اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَـٰٓؤُلَآءِ قَوۡمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۭ بَيِّنٖۖ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا} (15)

قوله : { هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا } : يجوز في " قَوْمنَا " أن يكون بدلاً ، أو بياناً ، و " اتَّخذُوا " هو خبر " هؤلاء " ويجوز أن يكون " قَوْمُنا " هو الخبر ، و " اتَّخذوا " حالاً ، و " اتَّخذ " يجوز أن يتعدى لواحد ؛ بمعنى " عملوا " لأنهم نحتوها بأيديهم ، ويجوز أن تكون متعدية لاثنين ؛ بمعنى " صيَّروا " و " مِن دونه " هو الثاني قدِّم ، و " آلهة " هو الأول ، وعلى الوجه الأول يجوز في " من دونه " أن يتعلق ب " اتَّخذُوا " وأن يتعلق بمحذوفٍ حالاً من " آلهة " إذ لو تأخَّر ، لجاز أن يكون صفة ل " آلهة " .

قوله : " لَوْلاَ يَأتُونَ " تحضيض فيه معنى الإنكار ، و " عَليْهِمْ " أي : على عبادتهم ، أو على اتخاذهم ، فحذف المضاف للعلم به ، ولا يجوز أن تكون هذه الجملة التحضيضية صفة ل " آلهة " لفساده ؛ معنى وصناعة ؛ لأنها جملة طلبية .

فإن قلت : أضمر قولاً ؛ كقوله : [ الرجز ]

جَاءُوا بمَذْقٍ هل رَأيْتَ الذِّئْبَ قَطْ{[20858]} ***

فالجواب لم يساعد المعنى لفساده عليه .

فصل في المعني بقوله تعالى : ( هؤلاء قومنا ) .

هذا قول أصْحاب الكهف يعنون أهل بلدهم هم الذين كانوا في زمن دقيانوس ، عبدوا الأصنام { لَّوْلاَ يَأْتُونَ } هلا يأتون " عَليْهِمْ " على عبادتهم " بسُلْطَانٍ " بحجَّة بينة واضحة ، ومعنى الكلام أن عدم البينة{[20859]} بعدم الدَّليل لا يدلُّ{[20860]} على عدم المدلول ، وهذه الآية تدلُّ على صحَّة هذه الطريقة ؛ لأنَّه تعالى استدلَّ على عدم الشركاء والأضداد ؛ لعدمِ الدَّليل عليه ، ثم قال : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً } فزعم أنَّ له شريكاً ، وولداً ، يعني أنَّ الحكم بثبوت الشيء مع عدم الدليل عليه ظلمٌ وافتراءٌ على الله وكذبٌ ، وهذا من أعظم الدلائل على فساد القول بالتَّقليد .


[20858]:عجز بيت لرؤبة وصدره: حتى إذا جن الظلام واختلط ينظر البيت في أمالي الزجاجي 237، المغني 1/246، شرح المفصل لابن يعيش 3/53، شرح ديوان الحماسة 1/214، المقرب 1/220، الخزانة 2/109، التهذيب واللسان "خضر"، الدر المصون 4/439.
[20859]:في أ: التنبيه.
[20860]:في أ: على.