الآية 243 وقوله تعالى : { ألم تر } حروف تعجيب وتنبيه ليتأمل في ما يلقى إليه مما أريد الأنباء عنه أو في ما قد سبق الإنباء عنه ليتجدد بالنظر فيه عهدا . وعلى ذلك المعروف من استعمال هذه الكلمة ، وكذلك وجه تأويله إلى الخبر مرة وإلى العلم به ثانيا وإلى النظر فيه ثالثا على اختلاف ما قيل ، وفيه كل ذلك ، والله [ تعالى أعلم ]{[3068]} .
[ وقوله : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } : قوله ]{[3069]} : { ألم تر } ألم{[3070]} تخبر ، [ وألم تنظر ، مثل ]{[3071]} هذا إنما يقال عن أعجوبة فالقصة فيه ، والله تعالى أعلم ، جواب قوله : { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } [ آل عمران : 156 ] أخبرهم الله عز وجلا عن قصة هؤلاء أن جهلهم بآجال أولئك حملهم على [ هذا القول مثل جهل بني إسرائيل حملهم على ]{[3072]} الخروج { من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } ثم لم ينفعهم ذلك ، بل أميتوا ، وكذلك{[3073]} هذا .
ثم اختلف في قصة هذا{[3074]} ؛ قال بعضهم : خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله ، فأماتهم الله ، ثم أحياهم ، وأمرهم أن يخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ، وقال آخرون : وقع الطاعون في قرتهم ، فخرج أناس ، وبقي أناس ، فمن خرج أكثر ممن بقي ، فنجا الخارجون ، وهلك الباقون ، فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا ، فأماتهم الله ، ثم أحياهم ، فلا ندري كيف كانت القصة ؟
فغن كانت القصة في الظهر من الجهاد في سبيل الله ، فله نظير في الآيات : قوله تعالى : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } [ آل عمران : 154 ] ، وقوله : { قل لن ينفعكم الفرار [ إن فررتم من الموت أو القتل } ]{[3075]} [ الأحزاب : 16 ] ، وقوله : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه مالقيكم } [ الجمعة : 8 ] ، [ وقوله : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } ]{[3076]} [ النساء : 78 ] ، ومثله كثير في القرآن .
وإن كانت [ القصة ]{[3077]} في الطاعون فقد جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن كنتم في أرض ، وفيها وباء ، فلا تخرجوا منها ) [ أحمد 1/192 ] وأن الفرار أنجاهم إن لم يكونوا فيها ، فدخلوا ، فأصابهم ، فأماتهم الله ، يظنون أنهم إذا لم يكونوا فيها لم يصيبهم ذلك . في الوجهين نسيان القضاء ، وقد جاء أن ( لا عدوى ولا هامة ) [ البخاري : 5705 ] .
فإن قيل ( روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مر على حائط مائل أسرع المشي ) [ أحمد : 2/356 ] كيف نهى عن الخروج عن أرض فيها وباء وطاعون ؟ قيل : إن كان مخرجه مخرج آية ، وفيها إهلاكهم ، فذلك لا يكون إلا بأمر سبق منهم ، فحق مثله الفرار إلى الله لا إلى غيره ، وأما انكسار الحائط فليس لأمر سبق منه ، فجائز أن يأخذ منه حذره ، هذا هو الفرق بينهما ، والله تعالى أعلم .
قال الشيخ ، رحمه الله : ويجوز أن يكون فعله صلى الله عليه وسلم ليعلم أن مثله من الخوف لا يعد نقصانا في الدين ؛ وذلك كالعدة تتخذ للحرب والأغذية للبدن ، لا على ظن بالله أنه لا يملك الحياة دونها أو قهر العدو ، ولكن على التأهب والائتمار ، إذ قد جعل الذي{[3078]} خيف فيه والذي رجي ، الله أعلم .
وقوله : { إن الله لذو فضل على الناس } حين أحياهم بعدما أماتهم ، وذلك فضل منه ، وذو { فضل على الناس } بكل نعمة أنعمها عليهم ليستحق الشكر من الخلق بذلك .
هذه الآية على المعتدلة إذ قالوا : ليس لله أن يفعل بخلقه إلا الأصلح لهم في الدين ، ولو فعل غير ذلك كان جائزا ، فإذا كان هذا عليه فأنى{[3079]} يكون الأفضال ؟ وإنما يقال : ذو فضل ، وذو من إذا أعطى ما ليس عليه ، وأما من أعطى ما كان عليه لا يقال : إنه تفضل ، أو من ، كمن يقضي دينا عليه لآخر لا يستوجب الشكر بذلك لأنه قضى ما عليه قضاؤه ، فكذلك الله تعالى إذا أخبر أنه ذو فضل وذو من لم يكن ذلك عليه ، فاستوجب الشكر على الخلق بذلك ، وبالله التوفيق .
ثم الكلام في أن أولئك ماتوا بآجالهم [ أولا بآجالهم ]{[3080]} قالت : المعتزلة ، لم تكن آجالهم . ومن قولهم : إن لكل أحد أجلين : إن قتل فأجله كذا ، وإن مات فكذا . قيل ذلك تأجيل من لا يعلمه أنه يقتل أو يموت ، فإذا علم الله أنه يموت لم يكتب له أجل القتل ، وكذلك ما روي [ في الخبر ]{[3081]} ( أن صلة الرحم تزيد في العمر ) [ ابن عساكر : 5/210 ] إذ{[3082]} كان في علم الله في الأزل أن يصل الرحم ، فكتب عمره أزيد ممن يعلم في الأزل أنه يقطع ، ولا يصل ، إذ{[3083]} لو حمل ذلك على ما يقولون هم لخرج فعله فعل من يجهل العواقب .
فإن قيل : [ فلم يلام ]{[3084]} القاتل إذا قتل غيره بغير حق ؟ قيل له : لأنه كتب أجل المقتول بقتل{[3085]} هو معصية بما علم الله أنه يقضي{[3086]} به ، وكتاب الآجال هو بيان النهايات والأعمار{[3087]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.