الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

وقوله تعالى : { جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } يريد : زوجَ الإنسان الأنثى ، وبهذه النعمة اتفق الذرء ، وليست الأزواج هاهنا الأنواع .

وقوله : { وَمِنَ الأنعام أزواجا } الظاهر أيضاً فيه والمُتَّسِقُ أَنَّهُ يريد إناث الذَّكْرَان ، ويحتمل أنْ يريد الأنواع ، والأوَّل أظهر .

وقوله : { يَذْرَؤُكُمْ } أي : يخلقكم نسلاً بعد نَسْلٍ ، وقرناً بعد قَرْنٍ ؛ قاله مجاهد ، والناس ، فلفظة «ذرأ » تزيد على لفظة خلق معنى آخرَ ليس في خلق ، وهو توالي طبقات على مَرِّ الزمان .

وقوله : { فِيهِ } الضمير عائد على الجَعْلِ يتضمَّنه قوله : { جَعَلَ لَكُم } وهذا كما تقول : كَلَّمْتُ زَيْداً كلاماً أكرمته فيه ، وقال القُتَبِيُّ : الضمير للتزْوِيجِ ، ولفظة في مشتركة على معانٍ ، وإنْ كان أصلها الوعاء ، وإليه يردها النظر في كل وجه .

وقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء } الكاف مؤكِّدة للتشبيه ، فنفي التشبيه أوكَدُ مَا يكُونُ ؛ وذلك أَنّك تقول : زيدٌ كعمرو ، وزيْدٌ مِثْلُ عمرو ، فإذا أردتَ المبالغة التامَّة قلتَ : زيدٌ كَمِثْلِ عَمْرٍو ، وجرتِ الآية في هذا الموضع على عُرْفِ كلامِ العَرَبِ ، وعلى هذا المعنى شواهِدُ كثيرة ، وذهب الطَّبَرِيُّ وغيره إلى أَنَّ المعنى : ليس كهو شيء ، وقالوا : لفظة { مَثَلُ } في الآية توكيدٌ ، وواقعةٌ موقع هو .