التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ، ما يدل على شمول قدرته ، وسمو حكمته ، فقال { الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . . } .

والموت : صفة وجودية تضاد الحياة : والمراد بخلقه : إيجاده . أو هو عدم الحياة عما هى من شأنه . والمراد بخلقه على هذا المعنى : تقديره أزلا .

واللام فى قوله : { لِيَبْلُوَكُمْ . . . } متعلقة بقوله : { خَلَقَ } وقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ } بمعنى يختبركم ويمتحنكم . . .

وقوله { أَيُّكُمْ } مبتدأ ، و { أَحْسَنُ } خبره ، و { عَمَلاً } تمييز ، والجملة فى محل نصب مفعول ثان لقوله { لِيَبْلُوَكُمْ } .

والمعنى : ومن مظاهر قدرته - سبحانه - التى لا يعجزها شئ ، أنه خلق الموت لمن يشاء إماتته ، وخلق الحياة لمن يشاء إحياءه ، ليعاملكم معاملة من يختبركم ويمتحنكم ، أيكم أحسن عملا فى الحياة ، لكي يجازيكم بما تستحقونه من ثواب . .

أو المعنى : خلق الموت والحياة ، ليختبركم أيكم أكثر استعدادا للموت ، وأسرع إلى طاعة ربه - عز وجل - .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله : { الذي خَلَقَ الموت والحياة } . . قيل : الذى خلقكم للموت والحياة ، يعني : للموت فى الدنيا والحياة فى الآخرة .

وقدم الموت على الحياة ، لأن الموت إلى القهر أقرب . . وقيل : لأنه أقدم ، لأن الأشياء فى الابتداء كانت فى حكم الموت . . وقيل : لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل ، من نصب موته بين عينيه ، فقدم لأنه ف يما يرجع على الغرض الذي سبقت له الآية لهم .

قال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله - تعالى - أذل ابن آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ، ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء . . " .

وعن أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوَثَّاب . . " .

وقال العلماء : الموت ليس بعدم محض ، ولا فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال ، وانتقال من دار إلى دار ، والحياة عكس ذلك . .

وأوثر بالذكر من المخلوقات الموت والحياة ، لأنهما أعظم العوارض لجنس الحيوان ، الذى هو أعجب موجود على ظهر الأرض ، والذي الإِنسان نوع منه ، وهو المقصود بالمخاطبة ، إذ هو الذي رضي بحمل الأمانة التى عجزت عن حملها السموات والأرض . .

والتعريف فى الموت والحياة للجنس . و " أحسن " أفعل تفضيل ، لأن الأعمال التى يقوم بها الناس فى هذه الحياة متفاوته فى الحسن من الأدنى إلى الأعلى .

وجملة { وَهُوَ العزيز الغفور } تذييل قصد به أن جميع الأعمال تحت قدرته وتصرفه .

أي : وهو - سبحانه - الغالب الذي لا يعجزه شئ ، الواسع المغفرة لمن شاء أن يغفر له ويرحمه من عباده ، كما قال - تعالى - : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، وهو العزيز الغفور ) . .

ومن آثار تمكنه المطلق من الملك وتصريفه له ، وآثار قدرته على كل شيء وطلاقة إرادته . . أنه خلق الموت والحياة . والموت يشمل الموت السابق على الحياة والموت اللاحق لها . والحياة تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة . وكلها من خلق الله كما تقرر هذه الآية ، التي تنشئ هذه الحقيقة في التصور الإنساني ؛ وتثير إلى جانبها اليقظة لما وراءها من قصد وابتلاء . فليست المسألة مصادفة بلا تدبير . وليست كذلك جزافا بلا غاية . إنما هو الإبتلاء لأظهار المكنون في علم الله من سلوك الأناسي على الأرض ، واستحقاقهم للجزاء على العمل : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . . واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه أبدا يقظا حذرا متلفتا واعيا للصغيرة والكبيرة في النية المستسرة والعمل الظاهر . ولا يدعه يغفل أو يلهو . كذلك لا يدعه يطمئن أو يستريح . ومن ثم يجيء التعقيب : ( وهو العزيز الغفور )ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه . فالله عزيز غالب ولكنه غفور مسامح . فإذا استيقظ القلب ، وشعر أنه هنا للإبتلاء والاختبار ، وحذر وتوقى ، فإن له أن يطمئن إلى غفران الله ورحمته وأن يقر عندها ويستريح !

إن الله في الحقيقة التي يصورها الإسلام لتستقر في القلوب ، لا يطارد البشر ، ولا يعنتهم ، ولا يحب أن يعذبهم . إنما يريد لهم أن يتيقظوا لغاية وجودهم ؛ وأن يرتفعوا إلى مستوى حقيقتهم ؛ وأن يحققوا تكريم الله لهم بنفخة روحه في هذا الكيان وتفضيله على كثير من خلقه . فإذا تم لهم هذا فهناك الرحمة السابغة والعون الكبير والسماحة الواسعة والعفو عن كثير .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

وقوله : الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ ، فأمات من شاء وما شاء ، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم ، لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً ، يقول : ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع ، وإلى طلب رضاه أسرع .

وقد حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ قال : أذلّ الله ابن آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء ، وجعل الاَخرة دار جزاء وبقاء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوكُمُ ، ذكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ اللّهَ أذَلّ ابْنَ آدَمَ بالمَوْتِ » .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ ، يقول : وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه ، وخالف أمره ، الغَفُورُ ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

الذي خلق الموت والحياة ، قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره ، وقدم الموت لقوله :( وكنتم أمواتا فأحياكم ) ، ولأنه أدعى إلى حسن العمل ، ليبلوكم ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون ، أيكم أحسن عملا ، أصوبه وأخلصه ، وجاء مرفوعا ، أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته ، جملة واقعة موقع المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم . وليس هذا من باب التعليق ، لأنه يخل به وقوع الجملة خبرا لما يعلق الفعل عنها ، بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين . وهو العزيز ، الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ، الغفور لمن تاب منهم .