السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ} (33)

ثم أبدل من كلٍ تتميماً لبيان المتقين قوله تعالى : { من خشي } أي : خاف ونبه على كثرة خشيته بقوله تعالى : { الرحمن } لأنه إذا خافه مع استحضار الرحمة العامة للمطيع والعاصي كان خوفه مع استحضار غيرها أولى وقال القشيري : التعبير بذلك للإشارة إلى أنها خشية تكون مقرونة بالأنس يعني الرجاء كما هو المشروع ، قال : ولذلك لم يقل الجبار أو القهار . ويقال الخشية ألطف من الخوف فكأنها قريبة من الهيبة وقوله تعالى : { بالغيب } حال أي غائباً عنه فيحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما . وقيل الباء للمصاحبة أي مصاحب له من غير أن يطلب آية أو أمراً يصير به إلى حد المكاشفة بل استغنى بالبراهين القطيعة التي منها أنه مربوب وهو أيضاً بيان لبليغ خشيته ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشي أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب ومعنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب ولم يره .

وقال الضحاك والسدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد . وقال الحسن : إذا أرخى الستور وأغلق الباب . وقوله تعالى { وجاء } أي : بعد الموت { بقلب منيب } أي : راجع إلى الله تعالى صفة مدح لأنّ شأن الخائف أن يهرب فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه لا ينجي الفرار منه والباء في { بقلب } إما للتعدية وإما للمصاحبة وإما للسببية ، والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى : { إذ جاء ربه بقلب سليم } [ الصافات : 84 ] من الشرك والضمير في قوله تعالى : { ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود } .