فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (243)

الاستفهام هنا للتقرير ، والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر . والمعنى ، عند سيبويه : تنبه إلى أمر الذين خرجوا ، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل . وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه ، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء . أي : ألم ينته علمك إليهم ؛ أم معنى الوصول . أي : ألم يصل علمك إليهم ، ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية . أي : ألم تنظر إلى الذين خرجوا . جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع ، والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد ، أو المبصرة لكل مبصر ؛ لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودوَّنوها ، وأشهروا أمرها ، والخطاب هنا لكل من يصلح له . والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادّعاءً لظهوره ، وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد ، والغائب .

وقوله : { وَهُمْ أُلُوفٌ } في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا ، وألوف من جموع الكثرة ، فدل على أنها ألوف كثيرة . وقوله : { حَذَرَ الموت } مفعول له . وقوله : { فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا } هو أمر تكوين عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة ، أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا ، فأطاعوا . قوله : { ثُمَّ أحياهم } هو معطوف على مقدّر يقتضيه المقام ، أي : قال الله لهم : موتوا ، فماتوا ثم أحياهم ، أو على قال لما كان عبارة ، عن الإماتة ، وقوله : { إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس } التنكير في قوله فضل للتعظيم . أي : لذو فضل عظيم على الناس جميعاً ، أما هؤلاء الذين خرجوا ، فلكونه أحياهم ، ليعتبروا ، وأما المخاطبون ، فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار ، والاستبصار بقصة هؤلاء .

/خ245