قوله : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } أي : لو رأيتهم ، لحسبتهم .
وقال شهاب الدِّين : لا حاجة إلى هذا التقدير .
{ أَيْقَاظاً } : جمع " يَقُظٍ " بضم القاف ، وبجمع على يقاظٍ ، ويقظ وأيقاظ ، كعضدٍ وأعضادٍ ، ويقظ ويقاظ ، كرجلٍ ورجالٍ ، وظاهرُ كلام الزمخشريِّ أنه يقال : " يقظٌ " بالكسر ؛ لأنه قال : وأيقاظٌ جمع " يقظٍ " كأنكاد في " نكدٍ " .
وقال الأخفش ، وأبو عبيدة ، والزجاج : أيقاظٌ جمع يقظٍ ويقظان .
وأنشدوا [ لرؤبة ]{[20879]} : [ الرجز ]
ووَجدُوا إخْوانَهُم أيْقَاظا *** . . . . . . . . . . . . . {[20880]}
وقال البغوي{[20881]} : أيقاظاً جمع يقيظ ويقظ ، واليقظة : الانتباه عند النَّوم .
قال الواحديُّ{[20882]} : وإنما يحسبون أيقاظاً ؛ لأنَّ أعينهم مفتحةٌ ، وهم نيامٌ .
وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنُّ أنهم أيقاظٌ ؛ لقوله تعالى : { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال } والرقود جمع راقدٍ ، كقاعدٍ وقعود .
اختلفوا في مقدار مدَّة التَّقليب{[20883]} :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " أنَّ لهم في كلِّ عام تَقْليبَتَيْنِ " {[20884]} وعن مجاهدٍ : يمكثون رقوداً على أيمانهم تسع سنينَ ، ثم ينقلبون على شمائلهم ، فيمكثون رقوداً تسع سنين{[20885]} .
وقيل : لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء .
قال ابن الخطيب{[20886]} : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ، والقرآن لا يدل عليها ، وما جاء فيه خبر صحيح ، فكيف يعرف ؟ وقال ابن عباس : فائدة تقليبهم ؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم وتبليهم{[20887]} .
قال ابن الخطيب{[20888]} : عجبت من ذلك ؛ لأنَّ الله تعالى قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر ، فلم لا يقدر على حفظ أجسامهم من غير تقليب ؟ ! .
قوله : " ونُقلِّبهُم " قرأ العامة " نُقلِّبهُم " مضارعاً مسنداً للمعظِّم نفسه .
وقرئ{[20889]} أيضاً بالياء من تحت ، أي : الله أو الملك ، وقرأ الحسن : " يُقلِبُهمْ " بالياء من تحت ساكن القاف ، مخفف اللام ، وفاعله ، إمَّا الله أو الملكُ .
وقرأ أيضاً " وتَقَلُّبَهُم " بفتح التاء ، وضمِّ اللام مشددة مصدر تقلَّب كقوله : { وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين } [ الشعراء : 219 ] ونصب الباء ، وخرَّجه أبو الفتح على إضمار فعل ، أي : ونرى تقلُّبهم ، أو نشاهد تقلُّبهم ، وروي عنه أيضاً رفع الباء على الابتداءِ ، والخبر الظرف بعده ، ويجوز أن يكون محذوفاً ، أي : آية عظيمة . وقرأ{[20890]} عكرمة " وتقلبُهمْ " بتاء التأنيث مضارع " قَلبَ " مخفَّفاً ، وفاعله ضمير الملائكةِ المدلولِ عليهم بالسِّياق .
وقوله : " ذَاتَ " منصوب على الظَّرف ، لأنَّ المعنى : ونُقلِّبُهمْ من ناحية اليمين أو على ناحية " اليمين " كما تقدَّم في قوله : { تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين } [ الكهف : 17 ] .
وقوله : { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد } .
قرأ العامة " وكَلْبُهمْ " وقرأ جعفر{[20891]} الصادق " كَالبُهمْ " أي : صاحب كلبهم كلابنٍ وتامر ، ونقل أبو عمر الزاهدُ غلامُ ثعلبٍ " وكَالِئُهُمْ " بهمزة مضمومة اسم فاعل من كَلأ يَكْلأُ أي : حفظ يحفظُ .
و " باسطٌ " اسم فاعل ماض ، وإنما عمل على حكاية الحال ، والكسائي يعمله ، ويستشهد بالآية .
والوَصِيدُ : الباب ؛ قاله ابن عبَّاس والسديُّ . وقيل : العَتبَةُ .
والكهفُ لا يكون له بابٌ ، ولا عتبة ، وإنما أراد موضع الباب .
وقال الزجاج : الوصيد فناءُ البيت ، وفناء الدَّار .
بأرْضِ فَضاءٍ لا يسدُّ وصيدُها *** عَليَّ ومَعرُوفِي بها غَيْرُ مُنْكرِ{[20892]}
وقيل : الوصيدُ : الصَّعيدُ والتراب .
قال يونس ، والأخفش ، والفراء : الأصيدُ والوصيدُ لغتان ؛ مثل : الوكاف والإكاف .
وقال مجاهدٌ ، والضحاك : " الوَصِيدُ " : الكهف{[20893]} .
وأكثر المفسرين على أنَّ الكلب كان من جنس الكلاب .
وروي عن ابن جريج : أنه كان أسداً ، وسمِّي الأسد كلباً{[20894]} ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهبٍ ، فقال : " اللَّهُم سلِّط عليه كلباً من كِلابِكَ " فافترسه الأسدُ{[20895]} .
قال ابن عباس : كان كلباً أغرَّ ، واسمه قطميرٌ ، وعن عليِّ : اسمه " ريَّان " {[20896]} .
وقال الأوزاعي : يشور{[20897]} قال السدي : يور{[20898]} .
وقال كعبٌ : صهباً{[20899]} .
وقال مقاتل : كان كلباً أصفر{[20900]} .
وقال الكلبيُّ : لونه كالحليج{[20901]} ، وقيل غير ذلك .
قال خالد بن معدان : ليس في الجنَّة من الدوابِّ إلاَّ كلب أصحاب الكهف ، وحمار بلعام{[20902]} .
قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هربوا من ملكهم فمرُّوا براعٍ ، معه كلبٌ ، فتبعهم على دينهم ، ومعه كلبه{[20903]} .
وقال الكلبيُّ : مرُّوا بكلبٍ فنبح عليهم ، فطردوه ، فعاد ، ففعلوا ذلك مراراً ، فقال لهم الكلب : لا تخشوا جانبي ؛ فإنِّي أحبُّ أحبَّاء الله ، فناموا ؛ حتَّى أحرسكم{[20904]} .
قال عبيد بن عميرٍ : كان ذلك كلب صيدهم ، ومعنى { بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } ، أي : ألقاها على الأرض مبسوطتين ، غير مقبوضتين .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " اعتدلوا في السُّجودِ ، ولا يَبْسُط أحدكم ذِرَاعيْهِ انْبسَاطَ الكلْبِ " {[20905]} .
قال المفسرون : كان الكلب قد بسط ذراعيه ، وجعل وجهه عليهما .
قوله : { لَوِ اطلعت } العامَّة على كسر الواو من " لَو اطَّلعْتَ " على أصل التقاء الساكنين ، وقرأها{[20906]} مضمومة أبو جعفرٍ ، وشيبة ، ونافع ، وابن وثَّاب ، والأعمش ؛ تشبيهاً بواوِ الضمير ، وتقدَّم تحقيقه .
قوله : { لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } لما ألبسهم الله من الهيبة ؛ حتَّى لا يصل إليهم أحدٌ ؛ حتى يبلغ الكتاب أجله ، فيوقظهم الله من رقدتهم .
" فِرَاراً " يجوز أن يكون منصوباً على المصدر من معنى الفعل قبله ؛ لأنَّ التولِّي والفرارَ من وادٍ واحدٍ ، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحالِ ، أي : فارًّا ، ويكون حالاً مؤكدة ، ويجوز أن يكون مفعولاً له .
قوله : { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } قرأ ابن كثير{[20907]} ، ونافع " لمُلِّئْتَ " بالتشديد على التكثير . وأبو جعفرٍ ، وشيبة كذلك ، إلا أنه بإبدال الهمزة ياء ، والزهري بتخفيف اللام والإبدال ، وهو إبدال قياسي والباقون بتخفيف اللام ، و " رُعباً " مفعول ثانٍ : وقيل : تمييزٌ .
قال الأخفش : الخفيفة أجود في كلام العربِ .
يقولون : ملأتنِي رعباً ، ولا يكادون يعرفون ملأتنِي ؛ ويدل على هذا أكثر استعمالهم ؛ كقوله : [ الوافر ]
فَتَمْلأ بَيْتنَا أقِطاً وسَمْنَا *** . . . . . . . . . . . . . . . . {[20908]}
3502أ- ومن مالِئٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شيءِ غَيْرِهِ *** إذَا رَاحَ نحو الجمْرَةِ البِيضُ كالدُّمَى
3502ب- لا تَمْلأ الدَّلْو وعَرِّقْ فيها{[20909]}
امْتَلأ الحَوضُ وقَالَ قَطْنِي{[20910]} *** وقد جاء التثقيل أيضاً ، أنشدوا للمخبَّل السعديِّ : [ الطويل ]
وإذْ قتل النُّعْمانُ بالنَّاسِ مُحرِمَا *** . . . . . . . . . . . . . . . . {[20911]}
وقرأ ابن عامر والكسائي " رُعباً " بضمِّ العين في جميع القرآن ، والباقون بالإسكان .
اختلفوا في ذلك الرُّعب{[20912]} كان لماذا ؟ فقيل : من وحشة المكان ، وقال الكلبي : لأنَّ أعينهم مفتَّحة ، كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلَّم ، وهم نيامٌ{[20913]} .
وقيل : لكثرة شعورهم ، وطول أظفارهم ، وتقلُّبهم من غير حسٍّ ، كالمستيقظ .
وقيل : إنَّ الله تعالى ، منعهم بالرُّعب ؛ لئلاَّ يراهم أحدٌ .
ورُوِيَ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبَّاس ، قال : غزونا مع مُعاويةَ نحو الرُّوم ، فمَررْنَا بالكَهْفِ الذي فِيهِ أصْحابُ الكهفِ ، فقال مُعاوِيةُ : لو كُشِفَ لنَا عنْ هؤلاءِ ، لنَظَرْنَا إليْهِمْ ، فقَال ابْنُ عبَّاسٍ : قَدْ مَنَعَ الله ذلِكَ مَنْ هُو خَيْرٌ مِنْكَ : { لو اطَّلعْتَ عَليْهِم لولَّيتَ مِنهُم فراراً } ، فبعث معاوية ناساً ، فقال : اذهبوا ، فانظروا ، فلمَّا دخلوا الكهف ، بعث الله عليهم ريحاً ، أخرجتهم{[20914]} .