الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الأنفال

مدنية وآياتها 75

قال مجاهد : إلا آية واحدة وهي قوله { وإذ يمكر بك الذين كفروا } ولا خلاف أن هذه السورة نزلت في شأن بدر وأمر غنائمه .

قوله عز وجل : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنفال . . . } [ الأنفال : 1 ] .

النَّفَلُ والنَّافلة ، في كلام العرب : الزِّيَادَةُ على الواجب ، والأكثرُ في هذه الآيةِ أنَّ السؤال إِنما هو عَنْ حُكْمِ الأَنفال ، وقالَتْ فرقةٌ : إنما سألوه الأَنْفَالَ نفْسَها ؛ محتجِّين بقراءة سعد بن أبي وقَّاص وغيره : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالَ » وعن أبي أمامة الباهليِّ ، قال : سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الأَنْفَال ، فَقَالَ : فِينَا - أَهْلَ بَدْر - نَزَلَتْ ، حِينَ اختلفنا ، وَسَاءَتْ أَخْلاَقُنَا ، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيَنَا ، وَجَعَلَهُ إِلَى رَسُوله صلى الله عليه وسلم وقَسَمَهُ عليه السلام بَيْنَ المُسْلِمينَ عَلَى بَوَاءٍ يريد : على سَوَاءٍ ، فكان في ذَلِكَ تَقْوَى اللَّه وطَاعَةُ رسوله ، وصلاحُ ذات البين .

قال ( ع ) : ويجيء مِنْ مجموع الآثار المذكُورة هنا ؛ أن نفوسَ أهْلَ بدر تنافَرَتْ ، ووقع فيها ما يَقَعُ في نفوس البَشَرَ ؛ مِنْ إِرادة الأثرة ، لا سيَّمَا مَنْ أَبْلَى ، فأنزل اللَّه عزَّ وجَلَّ الآيةَ ، فَرضِيَ المسلمون ، وسَلموا ، فأصْلَح ذاتَ بينهم ، ورَدَّ عليهم غنائمهم .

قال بعضُ أهل التأويل ؛ عكرمة ، ومجاهد : كان هذا الحُكْمُ من اللَّه سبحانه لِرَفْعِ الشَّغَبِ ثم نُسِخَ بقوله : { واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ } [ الأنفال :41 ] . وهذا أولَى الأقوال وأصحُّها .

وقوله سبحانه : { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } [ الأنفال :1 ] تصريحٌ بأنه شَجَرَ بينهم اخْتِلاَفٌ ، ومالت النفوس إِلى التَّشَاحِّ ، و{ ذَاتَ } في هذا المَوْضِعِ يُرَادُ بها نَفْسُ الشيء وحقيقته ، والذي يُفْهَمُ من { بَيْنِكُمْ } هو معنى يعم جَمِيعَ الوُصَلِ ، والالْتِحَامَات ، والمَوَدَّات ، وذات ذلك هو المَأْمُور بإِصلاحها ، أي : نفسه وعينه ، وباقي الآية بَيِّنٌ .