التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

وبعد أن أمر الله - تعالى - نبيه بمصارحة المشركين بأنه لن يكون فى يوم من الأيام متبعاً لأهوائهم ، أمره أن يخبرهم بأنه على الحق الواضح الذى لا يضل متبعه ، وبأن الله وحده هو الذى سيقضى بينه وبينهم فقال - تعالى - : { قُلْ إِنِّي على بَيِّنَةٍ . . . } .

البينة : الدلالة الواضحة من بان يبين إذا ظهر ، أو الحجة الفاصلة بين الحق والباطل على أنها من البينونة أى الانفصال .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يريدون منك اتباع أهوائهم كيف يتأتى لى ذلك وأنا على شريعة واضحة وملة صحيحة لا يعتريها شك ، ولا يخالطها زيغ لأنها كائنة من ربى الذى لا يضل ولا ينسى .

والتنوين فى كلمة { بَيِّنَةٍ } للتفخيم والتعظيم ، وهى صفة لموصوف محذوف للعلم به فى الكلام ، أى : على حجة بينة واضحة محقة للحق ومبطلة للباطل فأنا لن أتزحزح عنها أبدا .

وفى ذلك تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم ، وإنما هم قد اتبعوا ما وجدوا عليه آبائهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .

وجملة { وَكَذَّبْتُم بِهِ } فى موضع حال من { بَيِّنَةٍ } وهى تفيد التعجب منهم حيث كذبوا بما دلت عليه البينات ، واتفقت على صحته العقول السليمة .

والضمير فى قوله { بِهِ } يعود على الله - تعالى - أى : وكذبتم بالله مع أن دلائل توحيده ظاهرة واضحة .

وقيل : يعود على البينة والتذكير باعتبار أنها بمعنى البينان .

وقيل : يعود على القرآن أى والحال أنكم كذبتم بالقرآن الذى هو بينتى من ربى .

وقوله : { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أى : ليس فى مقدورى أن أنزل بكم ما تستعجلونه من العذاب ، وإنما ذلك مرجعه إلى الله وحده .

وهذه الجملة الكريمة رد على المشركين الذين استعجلوا نزول العذاب عندما أنذرهم النبى صلى الله عليه وسلم بسوء المصير إذا ما استمروا فى ضلالهم ، فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا { وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فكان رد النبى صلى الله عليه وسلم عليهم بأن الذى يملك إنزال العذاب بهم إنما هو الله وحده ، وتأخير العذاب عنهم إنما هو لحكمة يعملها الله ، فهو وحده الذى يقدر وقت نزوله .

وقوله { إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ } أى : ما الحكم فى تعجيل العذاب أو تأخيره وفى كل شأن من شئون الخلق إلا لله وحده فهو - سبحانه - الذى ينزل قضاءه حسب سنته الحكيمة ، وموازينه الدقيقة .

وقرأ الكسائى وغيره " يقص الحق " ، أى : يقص - سبحانه - القضاء الحق فى كل شأن من شئونه .

وقوله { يَقُصُّ الحق } أى : يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره { وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين } أى : القاضين بين عباده .

قال ابن جرير : { وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين } أى : وهو من ميز بين المحق والمبطل وأعدلهم ، لأنه لا يقع فى حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة إليه ولا لقرابة ولا مناسبة ، ولا فى قضائه جور لأنه لا يأخذ الرشوة فى الأحكام فيجور ، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

56

ثم يجيء الإيقاع الثاني موصولا بالإيقاع الأول ومتمما له : ( قل : إني على بينة من ربي ؛ وكذبتم به ، ما عندي ما تستعجلون به . إن الحكم إلا لله ، يقص الحق ، وهو خير الفاصلين )

وهو أمر من الله - سبحانه - لنبيه [ ص ] أن يجهر في مواجهة المشركين المكذبين بربهم - بما يجده في نفسه من اليقين الواضح الراسخ ، والدليل الداخلي البين ، والإحساس الوجداني العميق ، بربه . . ووجوده ، ووحدانيته ، ووحيه إليه . وهو الشعور الذي وجده الرسل من ربهم ، وعبروا عنه مثل هذا التعبير أو قريبا منه :

قالها نوح - عليه السلام - : ( قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ، وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم ؟ أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ؟ ) . .

وقالها صالح - عليه السلام - : قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة ، فمن ينصرني من الله إن عصيته ؟ فما تزيدونني غير تخسير . .

وقالها إبراهيم - عليه السلام - : ( وحاجه قومه . قال : أتحاجوني في الله وقد هدان ؟ )

وقالها يعقوب - عليه السلام - لبنيه( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا . قال ألم أقل لكم : إني أعلم من الله ما لا تعلمون ؟ ) . .

فهي حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلوب أوليائه ؛ ممن يتجلى الله لهم في قلوبهم ؛ فيجدونه - سبحانه - حاضرا فيها ؛ ويجدون هذه الحقيقة بينة هنالك في أعماقهم تسكب في قلوبهم اليقين بها . وهي الحقيقة التي يأمر الله نبيه أن يجهر بها في مواجهة المشركين المكذبين ؛ الذين يطلبون منه الخوارق لتصديق ما جاءهم به من حقيقة ربه ، الحقيقة التي يجدها هو كاملة واضحة عميقة في قلبه :

( قل إني على بينة من ربي ، وكذبتم به ) . .

كذلك كانوا يطلبون أن ينزل عليهم خارقة أو ينزل بهم العذاب ، ليصدقوا أنه جاءهم من عند الله . . وكان يؤمر أن يعلن لهم حقيقة الرسالة وحقيقة الرسول ؛ وأن يفرق فرقانا كاملا بينها وبين حقيقة الألوهية ؛ وإن يجهر بأنه لا يملك هذا الذي يستعجلونه ؛ فالذي يملكه هو الله وحده ؛ وهو ليس إلها ، إنما هو رسول :

( ما عندي ما تستعجلون به ، إن الحكم إلا لله ، يقص الحق وهو خير الفاصلين )

إن إيقاع العذاب بهم بعد مجيء الخارقة وتكذيبهم بها حكم وقضاء ؛ ولله وحده الحكم والقضاء . فهو وحده الذي يقص الحق ويخبر به ؛ وهو وحده الذي يفصل في الأمر بين الداعي إلى الحق والمكذبين به . وليس هذا أو ذلك لأحد من خلقه .

وبذلك يجرد الرسول [ ص ] نفسه من أن تكون له قدرة ، أو تدخل في شأن القضاء الذي ينزله الله بعباده . فهذا من شأن الألوهية وحدها وخصائصها ، وهو بشر يوحي إليه ، ليبلغ وينذر ؛ لا لينزل قضاء ويفصل . وكما أن الله سبحانه هو الذي يقص الحق ويخبر به ؛ فهو كذلك الذي يقضي في الأمر ويفصل فيه . . وليس بعد هذا تنزيه وتجريد لذات الله - سبحانه - وخصائصه ، عن ذوات العبيد . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّي عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّي وَكَذّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ يَقُصّ الْحَقّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم ، الداعين لك إلى الإشراك بربك : إنّي على بَيّنَةٍ مِنْ ربي أي إني على بيان قد تبينته وبرهان قد وضح لي من ربي ، يقول : من توحيده ، وما أنا عليه من إخلاص عبوديته من غير إشراك شيء به وكذلك تقول العرب : فلان على بينة من هذا الأمر : إذا كان على بيان منه ، ومن ذلك قول الشاعر :

أبَيّنَةً تَبْغُونَ بَعدَ اعْتِرَافِهِ ***وقَوْلِ سُوَيْدٍ قدْ كَفَيْتُكُمْ بِشْرَا

وكَذّبْتُمْ بِهِ يقول : وكذبتم أنتم بربكم . والهاء في قوله «به » من ذكر الربّ جل وعزّ . ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يقول : ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي ، ولا أنا على ذلك بقادر . وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتوحيده ، فدعاهم إلى الله وأخبرهم أنه رسوله إليهم : هَلْ هَذَا إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفَتأْتونَ السّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ وقالوا للقرآن : هو أضغاث أحلام . وقال بعضهم : بل هو اختلاق اختلقه . وقال آخرون : بل محمد شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : أجبهم بأن الاَيات بيد الله لا بيدك ، وإنما أنت رسول ، وليس عليك إلاّ البلاغ لما أرسلت به ، وإن الله يقضي الحقّ فيهم وفيك ويفصل به بينك وبينهم فيتبين المحقّ منكم والمبطل . وهُوَ خَيْرُ الفاصلِينَ : أي وهو خير من بين وميز بين المحقّ والمبطل وأعدلهم ، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة ، ولا في قضائه جور لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجوز ، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين . وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله : «وهُوَ أسْرَعُ الفَاصِلين » .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال : في قراءة عبد الله : «يقضي الحقّ وهو أسرع الفاصلين » .

واختلفت القراء في قراءة قوله : «يَقْضِي الحَقّ » فقرأه عامة قرّاء الحجاز والمدينة وبعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة : إن الحُكْمُ إلاّ لِلّهِ يَقُصّ الحَقّ بالصاد بمعنى القصص ، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى : نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ . وذكر ذلك عن ابن عباس .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : يَقُصّ الحَقّ ، وقال : نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ .

وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفة والبصرة : «إن الحُكْمُ إلاّ لِلّهِ يَقْضِي الحَقّ » بالضاد من القضاء بمعنى الحكم والفصل بالقضاء . واعتبروا صحة ذلك بقوله : وَهُوَ خَيْرُ الفاصلِينَ وأن الفصل بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقصص .

وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب لما ذكرنا لأهلها من العلة . فمعنى الكلام إذن : ما الحكم فيما تستعجلون به أيها المشركون من عذاب الله وفيما بيني وبينكم ، إلاّ الله الذي لا يجور في حكمه ، وبيده الخلق والأمر ، يقضي الحقّ بيني وبينكم ، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

{ قل إني على بينة } تنبيه على ما يجب اتباعه بعد ما بين ما لا يجوز اتباعه . والبينة الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل وقيل المراد بها القرآن والوحي ، أو الحجج العقلية أو ما يعمها . { من ربي } من معرفته وأنه لا معبود سواه ، ويجوز أن يكون صفة لبينة . { وكذبتم به } الضمير لربي أي كذبتم به حيث أشركتم به غيره ، أو للبينة باعتبار المعنى . { ما عندي ما تستعجلون به } يعني العذاب الذي استعجلوه بقولهم : { فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } . { إن الحكم إلا لله } في تعجيل العذاب وتأخيره . { يقص الحق } أي القضاء الحق ، أو يصنع الحق ويدبره من قولهم قضى الدرع إذا صنعها ، فيما يقضي من تعجيل وتأخير وأصل القضاء الفصل بتمام الأمر ، وأصل الحكم المنع فكأنه منع الباطل . وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم " يقص " من قص الأثر ، أو من قص الخبر . { وهو خير الفاصلين } القاضين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

وقوله تعالى : { قل إني على بينة من ربي } الآية ، هذه الآية تماد في إيضاح مباينته لهم ، والمعنى قل إني على أمر بين فحذف الموصوف ثم دخلت هاء المبالغة كقوله عز وجل : { بل الإنسان على نفسه بصيرة }{[4936]} ويصح أن تكون الهاء في { بينة } مجردة للتأنيث ، ويكون بمعنى البيان ، كما قال { ويحيى من حيَّ عن بينة }{[4937]} والمراد بالآية إني أيها المكذبون في اعتقادي ويقيني وما حصل في نفسي من العلم على بينة من ربي { وكذبتم به } الضمير في { به } عائد على( بين ) في تقدير هاء المبالغة أو على البيان التي هي { بينة } بمعناه في التأويل الآخر ، أو على الرب ، وقيل على القرآن وهو وإن لم يتقدم له ذكر جلي فإنه بعض البيان الذي منه حصل الاعتقاد واليقين للنبي عليه السلام ، فيصح عود الضمير عليه .

قال القاضي أبو محمد : وللنبي عليه السلام أمور أخر غير القرآن وقع له العلم أيضاً من جهتها كتكليم الحجارة له ورؤيته للملك قبل الوحي وغير ذلك وقال بعض المفسرين في { به } عائد على { ما } والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين ، وقيل المراد بها العذاب ، وهذا يترجح بوجهين : أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله { وكذبتم به } يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي ، والآخر من جهة اللفظ وهو الاستعجال الذي لم يأت في القرآن استعجالهم إلا للعذاب ، لأن اقتراحهم بالآيات لم يكن باستعجال ، وقوله { إن الحكم إلا لله } أي القضاء والإنفاذ { يقص الحق } أي يخبر به ، والمعنى يقص القصص الحق ، وهذه قراءة ابن كثير وعاصم ونافع وابن عباس ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر «يقضي الحق »{[4938]} أي ينفذه ، وترجع هذه القراءة بقوله { الفاصلين } لأن الفصل مناسب للقضاء ، وقد جاء أيضاً الفصل والتفصيل مع القصص ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وهو أسرع الفاصلين » قال أبو عمرو الداني : وقرأ عبد الله وأبيّ ويحيى ابن وثاب وإبراهيم النخعي وطلحة الأعمش «يقضي بالحق » بزيادة باء الجر ، وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير «يقضي الحق وهو خير الفاصلين » .


[4936]:- الآية (14) من سورة (القيامة).
[4937]:- من الآية (42) من سورة (الأنفال).
[4938]:- [يقض] بالضاد المعجمة، قال القرطبي: "وكذلك قرأ علي رضي الله عنه، وأبو عبد الرحمان السلمي، وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء، ولا ينبغي الوقوف عليه، وهو من القضاء". وقال الفخر الرازي: "[يقض] بغير ياء، لأنها سقطت لالتقاء الساكنين، كما كتبوا [سندع الزبانية] و[فما تغن النذر]. وفي "البحر المحيط": [يقضي الحق] هي قراءة العربيين والأخوين، أي: يقضي القضاء الحق في كل ما يقضي فيه من تأخير أو تعجيل، وضمن بعضهم [يقضي] معنى [ينفذ] فعداه إلى مفعول به، وقيل: يقضي بمعنى يصنع، أي كل ما يصنعه فهو حق، قال الهذلي: وعليها مسدودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبّع أي: صنعهما، وقيل: حذف الباء والأصل: [بالحق] ويؤيده قراءة عبد الله، وأبي، وابن وثاب، والنخعي، وطلحة، والأعمش: [يقضي بالحق] بياء الجر، وسقطت الباء خطأ لسقوطها لفظا لالتقاء الساكنين".