النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (243)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ } يعني ألم تعلم .

{ وَهُمْ أُلُوفٌ } فيه قولان :

أحدهما : يعني مُؤْتَلِفِي القلوب وهو قول ابن زياد .

والثاني : يعني ألوفاً في العدد{[379]} .

واختلف قائلو هذا في عددهم على أربعة أقاويل : أحدها : كانوا أربعة آلاف{[380]} ، رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . والثاني : كانوا ثمانية آلاف . والثالث : كانوا بضعة وثلاثين ألفاً ، وهو قول السدي .

والرابع : كانوا أربعين ألفاً ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً ، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف .

ثم قال تعالى : { حَذَرَ الْمَوتِ } وفيه قولان :

أحدهما : أنهم{[381]} فرّوا من الطاعون ، وهذا قول الحسن ، ورَوَى سعيد بن جبير قال : كانوا أربعة آلاف ، خرجوا فراراً من الطاعون ، وقالوا نأتي أرضاً ليس بها موت ، فخرجوا ، حتَّى إذا كانوا بأرض كذا ، قال الله لهم : موتوا فماتوا ، فمر عليهم نبي ، فدعا ربه أن يحييهم ، فأحياهم الله{[382]} .

والقول الثاني : أنهم فروا من الجهاد ، وهذا قول عكرمة والضحاك{[383]} .

{ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا } فيه قولان :

أحدهما : يعني فأماتهم الله ، كما يقال : قالت السماء فمطرت ، لأن القول مقدمة الأفعال ، فعبر [ به ] عنها .

والثاني : أنه تعالى قال قولاً سمعته الملائكة{[384]} . { ثُمَّ أَحْيَاهُمُ } إنما فعل ذلك معجزة لنبي من أنبيائه كان اسمه شمعون من أنبياء بني إسرائيل ، وأن مدة موتهم إلى أن أحياهم الله سبعة أيام{[385]} .

قال ابن عباس ، وابن جريج : [ رائحة ] الموت توجد في ولد ذلك السبط من اليهود إلى يوم القيامة{[386]} .


[379]:- العدد: في ك العهد.
[380]:- آلاف: في ك ألف مع عشرة وثمانية وأربعة.
[381]:- أنهم: سقطت من ك.
[382]:- الله: هذا اللفظ سقط من ق.
[383]:- ذكر القرطبي: أنهما كانوا بقرية يقال لها "داوردان" وأنهم فروا ثم نزلوا واديا. "داوردان" من نواحي شرقي واسط بينها فرسخ. انظر تفسير القرطبي جـ3 ص 230.
[384]:- سقط من ق.
[385]:- وقيل ثمانية أيام والله أعلم بما كان. وقد أماتهم الله ثم أحياهم ليعلموا أن الفرار من الجهاد لن ينجيهم من الموت، وقد جاءت هذه الآية مقدمة لأمر المسلمين بالجهاد.
[386]:- يقال إنهم أحيوا بعد أن انتنوا فتلك الرائحة موجودة في نسلهم. وما بين الزاويتين سقط من ق.