الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

قوله تعالى : { واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابني ءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً . . . } [ المائدة :27 ] .

( اتل ) معناه : اسرد ، وأَسْمِعْهم إياه ، وهذه مِنْ علوم الكتب الأُوَلِ ، فهي مِنْ دلائل نبوَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، إذْ هي من غامِضِ كتب بني إسرائيل ، قال الفَخْر : وفي الآية قولان :

أحدهما : ( اتل ) على الناس .

والثاني : اتل على أهْلِ الكتابِ ، انتهى .

و{ ابني آدَمَ } : هما لصلبه ، وهما هَابِيلُ وقَابِيلُ ، روت جماعة من المفسِّرين منهم ابن مسعود ، أنَّ سبب هذا التقريبِ أنَّ حوَّاء كانت تَلِدُ في كلِّ بطْن ذكراً وأنثى ، وكان الذَّكَر يتزوَّج أنثَى البطْن الآخر ، ولا تحلُّ له أخته توأمتُهُ ، فولدَتْ مع قابيلَ أختاً جميلةً ، ومع هابيلَ أختاً ليست كذلك ، فلمَّا أراد آدم أن يزوِّجها من هَابِيلَ ، قال قابيل : أنا أحَقُّ بأختي ، فأمره آدم ، فلم يأتمر ، فاتفقوا على التَّقْريب ، فتُقُبِّل قربانُ هابيلَ ، ووجب أنْ يأخذ أخت قابيلَ ، فحينئذٍ : { قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ } ، وقولُ هابيلَ : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } : كلامٌ ، قبله محذوفٌ ، تقديره : ولِمَ تقتلُنِي ، وليس لي ذنبٌ في قبول اللَّه قربانِي ، و( إنما يتقبَّل اللَّه من المتَّقين ) وإجماع أهل السُّنَّة في معنى هذه الألفاظ : أنها اتقاء الشِّرْكِ ، فمن اتقاه ، وهو موحِّد ، فأعماله التي تَصْدُقُ فيها نيتُه مقبولةٌ ، وأما المتَّقِي للشرْكِ وللمعاصِي ، فله الدرجةُ العليا من القَبُول والخَتْم بالرحمة ، عُلمَ ذلك بإخبار اللَّه تعالى لا أنَّ ذلك يَجِبُ على اللَّه تعالى عقْلاً .

قلتُ : قال( ع ) : في معنى هذه الألفاظ يعني حيث وقعت في الشرع ، وأما في هذه الآية ، فليس باتقاء شرك ، على ما سيأتي .