم خِيفَة } [ الذاريات : 28 ] أي توجُّساً ما لم يبلغ حدّ الخوف . وأما قول الخصم لداود { لاَ تَخَف } فهو قول يقوله القادِم بهيئة غير مألوفة من شأنها أن تريب الناظر .
وثالثاً : أن الأنبياء مأمورون بحفظ حياتهم لأن حياتهم خير للأمة فقد يفزع النبي من توقع خطر خشية أن يكون سبباً في هلاكه فينقطع الانتفاع به لأمته . وقد جاء في حديث عائشة : « أن النبي صلى الله عليه وسلم أرق ذات ليلة فقال : ليَت رجلاً صالحاً من أصحابي يَحرسنِي الليلةَ إذ سمعنا صوت السلاح فقال : من هذا ؟ قال : سَعد بن أبي وقاص جئتُ لأحرسك . قالت : فنام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه » .
وروى الترمذي : أن العباس كان يحرس النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى : { واللَّه يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] فتركت الحراسة .
ومعنى { بَغَى بعضنا } اعتدى وظلم . والبغي : الظلم ، والجملة صفة ل { خَصْمَانِ } والرابط ضمير { بعضنا } ، وجاء ضمير المتكلم ومعه غيره رعياً لمعنى { خصمان } .
ولم يبينا الباغي منهما لأن مقام تسكين روع داود يقتضي الإِيجاز بالإِجمال ثم يعقبه التفصيل ، ولإِظهار الأدب مع الحاكم فلا يتوليان تعيين الباغي منهما بل يتركانه للحاكم يعيّن الباغي منهما في حكمه حين قال لأحدهما : { لقد ظلمكَ بسؤالِ نعجتك إلى نعاجه } .
والفاء في { فاحْكم بيننا بالحق } تفريع على قوله : { خصمان } لأن داود عليه السلام لمّا كان مَلِكاً وكان اللذان حضرا عنده خصمين كان طلب الحكم بينهما مفرعاً على ذلك .
والباء في { بالحق } للملابسة ، وهي متعلقة ب { احكم . } وهذا مجرد طلب منهما للحق كقول الرجل للنبيء صلى الله عليه وسلم الذي افتدى ابنَه ممن زنى بامرأته : فاحكم بيننا بكتاب اللَّه .
والنهي في { لا تشطط } مستعمل في التذكير والإِرشاد .
و { تشطط } : مضارع أشط ، يقال : أشط عليه ، إذا جَار عليه ، وهو مشتق من الشطط وهو مجاوزة الحد والقدر المتعارف .
ومخاطبة الخصم داود بهذا خارجة مخرج الحرص على إظهار الحق وهو في معنى الذكرى بالواجب فلذلك لا يعدّ مثلها جفاء للحاكم والقاضِي ، وهو من قبيل : اتَّق الله في أمري . وصدوره قبل الحكم أقرب إلى معنى التذكير وأبعد عن الجفاء ، فإن وقع بعد الحكم كان أقرب إلى الجفاء كالذي قال للنبيء صلى الله عليه وسلم في قسمة قسمها « اعْدِل ، فقال له الرسول : ويلك فمن يعدل إن لم أعدل » .
وقد قال علماؤنا في قول الخصم للقاضي : ( اتق الله في أمري ) إنه لا يعد جفاء للقاضي ولا يجوز للقاضي أن يعاقبه عليه كما يعاقب من أساء إليه . وأفتى مالك بسجن فتى ، فقال أبوه لمالك : اتق الله يا مالك ، فوالله ما خُلقت النار باطلاً ، فقال مالك : من الباطل ما فعله ابنك . فهذا فيه زيادة بالتعريض بقوله فوالله ما خلقت النار باطلاً . وقولهما : { واهدنا إلى سواء الصراطِ } يصرف عن إرادة الجفاء من قولهما : { ولا تُشْطِط } لأنهما عرفا أنه لا يقول إلا حقاً وأنهما تطلبا منه الهُدى .
والهدى : هنا مستعار للبيان وإيضاح الصواب . و { سواء الصراط } : مستعار للحق الذي لا يشوبه باطل لأن الصراط الطريق الواسع ، والسواء منه هو الذي لا التواء فيه ولا شُعب تتشعب منه فهو أسرع إيصالاً إلى المقصود باستوائه وأبعد عن الالتباس بسلامته من التشعب .
ومجموع { اهدنا إلى سواء الصراط } تمثيل لحال الحاكم بالعدل بحال المرشد الدال على الطريق الموصلة فهو من التمثيل القابِل تجزئة التشبيه في أجزائه ، ويؤخذ من هنا أن حكم القاضي العدل يُحمل على الجري على الحق وأن الحكم يجب أن يكون بالحق شرعاً لأنه هدي فهو والفتيا سواء في أنهما هدي إلا أن الحكم فيه إلزام .
ومعنى { أكفِلْنِيها } اجعلها في كفالتي ، أي حفظي وهو كناية عن الإِعطاء والهبة ، أي هَبْهَا لي .