بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (243)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ } ، يقول : ألم تخبر : وهذا على سبيل التعجب ، كما يقال : ألا ترى إلى ما صنع فلان ؟ ! ويقال : { ألم تر } يعني ألم تعلم ؟ ويقال : ألم ينته إليك خبرهم ؟ يعني الآن نخبرك عنهم . قال ابن عباس : وذلك أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أمر الناس بالخروج إلى الغزو فخرجوا ، فبلغهم أن في ذلك الموضع طاعوناً ، فامتنعوا عن الخروج إلى هناك ، ونزلوا في موضعهم ، فهلكوا كلهم ؛ فبلغ خبرهم إلى بني إسرائيل ، فخرجوا ليدفنوهم ، فعجزوا عن ذلك لكثرتهم ، فحظروا عليهم الحظائر . ثم أحياهم الله بعد ثمانية أيام ، وبقيت منهم بقايا من البحر ومعهم النتن إلى اليوم وقال بعضهم : بلغهم أن هناك للعدو شوكة وقسوة ، فامتنعوا عن الخروج إليهم فأهلكهم الله تعالى .

وقال بعضهم : إن أرضاً وقع بها الوباء فخرج الناس منها هاربين ، فنزلوا منزلاً فماتوا كلهم ؛ فمر بهم نبي يقال له حزقيل عليه السلام فقال : الحمد لله القادر الذي يحيي هذه النفوس البالية ليعبدوه . فدعا لهم فأحياهم الله تعالى ؛ فذلك قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم وَهُمْ أُلُوفٌ } . قال ابن عباس في رواية الكلبي وفي رواية الضحاك : ثمانية آلاف ، ويقال : سبعون ألفاً ، ويقال : ثمانية عشر ألفاً . وقال بعضهم : { هم ألوف } كما قال الله تعالى ، ولا يعرف كم عددهم إلا الله . { حَذَرَ الموت } ، أي خرجوا من ديارهم مخافة الموت .

{ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ } ، أي أماتهم الله ؛ { ثُمَّ أحياهم إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس } ، يعني على أولئك الكفار حين أحياهم . يقال : هو ذو منَ على جميع الناس . { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ } رب هذه النعمة ، يعني الكفار . ويقال : على الذي أحياهم .

وفي هذه الآية : دلالة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عمن قبله ولم يكن قرأ الكتب ، فظهر ذلك عند اليهود والنصارى وعرفوا أنه حق . وفي هذه الآية إبطال قول من يقول : إن الإحياء بعد الموت لا يجوز ، وينكر عذاب القبر ؛ لأن الله تعالى يخبر أنه قد أماتهم ثم أحياهم .