فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (17)

لما كسروا أهل مكة وقتلوا وأسروا أقبلوا على التفاخر ، فكان القائل يقول : قتلت وأسرت ، ولما طلعت قريش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : p> ( 418 ) > " هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسلك ، اللهم إني أسألك ما وعدتني ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فقال : - لما التقى الجمعان - لعلي رضي الله عنه : أعطني قبضة من حصباء الوادي ، فرمى بها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه " فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه ، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، فقيل لهم { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } والفاء جواب شرط محذوف تقديره : إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم { ولكن الله قَتَلَهُمْ } لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم ، وشاء النصر والظفر وقوّى قلوبكم ، وأذهب عنها الفزع والجزع { وَمَا رَمَيْتَ } أنت يا محمد { إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى } يعني أنّ الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة ، لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمي البشر ، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ صورتها وجدت منه ، ونفاها عنه لأنّ أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله عزّ وجلّ ، فكأن الله هو فاعل الرمية على الحقيقة ، وكأنها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلاً . وقرىء «ولكن الله قتلهم » ولكن الله رمى ، بتخفيف «لكن » ورفع ما بعده { وَلِيُبْلِىَ المؤمنين } وليعطيهم { بَلاء حَسَنًا } عطاء جميلاً . قال زهير :

فَأبلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاَءِ الَّذِي يَبْلُو ***

والمعنى : وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل ، وما فعله إلا لذلك { إِنَّ الله سَمِيعٌ } لدعائهم { عَلِيمٌ } بأحوالهم .