الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ} (33)

قوله : { مَّنْ خَشِيَ } : يجز أن يكونَ مجرورَ المحلِّ بدلاً أو بياناً ل " كل " . وقال الزمخشري : " إنه يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً بعد بدل تابعاً لكل " انتهى . يعني أنه بدلٌ مِنْ " كل " بعد أن أُبْدِلَتْ " لكل " مِنْ " للمتقين " ولم يَجْعَلْه بدلاً آخر من نفس " للمتقين " لأنَّه لا يتكرَّرُ البدلُ والمبدلُ منه واحدٌ/ . ويجوز أن يكونَ بدلاً عن موصوفِ أَوَّاب وحفيظ ، قاله الزمخشري ، يعني أن الأصلَ : لكل شخصٍ أوَّابٍ ، فيكون " مَنْ خَشِي " بدلاً مِنْ شخص المقدر قال : " ولا يجوزُ أَنْ يكونَ في حُكم أوَّاب وحفيظ لأنَّن " مَنْ " لا يُوْصَفُ بها ، ولا يُوْصَفُ مِنْ بين الموصولاتِ إلاَّ ب " الذي " . يعني بقولِه : " في حُكْمِ أوَّاب " أن يُجْعَل " مَنْ " صفةً ، وهذا كما قال لا يجوزُ . إلاَّ أنَّ الشيخَ اسْتَدْرَكَ عليه الحصرَ فقال : " بل يوصف بغير " الذي " من الموصولاتِ كوَصْفِهم بما فيه أل الموصولة نحو : الضارب والمضروب ، وكوَصْفِهم ب ذو وذات الطائيَّتين نحو قولهم : " بالفضل ذو فَضَّلكم اللَّهُ به والكرامةِ ذاتُ أكرمكم اللَّهُ بَهْ " .

وجَوَّز ابنُ عطية في " مَنْ خَشِي " أَنْ يكونَ نعتاً لِما تقدَّم ، وهو مردودٌ بما تقدَّم ، ويجوز أَنْ يكونَ يرتفع " مَنْ خَشِي " على خبر ابتداءٍ مضمرٍ ، أو يُنْصَبُ بفعلٍ مضمرٍ ، وكلاهما على القطع المُشْعِرِ بالمدح ، وأن يكونَ مبتدأ خبرُه قولٌ مضمرٌ ناصبٌ لقولِه : " ادْخُلوها " أي : مَنْ خَشِي الرحمنَ يُقال لهم : ادْخُلوها . وحُمِل أولاً على اللفظِ ، وفي الثاني على المعنى ، وقيل : " مَنْ خَشي " منادى حُذِفُ منه حرفُ النداءِ أي : يا مَنْ خَشِي ادْخلُوها باعتبار الحَمْلَيْن المتقدِّمَيْنِ ، وأَنْ تكونَ شرطيةً ، وجوابُها محذوفٌ وهو ذلك القولُ ، ولكن رُدَّ معه فاءٌ أي : فيقال لهم : و " بالغيب " حالٌ أي : غائباً عنه ، فيُحتمل أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما . وقيل : الباءُ للسببية أي : خَشْيةً بسببِ الغيب الذي أَوْعَدَه مِنْ عذابِه . ويجوزُ أَنْ تكونَ صفةً لمصدرِ خشي أي : خَشيَه خَشْيْةً ملتبسةً بالغيب .