الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

البدع ، بمعنى : البديع ، كالخف بمعنى الخفيف . وقرىء «بدعا » بفتح الدال ، أي : ذا بدع ويجوز أن يكون صفة على فعل ، كقولهم : دين قيم ، ولحم زيم : كانوا يقترحون عليه الآيات ويسألونه عما لم يوح به إليه من الغيوب . فقيل له : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل } فآتيكم بكل ما تقترحونه ، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات ؛ فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم من آياته ، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم . ولقد أجاب موسى صلوات الله وسلام عليه عن قول فرعون : ( فما بال القرون الأولى ) ؟ بقوله : { علمها عند ربي } [ طه : 52 ] { وَمَآ أَدْرِى } لأنه لا علم لي بالغيب ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان من أفعاله ، ويقدّر لي ولكم من قضاياه { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ } وعن الحسن : وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا ، ومن الغالب منا والمغلوب . وعن الكلبي : قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى نكون على هذا ؟ فقال : ( ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخيل وشجر ؟ وعن ابن عباس : ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، وقال : هي منسوخة بقوله : { لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] ويجوز أن يكون نفياً للدراية المفصلة . وقرىء «ما يفعل » بفتح الياء ، أي : يفعل الله عز وجل .

فإن قلت : إنّ ( يفعل ) مثبت غير منفي ، فكان وجه الكلام : ما يفعل بي وبكم . قلت : أجل ، ولكن النفي في { وَمَآ أَدْرِى } لما كان مشتملاً عليه لتناوله { مَا } وما في حيزه : صح ذلك وحسن . ألا ترى إلى قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذى خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ } [ الأحقاف : 33 ] كيف دخلت الباء في حيز أنّ وذلك لتناول النفي إياها مع ما في حيزها . و ( ما ) في ( ما يفعل ) يجوز أن تكون موصولة منصوبة ، وأن تكون استفهامية مرفوعة . وقرىء : «يوحي » أي الله عز وجل .