فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (182)

{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون } : تنزه مولاك ومليكك صاحب الملك والملكوت ، والعزة والجبروت ، وتقدس عما يصفه به المبطلون . من الأشياء التي منها ترك نصرتك عليهم .

ختام السورة:

خاتمة تفسير سورة الصافات :

في هذه السور الخمس المباركات تبيان للكثير المقدس من أسماء الله الحسنى ، وصفاته العلية ، وأفعاله الحكيمة ، فهو الله ربنا الرحمن الرحيم ، العليم ، الحكيم ، الغفور الشكور ، القوي الحفيظ ، العزيز القدير ، العلي الكبير ، اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الفتاح الوكيل الحسيب ، الحميد القريب ، لا يعجزه شيء ، أمره مفعول ، وما قدّره فهو مقدور ، يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، لا تتبدل سنته ولا تتحول ، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ، بيده الملك وإليه المصير ، يقول الحق ويهدي السبيل .

ومما جاءت به الآيات : { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا } { . . إن الله كان لطيفا خبيرا } ، { . . وهو خير الرازقين } ، { . . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } ، { قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب } ، { قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم } ، { . . وربك على كل شيء حفيظ } ، { . . وكان الله قويا عزيزا } ، { . . وكان الله على كل شيء رقيبا } ، { . . إنه سميع قريب } ، { . . إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد } ، { . . وهو العلي الكبير } ، { . . والله هو الغني الحميد } ، { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور } ، { هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور . . } .

وجاء من ربنا سلطان مبين ، يشهد بجلال الملك المتين ؛ ومن يتأمل فيما حوله ، ويتفكر في نفسه ، ويتدبر قرآن ربه ، يستيقن ويزداد إيمانا بأن الله أحد صمد ، خلاق عظيم ، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده . . } .

فمن برهان الخلق والتدبير والإنعام تقرأ في سورة سبأ : { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } الآية 39 ؛ وفي سورة فاطر : { والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير } . { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } ، { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى . . } الآيتان : 11 ، و12 ؛ ومن الآية13 ؛ { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } الآية15 ؛ { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور } الآيتان : 27و28 ؛ وعشر متواليات في سورة يس : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون . وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون . ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون . سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون . وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون . والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم . والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم . لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون . وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون . وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } . الآيات : من 33إلى 42 ، { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون . وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون . ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون } الآيات : 71و72و73 .

ومن برهان القوة والاقتدار قول الواحد القهار العزيز الغفار : { قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } ، { وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا . وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا } ، { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب . ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد } ؛ { فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلنا بجنتيهم جنتين ذاوتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل } { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد . وما ذلك على الله بعزيز } ، { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا } ؛ { وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين . إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون } . { وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون } ، { ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون . ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون } .

ومن دحض حجة المشركين : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك وماله منهم من ظهير } { . . هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } ، { . . ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير }{ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا } ، { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة . . } ، { واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون } .

وفي تثبيت الإيمان بالموت وزلزلة القارعة ، وما بعد ذلك من بعث وحشر ، وحساب ووزن ، وشفاعة وحكم ، وخسران وفوز ؛ وفي إقامة الحجة على الذين يمارون في الساعة ، نبأنا العليم الخبير ، بما أعد لأهل الجنة ولأصحاب السعير . فقال سبحانه في التعجيب من المرتابين المكذبين بيوم الدين : { فاستفتهم أهم أشد خلقا أمن خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب . بل عجبت ويسخرون . وإذا ذكروا لا يذكرون . وإذا رأوا آية يستسخرون . وقالوا إن هذا إلا سحر مبين . أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون . أو آباؤنا الأولون } ؟ ! كما وصانا جل ثناؤه أن نعرض عن إفكهم : { قال قائل منهم إني كان لي قرين . يقول أئنك لمن المصدقين . أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون } ، وينجي الله الذين آمنوا ، ويحمدون الله الذي أذهب عنهم خزي أهل الشك والإفك : { قال هل أنتم مطلعون . فاطلع فرآه في سواء الجحيم . قال تالله إن كدت لتردين . ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين } ، وجادل القرآن أهل البهتان الذين أنكروا قدرة الله على إعادة ما بلى من الأبدان : { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم . قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون . أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم } { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور } ؛ والذين لم يؤمنوا بالآخرة سألوا عن ميقاتها استخفافا بشأنها ، وشكا في مجيئها : { يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } ، { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون } ، { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون . فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون . ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون . قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون . إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون } ؛ وفي خذلان الفجار وتخاصم أهل النار جاء التحذير من الواحد القهار : { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا . وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا } ، { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين . وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك . . } ، { . . ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين . قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين . وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } ، { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين . هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون . احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون . من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم . وقفهم إنهم مسئولون . ما لكم لا تناصرون . بل هم اليوم مستسلمون . وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين . قالوا بل لم تكونوا مؤمنين . وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين . فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون . فأغويناكم إنا كنا غاوين . فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون . إنا كذلك نفعل بالمجرمين . إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون } ، { أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم . إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون . ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم . ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين . فهم على آثارهم يهرعون . ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين . ولقد أرسلنا فيهم منذرين . فانظر كيف كان عاقبة المنذرين . إلا عباد الله المخلصين } . { أفبعذابنا يستعجلون . فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين . وتولى عنهم حتى حين . وأبصر فسوف يبصرون . سبحان ربك رب العزة عما يصفون } ، { والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم } ، { . . . بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } ، { فاليوم لا يملك بعضهم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون } ، { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور . إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } ، { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } . { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور . وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير } .

أما درجات الأخيار ونعيم الأبرار فقد بشرنا به العزيز الغفار : { ليجزي الله الصادقين بصدقهم . . } ، { . . . أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } { تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما } ، { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } ، { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور . ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } ، { جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير . وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور . الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } ، { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون . هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون . لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون . سلام قولا من رب رحيم } ، { إلا عباد الله المخلصين . أولئك لهم رزق معلوم . فواكه وهم مكرمون . في جنات النعيم . على سرر متقابلين . يطاف عليهم بكأس من معين . بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون . وعندهم قاصرات الطرف عين . كأنهن بيض مكنون } .

وفي شأن الملائكة الكرام عليهم السلام نقرأ في السور الخمس ثلاثا وعشرين آية : ثنتان منها في سورة الأحزاب : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته . . } ، ومولانا تقدست أسماؤه يفيض من رحمته على المؤمنين ، والملائكة يدعون لنا بالفوز العظيم ، وفي الآية الثانية : { إن الله وملائكته يصلون على النبي . . } ؛ وفي سورة سبأ : { ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون . قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } ؛ وفي سورة فاطر : { الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير } ؛ وفي مفتتح سورة الصافات : { والصافات صفا . فالزاجرات زجرا . فالتاليات ذكرا } ، ثم نقرأ : { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون . أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون . ألا إنهم من إفكهم ليقولون . ولد الله وإنهم لكاذبون . أصطفى البنات على البنين . مالكم كيف تحكمون . أم لكم سلطان مبين . فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين . وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون . سبحان الله عما يصفون } ، وبعدها : { وما منا إلا له مقام معلوم . وإنا نحن الصافون . وإنا لنحن المسبحون } .

وفي السور الأربع[ 33و34و35و36 ] نتلوا ما أنزل الله من تمجيد القرآن الكريم : { واذكرن ما يتلى في بيتوكن من آيات الله والحكمة . . } . { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد } ، { والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير . ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير } . { والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم . تنزيل العزيز الرحيم } ، { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب . . } ؛ ونقرأ جحود المكذبين والصادين عنه ، وحجة الله تعالى عليهم : { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه . . } ، { والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون } ، { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين . وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير } ، { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } ؛ وفي خامسة السور المحكمات ذكر للتوراة { ونصرناهم فكانوا هم الغالبين . وآتيناهما الكتاب المستبين } .

وفي شأن النبيين-عليهم الصلوات والتسليم- نقرأ في هذه السور الكثير من الآيات في فضل النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم . . } ، { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . . } ، { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين . . . } ، { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا } ؛ { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا . . } ؛ { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا . . } ؛ وآيات أزهقت باطل الذين آذوه ورموه بما هو منه براء ، فهو صلوات الله عليه ليس بدعا من الرسل : { بل جاء بالحق وصدق المرسلين } ، { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم . . } ، { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد . أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } ، { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } ، { قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي إنه سميع قريب } ، { والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم } ؛ وعشرات الآيات تتابعت في سورة الصافات تقص علينا من أنباء نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق وموسى وهارون وإلياس ولوطا ويونس ، ومنها : { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون . ونجيناه وأهله من الكرب العظيم } ، { إنه من عبادنا المؤمنين . ثم أغرقنا الآخرين . وإن من شيعته لإبراهيم . إذ جاء ربه بقلب سليم . إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون . أئفكا آلهة دون الله تريدون } { فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين . وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين . رب هب لي من الصالحين ، فبشرناه بغلام حليم } { وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين . ولقد مننا على موسى وهارون . ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم } { وإن إلياس لمن المرسلين } . { وإن لوطا لمن المرسلين . إذ نجيناه وأهله أجمعين . إلا عجوزا في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين } ؛ وفي سورة أخرى : { ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد . أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير . ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير } ؛ وفي بشرى الله تعالى للنبيين المصطفين : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون } ، { وسلام على المرسلين } .

وفي البر والطاعات ، والعمل الصالح والقربات جاء عهد الله إلينا في كثير من الآيات ؛ وإنّ حَمْدَ المولى- تقدست أسماؤه وتباركت آلاؤه بدئت به سورتان في النصف الأول من القرآن تضافان إلى سورة الفاتحة ، كما بدئت به سورتان في النصف الثاني ، كلتاهما من هذه السور الخمس ؛ حتى لقد تكرر الحمد في أول آية من إحداها : { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير } . { الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء . . } ، وثانية في نفس السورة : { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور } ، وخامسة ختمت بها آخر السور الخمس : { الحمد لله رب العالمين } ؛ وأمرنا بالذكر الموفور المبرور ، والتسبيح ما استطعنا-دون فتور : ف ( ذكر ) و( ذكرا ) و( الذاكرين ) و( الذاكرات ) جاءت في سورة واحدة ، وثلاثتها عهدت إلينا بالإكثار منه : { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } ، { . . . والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } . { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا . وسبحوه بكرة وأصيلا } ؛ وأخبر العليم الحكيم عن ملائكته أنهم ينزهونه ويبرءونه ويقدسونه : { وإنا لنحن المسبحون } ، وأنه بالتسبيح فرج الكرب العظيم عن نبي كريم : { فلولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } ، وهذه الثلاثة( سبحوه )و( المسبحين )( المسبحون ) لم تأت في القرآن إلا في هذه الآيات الثلاث ؛ { سبحان الله عما يصفون } ، { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } ، { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون } ، { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون } ؛ وفي الآيات تفضيل من أدى المكتوبات ؛ وخاف مقام ربه في الغدوات والروحات ، والخلوات والجلوات وصلحت منه الأفعال والكلمات ، وبذل وأعطى ولم يقبض يده عن القربات : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله . . } ، { . . إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة . . } ، { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور } ؛ وفضل سبحانه أهل الإيمان الصادقين والصادقات ، والصابرين والصابرات ، والخاشعين والخاشعات ، والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات ، والحافظين فروجهم والحافظات ؛ وحرّض على الجهاد الثابت ، ورضي عن الذين لا يرهبون في الله عدوا : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما . من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } ؛ واشتد غضب ربنا على مرضى القلوب المترددين المعوقين ، المتخاذلين عن نصرة الحق والدين : { . . أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا . يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } .

وشرع الله للنساء أن يتسترن{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين . . } ، وعلّم الداعين إليه أنهم يقتدى بهم ، ما تجردوا وابتغوا بدعوتهم وجه ربهم ، ثم لم يخالفوا بين قولهم وفعلهم : { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } .

وحذر ربنا ونهى عن موالاة الشيطان ومتابعته ، ووصى بمعاداته والاستعاذة من نزغه ووسوسته ، فإنه بئس القرين : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } ، ويوم يقرن الضال والمضل في السلاسل والأغلال يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ويقولون : { وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين . فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون . فأغويناكم إنا كنا غاوين . فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون } ، { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين . وما كان عليهم من سلطان . . } ؛ ويُحَسَّرُون من لدن الواحد القهار ، بغفلتهم وإجرامهم في هذه الدار : { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم . ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون } ؟ ! .

فالعاقل من قدس الله وأناب إليه ، وآمن به وتوكل عليه ، واستيقن بالكتاب والملائكة المكرمين ، وتأسى بالنبيين- صلوات ربنا وسلامه عليهم أجمعين- وصدّق بيوم الدين ، وصبر على البر والدعوة إليه ، وجاهد في سبيل الحق واستقام عليه ، وشكر أنعم خير الرازقين ، وتبرأ من الزيغ ونزغ الشياطين .

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .