الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (243)

{ أَلَمْ تَرَ } تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الأوّلين ، وتعجيب من شأنهم . ويجوز أن يخاطب به من لم يَرَ ولم يسمع ، لأنّ هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب . روي : أنّ أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيها الطاعون فخرجوا هاربين ، فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفرّ من حكم الله وقضائه . وقيل مرّ عليهم حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم فلوى شدقه وأصابعه تعجباً مما رأى ، فأوحى إليه : ناد فيهم أن قوموا بإذن الله ، فنادى ، فنظر إليهم قياماً يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت . وقيل : هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذراً من الموت ، فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم { وَهُمْ أُلُوفٌ } فيه دليل على الألوف الكثيرة . واختلف في ذلك ، فقيل : عشرة ، وقيل : ثلاثون ، وقيل : سبعون . ومن بدع التفاسير . { أُلُوفٌ } متآلفون ، جمع آلف كقاعد وقعود .

فإن قلت : ما معنى قوله : { فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ } ؟ قلت : معناه فأماتهم ، وإنما جيء به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته ، وتلك ميتة خارجة عن العادة ، كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالاً من غير إباء ولا توقف ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة ، وأنّ الموت إذا لم يكن منه بدٌّ ولم ينفع منه مفر ، فأولى أن يكون في سبيل الله . { لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس } حيث يبصرهم ما يعتبرون به ويستبصرون ، كما بصر أولئك ، وكما بصركم باقتصاص خبرهم . أو لذو فضل على الناس حيث أحيى أولئك ليعتبروا فيفوزوا ، ولو شاء لتركهم موتى إلى يوم البعث . والدليل على أنه ساق هذه القصة بعثاً على الجهاد ما أتبعه من الأمر بالقتال في سبيل الله .