اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول ابن عباس ، والكلبي ، ومدنية في قول الحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة{[1]} ، وهي ثلاث آيات ، وعشر كلمات ، واثنان وأربعون حرفا .

/خ1

قوله : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر } ، قرأ الحسن وابن محيصن ، وطلحة ، والزعفراني{[60945]} : «أنْطَيْنَاكَ » بالنون . قال الرازي ، والتبريزي : أبدل من العين نوناً .

فإن عنينا البدل الصناعي فليس بمسلَّم ، لأن كل مادة مستقلة بنفسها ، بدليل كمال تصريفها ، وإن عنينا بالبدل : أن هذه وقعت موقع هذه لغة ، فقريب ، ولا شكَّ أنها لغة ثابتة .

قال التبريزي : هي لغة العربِ العاربةِ من أولى قريش .

وفي الحديث : «اليَدُ العُلْيَا المُنطِيةُ ، واليَدُ السُّفلَى المُنطَاةُ »{[60946]} .

وقال الشاعر وهو الأعشى : [ المتقارب ]

5324- جِيادُكَ خَيْرُ جِيادِ المُلوكِ *** تُصَانُ الجِلالَ وتُنْطَى الحُلُولاَ{[60947]}

قال القرطبي{[60948]} : «وروته أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة ، وهي لغة في العطاء : أنطيته : أعطيته » .

والكوثر : «فَوْعَل » ، من الكثرةِ ، وصف مبالغة في المفرط الكثرة ، مثل النوفل من النَّفل ، والجوهر من الجهر ، والعرب تسمي كل شيءٍ كثيراً في العدد ، والقدر ، والخطر : كوثراً ؛ قال : [ الطويل ]

5325- وأنْتَ كَثيرٌ يَا ابْنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ *** وكَانَ أبُوكَ ابْنَ العقَائِلِ كَوثَرا{[60949]}

قيل لعجوز رجع ابنها من السَّفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر ، أي : بمال كثير .

والكوثر من الغبار الكثير ، وقد تكوثر إذا كثر ؛ وقال الشاعر :

5326- *** وقَدْ ثَارَ نَقْعُ المَوْتِ حتَّى تَكْوثَرَا{[60950]} ***

فصل في المراد بالكوثر

اختلفوا في الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : نهر في الجنة ، رواه البخاري وغيره{[60951]} .

وروى الترمذي عن ابن عمران قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الكَوْثَرُ : نهرٌ فِي الجنَّةِ ، حَافتَاهُ مِنْ ذهَبٍ ، ومَجْراهُ عَلى الدُّرّ والياقوت ، تُربتُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، وماؤه أحْلَى مِنَ العَسلِ ، وأبْيَضُ مِنَ الثّلْجِ »{[60952]} .

وقال عطاء : هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم {[60953]} في الموقف ، وفيه أحاديث كثيرة .

وقال عكرمة : الكوثر : النبوة ، والكتاب{[60954]} .

وقال الحسن : هوالقرآن{[60955]} .

وقال ابن المغيرة : الإسلام .

وقال ابن كيسان : هو الإيثار .

وقال الحسن بن الفضل : هو تيسير القرآن ، وتخفيف الشرائع .

وقال أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب : هو كثرة الأصحاب والأتباع والأمة .

وحكى الماورديُّ : أنه رفعة الذكر .

وقيل : [ الشفاعة .

وقال هلال بن يساف : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله .

وقيل : الصلوات الخمس .

وقيل الفقه في الدين .

وقيل غير ذلك ]{[60956]} .

قال القرطبيُّ{[60957]} : وأصح الأقوال : الأول ، والثاني ؛ لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصًّا في الكوثر .

/خ1


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[60945]:ينظر: المحرر الوجيز 5/529، والبحر المحيط 8/520، والدر المصون 6/577.
[60946]:ينظر جامع المسانيد (2/598).
[60947]:ينظر الديوان ص 88، واللسان (جلل)، والبحر 8/520، والدر المصون 6/577.
[60948]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 20/147.
[60949]:قائله هو الكميث، ينظر ديوانه 1/279، والكشاف 4/806، واللسان (كثر)، والقرطبي 20/147. والبحر 8/521، والدر المصون 6/577.
[60950]:عجز بيت وصدره: *** أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم *** ينظر ديوان الحماسة للتبرزي 1/125، والقرطبي 20/147.
[60951]:أخرجه البخاري (8/603)، كتاب: التفسير، باب: إنا أعطيناك الكوثر حديث (4965)، من حديث عائشة.
[60952]:أخرجه الترمذي (3358)، وابن ماجه (4334)، وأحمد (2/112)، من حديث ابن عمر.
[60953]:ينظر تفسير الماوردي (6/354)، والقرطبي (20/148).
[60954]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/718)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/688)، وزاد نسبته إلى هناد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عكرمة.
[60955]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/688)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن الحسن.
[60956]:سقط من : ب.
[60957]:الجامع لأحكام القرآن 20/148.