أما الأمر الثانى والثالث اللذان توعد الشيطان بهما بنى آدم فقد حكاهما - سبحانه - فى قوله { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } أى : ولأضلنهم عن طريق الحق فأجعلهم يسيرون فى طريق الباطل إلى نهايته ، ولأمنينهم الأمانى الفارغة . بأن أجعلهم يجرون وراء الأحلام الكاذبة ، والأوهام الفاسدة . والأطماع التى تسيطر على نفوسهم وعقولهم ، وبذلك يكونون من جندى ، ويخضعون لأمرى .
أما الأمر الرابع الذى توعد الشيطان به بنى آم فقد حكاه - سبحانه - فى قوله { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام } .
قال الراغب : البتك يقارب البت لكن البتك يستعمل فى قطع الاعضاء والشعر . يقال بتلك شعره وأذنه - أى قطعها أو شقها - ومنه سيق باتك أى قاطع للأعضاء . وأما البت فيقال فى قطع الحبل .
وكانوا فى الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا قطعوا أذنها أو شقوها شقا واسعا علامة على أنهم حرموا على أنفسهم الانتفاع بها وجعلوها للطواغيت وسموها بحيرة أى المشقوقة الأذن .
والمراد : أنه يأمرهم بعبادة غير الله وبالأمانى الباطلة . وبتقطيع آذان الأنعام تقربا للطواغيت والأوثان فيسارعون إلى إجابته ، وينقادون لوسوسته .
أما الأمر الخامس الذى توعد الشيطان به بنى آدم فقد حكاه - سبحانه - فى قوله { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله } .
قال ابن كثير : أى دين الله . وهذا كقوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله } على قول من جعل ذلك أمرا أى : لا تبدلوا فطرة الله ، ودعوا الناس على قطرتهم . كما ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه . كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء . هل تجدون بها من جدعاء ؟ " .
وفى صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله - تعالى - : " إنى خلقت عبادى حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم " .
وقال بعضهم : المراد بتغيير خلق الصور التى خلق الله عليها مخلوقاته ، كمفقأ عين فحل الإِبل فى بعض الأحوال ، وقطع الآذان ، والوشم ، وما يشبه ذلك مما كانوا يفعلونه فى جاهليتهم اتباع للشيطان .
وقد رجح ابن جرير أن المراد بتغيير خلق الله : تغيير دين الله فقال ما ملخصه : " وأولى الأقوال بالصواب فى تأويل ذلك قول من قال : معناه : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ، قال : دين الله . وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه وهى قوله : { فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدين القيم } وإذا كان ذلك معناه ، دخل فى ذلك فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه ، ووشم ما نهى عن وشمه ، وغير ذلك من المعاصى .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد حكى للناس ما قاله الشيطان بلسان حاله أو مقاله حتى يحذروه ويتخذوه عدوا لهم ، لينالوا رضا الله ومثوبته .
وقد أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله : { وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } .
أى : ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ، بأن يتبع الشيطان ويواليه ويسير خلف وسوسته ، ويرتك طريق الحق والهدى ، من يفعل ذلك يكن بفعله هذا قد خسر خسرانا واضحا بينا ، لأن الشيطان لا يسوق الإِنسان إلا إلى ما يهلكه ويخزيه فى الدنيا والآخرة ، وسيقول لأتباعه يوم ينزل بهم العقاب فى الآخرة { إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ }
{ وَلاُضِلّنّهُمْ وَلاُمَنّيَنّهُمْ وَلأمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتّخِذِ الشّيْطَانَ وَلِيّاً مّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مّبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً } . .
يعني بقوله جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل الشيطان المَريد ، الذي وصف صفته في هذه الاَية : ولأضلهم ولأصدنّ النصيب المفروض الذي أتخذه من عبادك عن محجة الهدى إلى الضلال ، ومن الإسلام إلى الكفر . { ولأُمَنّيَنّهُمْ } يقول : لأزيغنهم بما أجعل في نفوسهم من الأماني عن طاعتك وتوحيدك إلى طاعتي ، والشرك بك . { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } يقول : ولاَمرنّ النصيب المفروض لي من عبادك بعبادة غيرك من الأوثان والأنداد ، حتى يَنْسُكوا له ، ويحّرموا ، ويحللوا له ، ويشرعوا غير الذي شرعته لهم فيتبعوني ويخالفونك . والبَتْك : القطع ، وهو في هذا الموضع : قطع أذن البَحِيرة ليعلم أنها بحيرة . وإنما أراد بذلك الخبيث أنه يدعوهم إلى البَحيرة فيستجيبون له ويعملون بها طاعة له .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } قال : البَتْك في البَحيرة والسائبة ، كانوا يُبَتّكون آذانها لطواغيتهم .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : { ولاَمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } أما يبتكنّ آذان الأنعام : فيشقونها فيجعلونها بحيرة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني القاسم بن أبي بزّة ، عن عكرمة : { فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } قال : دين شرعه لهم إبليس كهيئة البحائر والسوائب .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } .
اختلف أهل التأويل في معنى قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } فقال بعضهم : معنى ذلك : ولاَمرنهم فليغيرنّ خلق الله من البهائم باخصائهم إياها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، أنه كره الإخصاء ، وقال : فيه نزلت { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس ، أنه كره الإخصاء ، وقال : فيه نزلت { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك ، قال : هو الإخصاء ، يعني قول الله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، قال : ثني رجل ، عن ابن عباس ، قال : إخصاء البهائم مُثْلَهةٌ ، ثم قرأ : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، قال : من تغيير خلق الله الإخصاء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا جعفر بن سليمان ، قال : أخبرني شبل ، أنه سمع شهر بن حوشب قرأ هذه الاَية : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الخِصَاء ، قال : فأمرت أبا التياح ، فسأل الحسن عن خصاء الغنم ، فقال : لا بأس به .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا عمي وهب بن نافع ، عن القاسم بن أبي بزّة ، قال : أمرني مجاهد أن أسأل عكرمة عن قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } فسألته ، فقال : هو الخصاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن عبد الجبار بن ورد ، عن القاسم بن أبي بزة ، قال : قال لي مجاهد : سهل عنها عكرمة : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } فسألته ، فقال : الإخصاء . قال مجاهد : ماله لعنه الله ! فوالله لقد علم أنه غير الإخصاء . ثم قال : سله ! فسألته ، فقال عكرمة : ألم تسمع إلى قول الله تبارك وتعالى : { فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ } ؟ قال : لدين الله . فحدثت به مجاهدا فقال : ما له أخزاه الله !
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص ، عن ليث ، قال : قال عكرمة : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الإخصاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا هارون النحوي ، قال : حدثنا مطر الورّاق ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : هو الإخصاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : الإخصاء .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول في قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : منه الخصاء .
حدثنا عمرو ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .
حدثنا ابن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، بمثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة أنه كره الإخصاء ، قال : وفيه نزلت : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولاَمرنهم فليغيرنّ دين الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وأبو أحمد ، قالا : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني قيس بن مسلم ، عن إبراهيم مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا عمي ، عن القاسم بن أبي بزة ، قال : أخبرت مجاهدا بقوله عكرمة في قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا هارون النحوي ، قال : حدثنا الوراق ، قال : ذكرت لمجاهد قول عكرمة في قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } ، فقال : كذب العبد { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثنا ابن وكيع وعمرو بن عليّ ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد وعكرمة ، قالا : دين الله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي وحفص ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : دين الله ، ثم قرأ : { ذَلِكَ الدّينُ القَيّمُ } .
حدثنا محمد بن عمرو وعمرو بن عليّ ، قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الفطرة دين الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الفطرة : الدين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير ، أنه سمع مجاهدا يقول : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } أي دين الله ، في قول الحسن وقتادة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، عن عثمان بن الأسود ، عن القاسم ابن بَزة في قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : أما خلق الله : فدين الله .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله ، وهو قول الله : { فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ } يقول : لدين الله .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله ، وقرأ : { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ } قال : لدين الله .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا قيس بن مسلم ، عن إبراهيم : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : دين الله .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا معاذ ، قال : حدثنا عمران بن حُدَير ، عن عيسى بن هلال ، قال : كتب كثير مولى ابن سمرة إلى الضحاك بن مزاحم يسأله عن قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } فكتب : إنه دين الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولاَمرنهم فليغيرُنّ خلق الله بالوشْم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن في قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الوشم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن نوح ، عن قيس ، عن خالد بن قيس ، عن الحسن : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الوشم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا يونس بن عبيد أو غيره ، عن الحسن : { فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } قال : الوشم .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو هلال الراسبيّ ، قال : سأل رجل الحسن : ما تقول في امرأة قشرت وجهها ؟ قال : ما لها لعنها الله ! غَيّرت خلق الله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : لعن الله المتفلّجات والمتنمّصات والمستوشمات المغيّرات خلق الله .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لعن الله الواشرات والمستوشمات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق الله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله ، قال : لعن الله المتنمّصات والمتفلّجات قال شعبة : وأحسبه قال : المغيرات خلق الله .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال : معناه : ولاَمرنهم فليغيرنّ خلق الله ، قال : دين الله ، وذلك لدلالة الاَية الأخرى على أن ذلك معناه ، وهي قوله : { فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّينُ القَيّمُ } . وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه ، ووشم ما نهى عن وشمه ووَشْره ، وغير ذلك من المعاصي ، ودخل فيه ترك كلّ ما أمر الله به ، لأن الشيطان لا شكّ أنه يدعو إلى جميع معاصي الله ، وينهى عن جميع طاعته ، فذلك معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله بتغيير ما خلق الله من دينه¹ ولا معنى لتوجيه من وجه قوله : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } إلى أنه وعد الأمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دون بعض ، أو بعض ما أمر به دون بعض . فإذ كان الذي وجه معنى ذلك إلى الخصاء والوشم دون غيره ، إنما فعل ذلك لأن معناه : كان عنده أنه عنى به تغيير الأجسام ، فإنّ في قوله جلّ ثناؤه إخبارا عن قِيل الشيطان : { وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ } ما ينبىء أن معنى ذلك غير غير ما ذهب إليه ، لأن تَبْتيك آذان الأنعام من تغيير خلق الله ، الذي هو أجسام . وقد مضى الخبر عنه أنه وعد الأمر بتغيير خلق الله من الأجسام مفسرا ، فلا وجه لإعادة الخبر عنه به مجملاً ، إذ كان الفصيح في كلام العرب أن يترجم عن المجمل من الكلام بالمفسر وبالخاصّ عن العامّ دون الترجمة عن المفسر بالمجمل ، وبالعامّ عن الخاص ، وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام وأولى من توجيه إلى غيره ما وجد إليه السبيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ يَتّخِذِ الشّيْطانَ وَلِيّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا } .
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن حال نصيب الشيطان المفروض من الذين شاقّوا الله ورسوله من بعد ما تبين لهم الهدى ، يقول الله : ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله ، وخلاف أمره ، ويواليه فيتخذه وليّا لنفسه ونصيرا دون الله ، { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا } يقول : فقد هلك هلاكا ، وَبخَس نفسه حظها فأوبقها بَخْسا مبينا يبين عن عطبه وهلاكه ، لأن الشيطان لا يملك له نصرا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمَره ، بل يخذله عند حاجته إليه . وإنما حاله معه ما دام حيّا ممهلاً بالعقوبة ، كما وصفه الله جلّ ثناؤه بقوله : { يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ ومَا يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا }
{ ولأضلنهم } عن الحق . { ولأمنينهم } الأماني الباطلة كطول الحياة وأن لا بعث ولا عقاب . { ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } يشقونها لتحريم ما أحل الله وهي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب ، وإشارة إلى تحريم ما أحل ونقص كل ما خلق كاملا بالفعل أو القوة . { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } عن وجهه وصورته أو صفته . ويندرج فيه ما قيل من فقء عين الحامي ، وخصاء العبيد ، والوشم ، والوشر ، واللواط ، والسحق ، ونحو ذلك وعبادة الشمس ، والقمر ، وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى . وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا لكن الفقهاء خصوا في خصاء البهائم للحاجة . والجمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقا أو أتاه فعلا . { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله } بإيثاره ما يدعو إليه على ما أمر الله به ومجاوزته عن طاعة الله سبحانه وتعالى إلى طاعته . { فقد خسر خسرانا مبينا } إذا ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكان من النار .