فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (28)

{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } عن ابن عباس : نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين ، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين ، وعن السدي : أما { أولياء } فيواليهم في دينهم ويظهرهم على عورة المؤمنين ؛ رغب سبحانه في تولي أوليائه وحذر من الاستعانة أو الانتصار أو الاستظهار بأعدائه{[912]} . { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة } – وكون المؤمن وليا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون راضيا بكفره والرضا بالكفر كفر فيستحيل أن يصدر عن المؤمن فلا يدخل تحت الآية لقوله : { يا أيها الذين آمنوا } . وثانيها- المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر وذلك غير ممنوع منه . والثالث – كالمتوسط بين القسمين وهو الركون إليهم والمعونة والمظاهرة لقرابة أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك . . مع اعتقاد أن دينهم باطل فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهي عنه حذرا من أن يجره إلى استحسان طريقته والرضا بدينه ، حتى يخصه بالموالاة دون المؤمنين{[913]} . فمن اتخذهم أعوانا وركن إليهم وولاهم في فسادهم وإضلالهم فليس من ولاية الله ولا من دينه في قليل ولا كثير لكن لاطفهم في ظاهر الأمر حين تمكنهم ليتقي خطرا عظيما يوشك أن يوقعه به في فله أن يصانعهم تقية{[914]} ، وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء . روى البخاري عن أبي الدرداء : إنا لنبش{[915]} في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم ويدل على جواز التقية {[916]} قوله تعالى : { . . إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . . . }{[917]} .

{ ويحذركم الله نفسه }- أي ذاته المقدسة وإطلاق ذلك عليه سبحانه جائز في المشاكلة كقوله { . . . تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك . . . }{[918]} وفي غيرهما ؛ وذهب بعض المتأخرين إلى منع ذلك إلا مشاكلة . وقال الزجاج معناه ويحذركم الله إياه ثم استغنوا عن ذلك بهذا وصار المستعمل . قال : أما قوله . . تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك وقال بعض أهل العلم معناه ويحذركم الله عقابه مثل { واسأل القرية . . }{[919]} فجعلت النفس في موضع الإضمار{[920]} . { وإلى الله المصير } [ متى صرتم إليه وقد خالفتم ما أمركم به وأتيتم ما نهاكم عنه من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين نالكم من عقاب ربكم ما لا قبل لكم به ، ويقول : فاتقوه واحذروه أن ينالكم ذلك منه فإنه شديد العقاب ]{[921]} .


[912]:وفي النهي عن موالاة أعداء الدين جاءت آيات محكمات منها: {.. لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من فهواهم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعلمون محيط} من سورة آل عمران منها:{.. لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} من سورة المائدة ومنها {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..} من سورة المجادلة.
[913]:من تفسير غرائب القرآن.
[914]:ما جاء في روح المعاني وفي الآية دليل على مشروعية التقية... والعدو قسمان: الأول من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم، والثاني من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة ومن هنا صارت التقية قسمين أما القسم الأول فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه..... وأما القسم الثاني فقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه.... وعد قوم باب التقية مداراة الكفار والفسقة والظلمة وإلانة الكلام لهم والتبسم في وجوهم والانبساط معهم وإعطائهم لكف آذاهم.. ولا يعد ذلك من باب الموالاة المنهي عنها بل هي سنة وأمر مشروع... وراء هذا التحقيق قولان لفئتين متباينتين من الناس وهم الخوارج والشيعة أما الخوارج فقد ذهبوا إلى أنه لا جوز التقية بحال.. ولا يخفى أن هذا المذهب من التفريط بمكان وأما الشيعة فكلامهم مضطرب.. فقال بعضهم إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح ولا تجوز في الأفعال... وقال غيره: إنها واجبة عند الخوف على المال أيضا ومستحبة لصيانة العرض حتى يسن لمن اجتمع مع أهل السنة أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به... وفي أفضلية التقية من سني واحد صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن خلافا أيضا ومنهم من ذهب إلى جواز -بل وجوب- إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع.... ومما يرد قولهم أيضا إن التقية لا تكون إلا الخوف: والخوف قسمان الأول الخوف على النفس وهو منتف في حق حضرات الأئمة بوجهين: أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم كما أثبت هذه المسألة الكليني في الكافي، وعقد لها باب وأجمع عليها سائر الأئمة. وثانيها أن الأئمة يكون لهم علم بما كان وما يكون فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتفصيل والتخصيص... وأيضا لو كانت التقية واجبة لم يتوقف إمام عن بيعة خليفة رسول الله صلى الله عليه سلم ستة أشهر..ومما يرد قولهم في نسبة التقية إلى الأنبياء عليهم السلام بالمعنى الذي أراده قوله سبحانه في حقهم: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله...} وقوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالتك والله يعصمك من الناس..} 1هـ . يراجع من يشاء الجزء الثالث من ص 121 إلى ص 126.
[915]:وفي رواية إنا لنشكر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم، وعن بردة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول) فلما خرج قلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول؟ فقال " يا عائشة إن من أشر الناس من يتركه الناس –أو يدعه الناس- اتقاء فحشه".
[916]:قال الجوهري يقال اتقى تقية وتقاة مثل اتخم تخمة، وفاؤها واو كترات فالتقاة اسم وضع موضع المصدر. قال الواحدي ويجوز أن يجعل {تقاة} ههنا مثل دعاة ورماة فيكون حالا يؤكده وعلى هذين الوجهين يكون {تتقوا} متضمنا معنى تحذروا أو تخافوا ولهذا عدي بمن ويحتمل أن التقاة أو التقية بمعنى المتقي مثل ضرب الأمير لمضروبه فالمعنى إلا أن تخافوا من جهنم أمرا يجب اتقاؤه رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع من إظهار الطوية.1هـ.
[917]:من سورة النحل وتمام الآية {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} رقم 106.
[918]:من سورة المائدة من الآية 116.
[919]:من سورة يوسف من الآية 82.
[920]:من فتح التقدير لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني.
[921]:ما بين العلامتين [] مما أورد أبو جعفر.