وقوله سبحانه : { وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مغاضبا } [ الأنبياء : 87 ] التقدير واذكر ذا النون ، قال السُّهَيْلِيُّ : لما ذكر اللَّه تعالى يُونُسَ هنا في معرض الثناء .
وقال في الآية الأخرى : { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت } [ القلم : 48 ] والمعنى واحدٌ ، ولكن بين اللفظين تفاوتٌ كثير في حسن الإشارة إلى الحالتين ، وتنزيلُ الكلام في الموضعين والإضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب لأنَّ قولك : ذو يضاف بها إلى التابع ، وصاحبُ يُضَافُ بها إلى المتبوع ، انتهى .
( والنون ) : الحوتُ ، والصاحب يونس بن متى عليه السلام وهو نبيٌّ من أهل نَيْنَوَى .
وقوله : { مغاضبا } [ الأنبياء : 87 ] قيل : إنَّهُ غاضب قومه حين طال عليه أمرهم . وَتَعَنُّتُهُمْ ، فذهب فارّاً بنفسه ، وقد كان اللَّه تعالى أمره بملازمتهم والصبرِ على دعائهم ، فكان ذلك ذَنْبَه ، أي : في خروجه عن قومه بغير إذن ربه .
قال عِيَاض : والصحيح في قوله تعالى : { إِذ ذَّهَبَ مغاضبا » أَنَّهُ مُغَاضِبٌ لقومه لكفرهم ، وهو قول ابن عباس ، والضَّحَّاكِ وغيرهما ، لا لربه إذْ مغاضبة اللَّه تعالى معاداة له ، ومعاداةُ اللَّه كفر لا يليق بالمؤمنين ، فكيف بالأنبياء عليهم السلام ؟ ! وفرارُ يونس عليه السلام خشيةَ تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب .
وقوله سبحانه : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } معناه : أَنْ لن نضيق عليه ، وقيل : معناه : نقدر عليه ما أصابه ، وقد قُرِىء { نقَدِّرَ عليه } بالتشديد ، وذلك ، كما قيل لحسن ظَنِّهِ بربه : أَنه لا يقضى عليه بعقوبة ، وقال عياض في موضع آخر : وليس في قصة يونس عليه السلام نَصٌّ على ذنب ، وإنما فيها أَبَقَ وذهب مغاضباً ، وقد تكلمنا عليه ، وقيل : إنما نقم الله تعالى عليه خروجه عن قومه من نزول العذاب . وقيل : بل لَمَّا وعدهم العذابَ ، ثم عفا اللَّه عنهم ، قال : واللَّهِ لا ألقاهم بوجه كذَّابٍ أبداً ، وهذا كله ليس فيه نَصٌّ على معصية انتهى .
وقوله سبحانه : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } . قالت فرقة : معناه : أنْ لن نضيف عليه في مذهبه من قوله تعالى : { يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } [ الرعد : 26 ] ، وقرأ الزُّهْرِيُّ : «نُقَدِّرُ » بضم النون ، وفتح القاف ، وشَدِّ الدال ، ونحوه عن الحسن .
وروي : أَنَّ يونس عليه السلام سجد في جوفِ الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر .
وقوله : { إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] يريد فيما خالف فيه من تركِ ملازمة قومه والصبرِ عليهم ، وهذا أحسن الوجوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.