قوله تعالى : { من الجنة والناس }
أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس .
قال الحسن : هما شيطانان : أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية .
وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن . وروي عن أبي ذر أنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شياطين الإنس ؟ فقال : أو من الإنس شياطين ؟ قال : نعم ؛ لقوله تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين{[16620]} الإنس والجن }[ الأنعام : 112 ] . . الآية .
وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد به الجن . سموا ناسا كما سموا رجلا في قوله : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن }{[16621]} [ الجن : 6 ] ، وقوما ونفرا{[16622]} . فعلى هذا يكون " والناس " عطفا على " الجنة " ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين . وذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث : جاء قوم من الجن فوقفوا . فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن ، وهو معنى قول الفراء .
وقيل : الوسواس هو الشيطان . وقوله : " من الجنة " بيان أنه من الجن " والناس " معطوف على الوسواس . والمعنى : قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس ، الذي هو من الجنة ، ومن شر الناس . فعلى هذا أمر بأن يستعيذ من شر الإنس والجن . والجِنة : جمع جني ، كما يقال : إنس وإنسي . والهاء لتأنيث الجماعة . وقيل : إن إبليس يوسوس في صدور الجن ، كما يوسوس في صدور الناس . فعلى هذا يكون { في صدور الناس } عاما في الجميع . و{ من الجنة والناس } بيان لما يوسوس في صدره . وقيل : معنى { من شر الوسواس } أي الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ، وهو حديث النفس . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " . رواه أبو هريرة ، أخرجه مسلم . فالله تعالى أعلم بالمراد من ذلك .
{ من الجنة والناس } هذا بيان لجنس الوسواس ، وأنه يكون من الجن ومن الناس ، ثم إن الموسوس من الإنس يحتمل أن يريد من يوسوس بخدعه وأقواله الخبيثة فإنه شيطان كما قال تعالى : { شياطين الإنس والجن } [ الأنعام : 112 ] ، أو يريد به نفس الإنسان ؛ إذ تأمره بالسوء ، فإنها أمارة بالسوء ، والأول أظهر . وقيل : { من الناس } معطوف على { الوسواس } كأنه قال : أعوذ من شر الوسواس من الجنة ومن شر الناس ، وليس الناس على هذا ممن يوسوس ، والأول أظهر وأشهر .
فإن قيل : لم ختم القرآن بالمعوذتين ، وما الحكمة في ذلك ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : لما كان القرآن من أعظم النعم على عباده ، والنعم مظنة الحسد ، فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله .
الثاني : يظهر لي أن المعوذتين ختم بهما ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما : " أنزلت علي آيات لم ير مثلهن قط " ، كما قال في فاتحة الكتاب : " لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها " ، فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها ، واختتم بسورتين لم ير مثلهما ، ليجمع حسن الافتتاح والاختتام ، ألا ترى أن الخطب والرسائل والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما ينظر فيها إلى حسن افتتاحها واختتامها .
الوجه الثالث : يظهر لي أيضا أنه لما أمر القارئ أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم ، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة ، وعند آخر ما يقرأ من القراءة ، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء ، وليكون القارئ محفوظا بحفظ الله الذي استعاذ به من أول أمره إلى آخره ، وبالله التوفيق ، لا رب غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.