الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

و { يَكَادُ } فعل ينفي المعنى مع إِيجابه ، ويوجبه مع النفي ، فهنا لم يخطف البرق الأبصار ، والخَطْفُ : الانتزاعُ بسرعة .

ومعنى { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم }[ البقرة :20 ] ، تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ، ومن جعل البَرْقَ في المثل الزجْرَ والوعيدَ ، قال : يكاد ذلك يصيبهم .

و «كُلَّمَا » : ظرفٌ ، والعامل فيه «مَشَوْا » ، و«قَامُوا » معناه : ثَبَتُوا ، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عَبَّاس وغيره ، كلَّما سمع المنافقون القرآن ، وظهرت لهم الحججُ ، أنسوا ومشوا معه ، فإذا نَزَلَ من القرآن ما يعمهون فيه ، ويضلون به ، أو يكلَّفونه ، قاموا ، أي : ثَبَتُوا على نفاقهم .

وروي عن ابن مسعودٍ أنَّ " معنى الآية : كلَّما صلُحَتْ أحوالهم في زروعهم ومواشِيهِمْ ، وتوالَتْ عليهم النّعم ، قالوا : دين محمَّد دِينٌ مبارَكٌ ، وإِذا نزلت بهم مصيبةٌ أَو أصابتهم شدَّة سَخِطُوه وثَبَتُوا في نفاقهم " .

ووحَّد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع .

وقوله سبحانه : { على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[ البقرة :20 ] لفظه العمومُ ومعناه عند المتكلِّمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه ، وقديرٌ بمعنى قَادِرٍ ، وفيه مبالغةٌ ، وخَصَّ هنا سبحانه صفتَهُ الَّتي هي القدرةُ بالذِّكُر ، لأنه قد تقدَّم ذكر فعلٍ مضمَّنه الوعيدُ ، والإِخافةُ ، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك .