الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

{ أَوْ كَصَيِّبٍ }[ البقرة :19 ] : «أَوْ » : للتخيير ، معناه مثِّلوهم بهذا أو بهذا ، والصَّيِّبُ : المَطَرُ من صَابَ يَصُوبُ ، إِذا انحط من عُلْو إِلى سُفْل .

و{ ظلمات } : بالجمع إِشارة إِلى ظلمة الليل ، وظلمة الدجن ، ومن حيث تتراكب وتتزيد جُمِعَتْ ، وكون الدجن مظلماً هول وغم للنفوس ، بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه فإنه سارٌّ جميل .

واختلف العلماء في «الرَّعْدِ » ، فقال ابن عباس ، ومجاهد ، وشَهْرُ بن حَوْشَبٍ ، وغيرهم : هو مَلَكٌ يزجرُ السحابَ بهذا الصوتِ المسموعِ ، كلَّما خالفتْ سحابةٌ صاح بها ، فإِذا اشتد غضبه ، طارت النار من فيه ، فهي الصواعقُ ، واسم هذا الملك : الرَّعْد .

وقيل : الرَّعْدُ مَلَكٌ ، وهذا الصوت تسبيحُهُ .

وقيل : الرعد : اسم الصوْتِ المسموعِ ، قاله عليُّ بن أبي طالب .

وأكثر العلماء على أن الرعد ملكٌ ، وذلك صوته يسبِّح ، ويزجرُ السحابَ .

واختلفوا في البَرْقِ .

فقال علي بن أبي طالب ، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( هُوَ مِخْرَاقُ حَدِيدٍ بِيَدِ المَلَكِ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ ) وهذا أصحُّ ما روي فيه .

وقال ابن عبَّاس : هو سَوط نور بيد المَلَكِ يزجي به السحَابَ ، وروي عنه : " أنَّ البرق ملَكٌ يتراءى "

واختلف المتأوِّلون في المقْصِد بهذا المثل ، وكيف تترتب أحوالُ المنافقينَ المُوَازِنَةُ لما في المَثَل من الظلماتِ ، والرعْدِ والبرقِ والصواعِقِ .

فقال جمهور المفسِّرين : مَثَّلَ اللَّه تعالى القُرْآنَ بالصَّيِّبِ ، فما فيه من الإشكال عليهم ، والعمى هو الظلماتُ ، وما فيه من الوعيدِ ، والزجْرِ هو الرعْدُ ، وما فيه من النُّور ، والحُجَج الباهرة هو البَرْقُ ، وتخوُّفهم ورَوْعُهُمْ وحَذَرُهم هو جَعْلُ أصابعهم في آذانهم ، وفَضْحُ نفاقهم ، واشتهارُ كفرهم ، وتكاليفُ الشرع التي يكرهونها من الجهادِ والزكاةِ ونحوه هي الصواعقُ ، وهذا كله صحيحٌ بيِّن .

وقال ابنُ مسعود : إِن المنافقين في مجلسِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانُوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن ، فضرب اللَّه المثل لهم ، وهذا وفاقٌ لقول الجمهورِ .

و{ مُحِيطٌ بالكافرين }[ البقرة :19 ] معناه : بعقابهم ، يقال : أحاط السلطان بفلانٍ ، إِذا أخذه أخذًا حاصرًا من كل جهة ، ومنه قوله تعالى : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [ الكهف : 42 ]