اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (6)

اعلم أن الحروف لا أَصْلَ لها في العمل ، لكن هذا الحرف أشبه الفعل صورة ومعنى ، فاقتضى كونه عاملاً .

أما المُشَابهة في اللفظ فلأنه تركّب من ثلاثة أحرف انفتح آخرها ، ولزمت الأسماء كالأفعال ، وتدخل نون الوقاية نحو " إنّني وكأنّني " كما تدخل على الفعل نحو : " أعطاني وأكرمني " ، وأما المعنى فلأنه{[585]} يفيد معنى في الاسم ، فلما اشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل .

روى ابن الأنباري " أن الكِنْدِيّ " {[586]} المتفلسف ركب إلى المبرد وقال : إني أجد في كلام العرب حشواً ، أجد العرب تقول : " عبد الله قائم " ، ثم يقولون : " إنَّ عبد الله قائم " ثم يقولون : " إِنّ عبد الله لقائم " .

فقال المبرد : بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ : فقولهم : " عبد الله قائم " إخبار عن قيامه ، وقولهم : " إن عبد الله قائم " جواب عن سؤال سائل ، وقولهم : " إن عبد الله لقائم " جواب عن إنكار منكر لقيامه .

واحتج عبد القاهر على صحّة قوله بأنها إنما تذكر جواباً لسؤال سائلٍ بقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ } [ الكهف : 83 ] إلى أن قال : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ } ، وقوله : { نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } [ الكهف : 13 ] ، وقوله : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ } [ الشعراء : 216 ] .

قال عبد القاهر : والتحقيق أنّها للتأكيد ، فإذا كان الخبر ليس يظنّ المخاطب خلافه لم يحتج إلى " إن " ، وإنما يحتاج إليها إذا ظنّ السامع الخلاف ، فأما دخوله اللاّم معها في جواب المنكر ، فلأن الحاجة إلى التأكيد أشد .

فإن قيل : فلم لا دخلت " اللام " في خبرها في قوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 16 ] ، وأدخل " اللام " في خبرها في قوله قبل ذلك : { ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ } [ المؤمنون : 15 ] ، وهم كانوا يتيقنون الموت ، فلا حاجة إلى التأكيد ، فكانوا ينكرون البعث فكانت الحاجة لدخول " اللام " على البعث أشد ليفيد التأكيد .

فالجواب : أن التأكيد حصل أولاًَ بقوله : { خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 12- 14 ] .

فكان ذكر هذه السبع مراتب في خلق الإنسان أبلغُ في التأكيد من دخول " اللام " على خبر " إن " ، فلذلك استغنى عن دخول " اللام " على خبر " إن " ، وهي تنصب الاسم ، وترفع الخبر خلافاً للكوفيين بأن رفعه بما كان قبل دخولها .

وتقرير الأول أنها لما صارت عاملة فإما أن ترفع المبتدأ أو الخبر معاً ، وتنصبهما معاً ، أو ترفع المبتدأ وتنصب الخبر أو بالعكس والأول باطل ؛ لأنهما كانا مرفوعين قبل دخولهما ، فلم يظهر للعمل أثر ألبتة ، ولأنها أعطيت عمل الفعل ، والفعل لا يرفع الاسمين ، فلا معنى للاشتراك ، والفرع لا يكون أقوى من الأصل .

والثاني - أيضاً - باطل ، لأنه مخالف لعمل الفِعْلِ ، لأن الفعل لا ينصب شيئاً مع خُلُوه عما يرفعه .

والثالث - أيضاً - باطل لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع ؛ لأن الفعل يعمل في الفاعل أولاً بالرفع ؛ ثم في المفعول بالنصب ، فلو جعل الحرف ها هنا كذلك لحصلت التسوية بين الأصل والفرع .

ولما بطلت الأقسام الثلاثة تعيّن الرابع ، وهي أنها تنصب الاسم ، وترفع الخبر ، وهذا مما ينبّه على أن هذه الحروف لَيْسَتْ أصلية في العمل ؛ لأنّ تقديم المنصوب على المرفوع في باب الفعل عدول عن الأصل .

وتخفّف " إن " فتعمل وتهمل ، ويجوز فيها أن تباشر الأفعال ، لكن النواسخ غالباً تختص بدخول " لام " الابتداء في خبرها ، أو معمولة المقدم عليها ، أو اسمها المؤخّر ، ولا يتقدم خبرها إلا ظرفاً أو مجروراً ، وتختص - أيضاً - بالعَطْفِ على محل اسمها ، ولها ولأخواتها أحكام كثيرة .

و " الذين " اسمها و " كفروا " صلة وعائد ، و " لا يؤمنون " خبرها ، وما بينهما اعتراض ، و " سواء " مبتدأ ، و " أنذرتهم " وما بعده في قوة التَّأويل بمفرد هو الخبر ، والتقدير : سواء عليهم الإنذار وعدمه ، ولم يحتج هنا إلى رَابِطٍ ؛ لأنّ الجملة نفس المبتدأ ، ويجوز أن يكون " سواء " خبراً مقدماً ، و " أنذرتهم " بالتأويل المذكور مبتدأ مؤخر تقديره : الإنذار وعدمه سواء .

قال ابن الخَطِيْبِ{[587]} : اتفقوا على أنّ الفِعْل لا يخبر عنه ؛ لأن قوله : " خرج ضرب " ليس بكلام منتظم ، وقد قدحوا فيه بوجوه :

أحدها : أنّ قوله : { أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } فعل ، وقد أخبر عنه بقوله : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ } ، ونظيره { ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ } فاعل " بَدَا " هو " يسجننه " .

وثانيها : أن المخبر عنه بأنه فعل لا بد وأن يكون فعلاً ، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل .

فإن قيل : المخبر عنه بأنه فعل هو تلك الكلمة ، وتلك الكلمة اسم .

قلنا : فعلى هذا المخبر عنه بأنه فعل إذا لم يكن فعلاً بل اسماً كان هذا الخبر كذباً ؛ والتحقيق أن المخبر عنه بأنه فعل إما أن يكون اسماً أو لا يكون ، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذباً ؛ لأن الاسم لا يكون فعلاً ، وإن كان فعلاً فقد صار الفعل مخبراً عنه .

وثالثها : أنا إذا قلنا : الفعل لا يخبر عنه ، فقد أخبرنا عنه بأنه لا يخبر عنه ، والمخبر عنه بهذا الخبر لو كان اسماً لزم أَنَّا قد أخبرنا عن الاسم بأنه لا يخبر عنه ، وهذا خطأ ، وإن كان فعلاً صار الفعل مخبراً عنه . ثم قال هؤلاء : لما ثبت أنه لا امتناع في الإخبار عن الفعل لم يكن بنا حاجةٌ إلى ترك الظاهر{[588]} .

أما جمهور النحويين فقالوا : لا يجوز الإخبار عن الفعل ، فلا جرم كان التقدير : سواء عليهم إنذارك وعدمه .

وهذه الجملة يجوز أن تكون معترضة بين اسم " إن " وخبرها ، وهو " لا يؤمنون " كما تقدم ، ويجوز أن تكون هي نفسها خبراً ل " إن " ، وجملة " لا يؤمنون " في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة ، أو تكون دعاءً عليهم بعد الإيمان - وهو بعيد - أو تكون خبراً بعد خبر على رأي من يجوز ذلك .

ويجوز أن يكون " سواء " وحده خبر " إن " ، و " أأنذرتهم " وما بعده بالتأويل المذكور في محل رفع بأنه فاعل له ، والتقدير : استوى عندهم الإنذار وعدمه .

و " لا يؤمنون " على ما تقدّم من الأوجه أعني : الحال والاستئناف والدعاء والخبرية .

والهمزة في " أأنذرتهم " الأصل فيها الاستفهام ، وهو - هنا - غير مراد ، إذ المراد التسوية ، و " أنذرتهم " فعل وفاعل ومفعول .

و " أم " - هنا - عاطفة وتسمى متصلةً ، ولكونها متصلة شرطان :

أحدهما : أن يتقدمها همزة استفهام أو تسوية لفظاً أو تقديراً .

والثاني : أن يكون ما بعدها مفرداً أو مؤولاً بمفرد كهذه الآية ، فإن الجملة فيها بتأويل مفرد كما تقدم ، وجوابها أحد الشَّيئين أو الأشياء ، ولا تجاب ب " نعم " ولا ب " لا " ، فإن فقد الشرط سميت منقطعة ومنفصلة ، وتقدر ب " بل والهمزة " ، وجوابها " نعم " أو " لا " ولها أحكام أخر{[589]} .

و " لم " حرف جزم معناه نفي الماضي مطلقاً خلافاً لمن خصَّها بالماضي المنقطع ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : { وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً } [ مريم : 4 ] { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } [ الإخلاص : 3 ] . وهذا لا يتصور فيه الانقطاع ، وهي من خواصّ صيغ المضارع إلاّ أنها تجعله ماضياً في المعنى كما تقدم . وهل قلبت اللفظ دون المعنى أو المعنى دون اللفظ ؟

قولان : أظهرهما الثاني : وقد يحذف مجزومها كقوله : [ الكامل ]

إِحْفَظْ وَدِيعَتَك الَّتِي اسْتُودِعْتَهَا *** يَوْمَ الأَعَازِبِ ، إِنْ وَصَلْتَ ، وَإِنْ لَمِ{[590]}

و " الكفر " أصله : الستر ؛ ومنه : " الليل الكَافِرُ " ؛ قال : [ الرجز ]

فَوَرَدَتْ قَبْلَ انْبِلاَجِ الْفَجْرِ *** وَابْنُ ذُكَاءٍ كَامِنٌ فِي كَفْرِ{[591]}

وقال [ الكامل ]

فَتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَما *** أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا فِي كَافِرِ{[592]}

والكفر - هنا - الجحود . وقال آخر : [ الكامل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا{[593]}

قال أبو العباس المقرئ : ورد لفظ " الكفر " في القرآن على أربعة أَضْرُبٍ :

الأول : الكُفْر بمعنى ستر التوحيد وتغطيته قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ } ؟

الثاني : بمعنى الجُحُود قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] .

الثالث : بمعنى كفر النّعمة ، قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ } [ إبراهيم : 7 ] أي : بالنعمة ، ومثله : { وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [ البقرة : 152 ] وقال تعالى : { أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } [ النمل : 40 ] .

الرابع : البراءة ، قال تعالى : { إِنَّا بُرَآؤاْ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ } [ الممتحنة : 4 ] أي : تبرأنا منكم ، وقوله : { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ } [ العنكبوت : 25 ] .

و " سواء " اسم معنى الاستواء ، فهو اسم مصدر ، ويوصف على أنه بمعنى مستوٍ ، فيحتمل حينئذ ضميراً ، ويرفع الظاهر ، ومنه قولهم : " مررت برجل سواء والعدم " برفع " العدم " على أنه معطوفٌ على الضمير المستكنّ في " سواء " ، وشذ عدم بمعنى : " مثل " ، تقول : " هما سِيّان " بمعنى : مِثْلان ، قال : [ البسيط ]

مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا *** وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ سِيَّانِ{[594]}

على أنه قد حكي سواءان . وقال الشاعر : [ الطويل ]

وَلَيْلٍ تَقُولُ النَّاسُ فِي ظُلُماتهِ *** سَوَاءٌ صَحِيحَاتُ الْعُيُونِ وَعُورُهَا{[595]}

ف " سواء " خبر عن جمع هو " صحيحات " ، وأصله : العدل ؛ قال زهير : [ الوافر ]

أَرُونَا سُبَّةً لا عَيْبَ فِيهَا *** يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيْها السَّوَاءُ{[596]}

أي : يعدل بيننا العدل . وليس هو الظرف الذي يستثنى به في قولك : " قاموا سواء زيد " وإن شاركه لفظاً .

ونقل ابن عطية عن الفارسي فيه اللغات الأربع المشهورة في " سوى " المستثنى به ، وهذا عجيب فإن هذه اللغات في الظرف لا في " سواء " الذي بمعنى الاستواء .

وأكثر ما تجيء بعده الجملة المصدرية بالهمزة المُعَادلة ب " أم " كهذه الآية ، وقد تحذف للدلالة كقوله تعالى : { فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ } [ الطور : 16 ] أي : أصبرتم أم لم تصبروا ، وقد يليه اسم الاستفهام معمولاً لما بعده كقول علقمة : [ الطويل ]

سَوَاءٌ عَلَيْهِ أَيَّ حِينٍ أَتَيْتَهُ *** أَسَاعَةَ نَحْسٍ تُتَّقى أَمْ بأَسْعَدِ{[597]}

ف " أي حين " منصوب ب " أتيته " ، وقد يعرى عن الاستفهام ، وهو الأصل ؛ نحو : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** سَوَاءٌ صَحِيْحاتُ الْعُيُونِ وَعُورُهَا{[598]}

فصل في استعمالات " سواء "

وقد ورد لفظ " سواء " على وجوه :

الأول : بمعنى : الاستواء كهذه الآية .

الثاني : بمعنى : العَدْل ، قال تعالى : { إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }

[ آل عمران : 64 ] أي : عدل ؛ ومثله : { سَوَاءَ السَّبِيلِ } [ الممتحنة : 1 ] أي : عدل الطريق .

الثالث : بمعنى : وسط ، قال تعالى : { فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] أي : وسط الجحيم .

الرابع : بمعنى : البَيَان ؛ قال تعالى : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } [ الأنفال : 58 ] أي : على بيان .

الخامس : بمعنى : شرع ، قال تعالى : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً } [ النساء : 89 ] يعني : شرعاً .

السادس : بمعنى : قصد ، قال تعالى : { عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } [ القصص : 22 ] أي : قصد الطريق . و " الإنذار " : التخويف .

وقال بعضهم : هو الإبلاغ ، ولا يكاد يكون إلاَّ في تخويف يسع زمانه الاحتراز ، فإن لم يسع زمانه الاحتراز ، فهو إشعار لا إنذار ؛ قال : [ الكامل ]

أَنْذَرْتُ عَمْراً وَهُوَ فِي مَهَلٍ *** قَبْلَ الصَّبَاحِ فقَدْ عَصَى عَمْرُو{[599]}

ويتعدّى لاثنين ، قال تعالى : { إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } [ النبأ : 40 ] ،

{ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } [ فصلت : 13 ] فيكون الثاني في هذه الآية محذوفاً تقديره : أأنذرتهم العذاب أم لم تنذرهم إياه ، والأحسن ألا يقدر له مفعول ، كما تقدم في نظائره .

والهمزة في " أنذر " للتعدية ، وقد تقدّم أن معنى الاستفهام هنا غير مراد ؛ لأن التسوية هنا غير مرادة .

فقال ابن عَطيَّةَ : لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه الخبر ، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام ؛ لأنّ فيه التسوية التي هي الاسْتِفْهَام ، ألا ترى أنك إذا قلت مخبراً : " سواء علي أَقُمْت أم قعدت " ، وإذا قلت مستفهماً : " أخرج زيد أم قام " ؟ فقد استوى الأمران عندك ؟ هذان في الخبر ، وهذان في الاستفهام ، وعدم علم أحدهما بعينه ، فلما عمتهما التسوية جرى على الخبر لفظ الاستفهام ؛ لمشاركته إيَّاه في الإبهام ، فكلّ استفهام تسوية وإن لم تكن كل تسوية استفهاماً ، إلاَّ أن بعضهم ناقشه في قوله : " أأنذرتهم أم لم تنذرهم " لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه " الخبر " بما معناه : أن هذا الذي صورته صورة استفهام ليس معناه الخبر ؛ لأنه مقدر بالمفرد كما تقدم ، وعلى هذا فليس هو وحده في معنى الخبر ؛ لأن الخبر جملة ، وهذا في تأويل مفرد ، وهي مناقشة لفظية .

وروي الوقف على قوله : " أَمْ لَمْ تُنْذرْ " والابتداء بقوله : " هُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ " على أنها جملة من مبتدأ وخبر . وهذا ينبغي ألا يلتفت إليه ، وإنْ كان قد نقله الهُذَلِيّ في " الوقف والابتداء " له .

وقرئ " أأنذرتهم " بهمزتين محقّقتين بينهما ألف ، وبهمزتين محقّقتين بلا ألف بينهما وهي لغة " بني تميم " ، وأن تكون الأولى قوية ، والألف بينهما ، وتخفيف الثانية بين بين ، وهي لغة " الحجاز " وبتقوية الهمزة الأولى ، وتخفيف الثانية ، وبينهما ألف . فمن إدخال الألف بين الهمزتين تخفيفاً وتحقيقاً قوله : [ الطويل ]

أَيَا ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ *** وبَيْنَ النَّقَا آأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمِ{[600]} ؟

وقال آخر : [ الطويل ]

تَطَالَلْتُ فَاسْتَشْرَفْتُهُ فَعَرَفْتُهُ *** فَقُلْتُ لَهُ آأَنْتَ زَيْدُ الأَرَانِبِ{[601]} ؟

وروي عن وَرْش{[602]} إبدال الثَّانية ألفاً محضة .

ونسب الزمخشري هذه القراءة لِلَّحْنِ ، قال : لأنه يؤدي إلى الجمع بين ساكنين على غير حدّهما ، ولأن تخفيف مثل هذه الهمزة إنما هو بَيْنَ بَيْنَ . وهذا منه ليس بصواب ، لثبوت هذه القراءة تواتراً .

وقرأ ابن محيصن{[603]} بهمزة واحدةٍ على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ، ولكن حذفها تخفيفاً ، وفي الكلام ما يدلّ عليها ، وهو قوله : " أم لم " ؛ لأن " أم " تُعَادل الهمزة ، وللقراء في مثل هذه الآية تفصيل كثير .

فصل في المراد بالكافرين في الآية

المراد من " الذين كفروا " يعني مشركي العرب كأبي لَهَبٍ ؛ وأبي جهل ، والوليد بن المغيرة وأضرابهم .

وقال الكلبي : " هم رؤساء اليَهُودِ والمُعَاندون " وهو قول ابن عباس . والكفر - هنا - الجحود ، وهو على أربعة أضرب :

كفر إنكار ، وكفر جُحُود ، وكفر عِنَادٍ ، وكفر نفاق :

ف " كفر الإنكار " : هو ألا يعرف الله أصلاً ، ولا يعترف به .

وكفر الجُحُود : هو أن يعرف الله بقلبه ، ولا يقر بلسانه ، ككفر إبليس ؛ قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] .

وكفر العناد : هو أن يعرف الله بقلبه ، ويعترف بلسانه ، ولا يدين به ؛ ككفر أبي طَالِبٍ ؛ حيث يقول : [ الكامل ]

وَلقَدْ عَلِمْتُ بَأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ *** مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا

لَوْلاَ الْمَلاَمَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ *** لَوَجَدْتَنِي سَمْحاً بِذَاكَ مُبِينَا{[604]}

وكفر النفاق : هو أن يقر باللسان ، ولا يعتقد بالقلب ، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله - تعالى - بواحد منها ؛ لا يغفر له .

فصل في تحقيق حد الكفر

قال ابن الخطيب : تحقيق القول في حد الكفر أن كل ما نقل عن محمد - عليه الصلاة والسلام - أنه ذهب إليه ، وقال به ، فإما أن يعرف صحة ذلك النقل بالضرورة ، أو بالاستدلال ، أو بخبر{[605]} الواحد الذي علم بالضرورة ، فمن صدق به جميعه ، فهو مؤمن ، ومن لم يصدق بجميعه ، أو لم يصدق ببعضه ، فهو كافر ، فإذن الكفر عدم تصديق الرسول في شيء مما علم بالضرورة أنه ليس من دين محمد عليه الصلاة والسلام .

ومثاله من أنكر وجود الصّانع ، أو كونه عالماً مختاراً ، أو كونه واحداً ، أو كونه منزهاً عن النَّقَائص والآفات ، أو أنكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ كوجوب الصَّلاة والزكاة والصوم والحج وحرمة الربا والخمر ، فذلك يكون كافراً .

فأما الذي يعرف بالدليل أنه من دين محمد مثل كونه عالماً بالعلم أو بذاته ، وأنه مرئي أو غير مرئي ، وأنه خالق أعمال العباد أم لا ، فلم ينقل بالتواتر القاطع للعُذْرِ ، فلا جرم لم يكن إنكاره والإقرار به داخلاً في ماهيّة الإيمان ، فلا يكون موجباً للكفر ، والدليل عليه أنه لو كان جزءاً من ماهية الإيمان لكان يجب على الرسول ألا يحكم بإيمان أحد إلاّ بعد أن يعرف أنه عرف الحق في تلك المسألة بين جميع الأمّة ؛ ولنقل ذلك على سبيل التواتر ، فلمَّا لم ينقل ذلك دلّ على أنه - عليه الصلاة والسلام - ما وقف الإيمان عليها ، ولما لم يكن كذلك وجب ألا تكون معرفتها من الإيمان ، ولا إنكارها موجباً للكفر ، ولأجل هذه القاعدة لا يكفر أحد من الأمة من أرباب التأويل ، وأما الذي لا سبيل إليه إلا برواية الآحاد ، فظاهر أنه لا يمكن توقّف الكفر والإيمان عليه ، والله أعلم .

فصل في الردّ على المعتزلة

احتجت المُعْتَزلة بكل ما أخبر الله عن شيء ماض مثل قوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } ، { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ } [ الحجر : 9 ] ، { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] ، { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً } [ نوح : 1 ] على أن كلام الله محدث ، سواء كان الكلام هذه الحروف ، أو الأصوات ، أو كان شيئاً آخر .

قالوا : لأن الخبر{[606]} على هذا الوجه لا يكون صدقاً إلاّ إذا كان مسبوقاً بالمخبر عنه ، والقديم يستحيل أن يكون مسبوقاً بالغير ، فهذا الخبر يستحيل أن يكون قديماً ، فيجب أن يكون محدثاً .

أجاب القائلون بقدم الكلام عنه بوجهين :

الأول : أن الله - تعالى - كان في الأزل عالماً بأن العالم سيوجد ، فلما أوجده انقلب العلم بأنه سيوجد في المستقبل علماً بأنه قد حدث في الماضي ، ولم يلزم حدوث علم الله تَعَالَى ، فلم لا يجوز أيضاً أن يقال : إن خبر الله - تعالى - في الأزل كان خبراً بأنهم سيكفرون ، فلما وجد كفرهم صار ذلك الخبر خبراً عن أنهم قد كفروا ، ولم يلزم حدوث خبر الله تعالى ؟ .

الثاني : أن الله - تعالى - قال : { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } [ الفتح : 27 ] ، فلما دخلوا المسجد الحرام ، ولا بد أن ينقلب ذلك الخبر إلى أنهم قد دخلوا المسجد الحرام من غير أن يتغير الخبر الأول ، فإذا أجاز ذلك فلم لا يجوز في مسألتنا ؟ فإن قلت : قوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } صيغة جمع مع " لام " التعريف ، وهي للاستغراق بظاهره ، ثم إنه لا نزاع في أنه ليس المراد منها هذا الظاهر ؛ لأن كثيراً من الكفار أسلموا ، فعلمنا أن الله - تعالى - قد تكلّم بالعام وأراد الخاص ، إما لأجل أنَّ القرينة الدالّة على أن المراد من ذلك العام ذلك الخصوص كانت ظاهرةً في زمان الرَّسول - عليه الصلاة والسلام - فحسن ذلك لعدم اللّبس ، وظهور المقصود ، وإمّا لأجل أنّ المتكلّم بالعام لإرادة الخاص جائز ، وإن لم يكن البيان مقروناً به عند من يجوز تأخير بَيَان التخصيص عن وقت الخِطَاب ، وإذا ثبت ذلك ظهر أنه لا يمكن التمسُّك بشيء من صيغ العموم على القطع بالاستغراق ، لاحتمال أن المراد منها هو الخاص ، وكانت القرينة الدالة على ذلك ظاهرة في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام ، فلا جَرَمَ حسن ذلك ، وعدم العلم بوجود قرينة لا يدلّ على العدم .

وإذا ثبت ذلك ظهر أنّ استدلال المعتزلة بعمومات الوعيد على القطع بالوعيد في نهاية الضعف ، والله أعلم .

فصل في المذهب الحق في " تكليف ما لا يطاق "

قال ابن الخطيب{[607]} : احتج أهل السُّنة بهذه الآية وما أشبهها على تكليف ما لا يطاق وتقريره : أنه - تعالى - أخبر عن شخص معين أنه لا يؤمن قطّ ، فلو صدر منه الإيمان لزم انقلاب خبر الله - تعالى - الصدق كذباً ، والكذب عند الخصم قبيح ، وفعل القبيح يستلزم إما الجهل وإما الحاجة ، وهما مُحَالان على الله تعالى ، والمفضي إلى المُحَال محال ، فصدور الإيمان منه مُحَال ، فالتكليف به تكليف بالمحال ، وقد يذكر هذا في صورة العلم ، وهو أنه - تعالى - لما علم منه أنه لا يؤمن ، فكان صدور الإيمان منه يستلزم انقلاب علم الله جهلاً ، وذلك محال ، ويستلزم من المُحَال محال ، فالأمر واقع بالمحال . ونذكر هذا على وجهٍ ثالثٍ : وهو أن وجود الإيمان يستحيل أن يوجد مع العلم بأنه لا يؤمن ؛ لأنه إنما يكون علماً لو كان مطابقاً للمعلوم ، والعلم بعدم الإيمان يلزم أن يجتمع في الإيمان كونه موجوداً ومعدوماً معاً ، وهذا مُحَال ، والأمر بالإيمان مع وجود علم الله بعدم الإيمان أمر بالجمع بين الضِّدِّين ، بل أمر بالجمع بين العدم والوجود ، وكل ذلك مُحَال .

ونذكر هذا على وَجْه رابع : وهو أنه - تعالى - كلف هؤلاء الذين أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون البتة [ والإيمان يعتبر فيه تصديق الله - تعالى - في كل ما أخبر عنه أنهم لا يؤمنون قط ]{[608]} وقد صاروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون قط ، وهو مكلّف بالجمع بين النفي والإثبات .

ونذكر هذا على وجه خامس : وهو أنه - تعالى - عاب الكُفّار على أنهم حاولوا فعل شيء على خلاف ما أخبر عنه في قوله :

{ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ }

[ الفتح : 15 ] ، فثبت أن القصد إلى تكوين ما أخبر الله عن عدم تكوينه قصد لتبديل كلام الله ، وذلك منهي عنه .

ثم ها هنا أخبر الله - تعالى - عنهم أنهم لا يؤمنون ألبتة ، فمحاولة الإيمان منهم تكون قصداً إلى تبديل كلام الله ، وذلك منهي عنه وترك محاولة الإيمان يكون - أيضاً - مخالفة لأمر الله ، فيكون الذم حاصلاً على الترك والفعل . فهذه هي الوجوه المذكورة في هذا الموضع وهي هادمة لأصول الاعتزال ، وكل ما استدلّ به المعتزلة من الآيات الواردة ، فيأتي الجواب عنها عند ذكر كل آية منها إن شاء الله تعالى .


[585]:- في ب: فلا.
[586]:- يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي أبو يوسف فيلسوف العرب والإسلام في عصره وأحد أبناء الملوك من كندة نشأ في البصرة وانتقل إلى بغداد فتلعم واشتهر بالطب والفلسفة والموسيقى والهندسة والفلك، قال ابن جلجل "ولم يكن في الإسلام غيره احتذى في تواليفه حذو أرسطاطاليس" من كتبه: رسالة في التنجيم، والقول في النفس. ينظر الأعلام: 8/195 (1769)، ابن خلكان: 2/309، هدية العارفين: 2/536.
[587]:- ينظر الفخر الرازي: 2/38.
[588]:- سقط في أ.
[589]:- "أم" حرف عطف، وهي نوعان: متصلة وهي قسمان: الأول: أن يتقدم عليها همزة التسوية، نحو: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} [البقرة: 6]. الثاني: أن يتقدم عليها همزة يُطلب بها وبأم التعيين، نحو: {الذكرين حرّم أم الأنثيين} [الأنعام: 144]. وسميت في القسمين متصلة، لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وتسمى أيضا: "معادلة"؛ لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في القسم الأول، والاستفهام في الثاني. ويفترق القسمان من أربعة أوجه: أحدها وثانيها: أن الواقعة بعد همزة التسوية جواباً؛ لأن المعنى معهما ليس على الاستفهام؛ لأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب، لأنه خبر، وليست تلك كذلك، الاستفهام منها على حقيقته. والثالث والرابع: أن الواقعة بهد همزة التسوية لا تقع إلا بين الجملتين، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين، وتكون الجملتان فعليتين واسميتين ومختلفتين، نحو: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون}، و"أم" الأخرى تقع بين المفردين، وهو الغالب فيها، نحو: {أأنتم أشد خلقا أم السماء} وبين جملتين ليستا في تأويلهما. النوع الثاني: منقطعة وهي ثلاثة أقسام: مسبوقة بالخبر المحض نحو {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه} [السجدة: 2، 3]. ومسبوقة بالهمزة لغير الاستفهام، نحو: {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها} [الأعراف: 195]؛ إذ الهمزو في ذلك للإنكار، فهي بمنزلة النفي، والمتصلة لا تقع بعده. ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة، نحو: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} [الرعد: 16]. ومعنى "أم" المنقطعة الذي لا يفارقها الإضراب، ثم تارة تكون له مجردا وتارة تضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا. فمن الأول: {أم هل تستوي الظلمات والنور} [الرعد: 16] لأنه لا يدخل الاستفهام على استفهام. ومن الثاني: {أم له البنات ولكم البنون} [الطور: 39]، تقديره: بل ألهُ البنات؛ إذ لو قدّرت الإضراب المحض، لزم المحال. انظر الإتقان: (2/16 – 164 – 165).
[590]:- البيت لإبراهيم بن هرمة ينظر ديوانه: 191، والمغني 310، وشرح شواهده: 682، وخزانة الأدب: 9/8، والعيني: 4/443، والتصريح: 2/247، والهمع: 2/56، والأشموني: 4/6، والأشباه والنظائر: 2/73.
[591]:- البيت لحميد الأرقط. ينظر إصلاح المنطق: (126)، القرطبي: (1/128)، الدر: (1/104).
[592]:- البيت لثعلبة بن صُعَير العدويّ، ينظر المحتسب: (2/234)، المفضليات: (257)، الطبري: (1/143)، المحرر الوجيز: (1/87)، القرطبي: (1/128)، الدر: (1/104).
[593]:- عجز بيت للبيد بن ربيعة وصدره: يعلو طريقة متنها متواتر *** .................... ينظر ديوانه: (309)، القرطبي: 1/128، والمحرر الوجيز: 1/87، والطبري: 1/143، والدر المصون: 1/104.
[594]:- البيت لكعب بن مالك ينظر ديوانه: ص 288، وشرح أبيات سيبويه: 2/149، 109، وله أو لعبد الرحمان بن حسان في خزانة الأدب: 9/49، 52، وشرح شواهد المغني: 1/178، ولعبد الرحمان بن حسان في خزانة الأدب: 2/365، ولسان العرب (بجل)، والمقتضب: 2/72، ومغني اللبيب: 10/56، والمقاصد النحوية: 4/433، ونوادر أبي زيد: ص 31، ولحسان بن ثابت في الدرر: 5/81، والكتاب: 3/65، وليس في ديوانه، والأشباه والنظائر: 7/114، وأوضح المسالك: 4/210، والخصائص: 2/281، وسر صناعة الإعراب: 1/264، 265، وشرح شواهد المغني: 1/286، وشرح المفصل: 9/2، 3، والمحتسب: 1/193، والمقرب: 1/276، والمنصف: 3/118، وهمع الهوامع: 2/60.
[595]:- البيت للأعشى ينظر ديوانه: ص 423، ولمضرس بن ربعي، الحماسة الشجرية: 2/710، خزانة الأدب: 5/18، ديوان المعاني: 1/343، لسان العرب (سوج)، الطبري: (1/144)، البحر المحيط: (1/171)، والجامع لأحكام القرآن: (1/184)، الدر المصون: (1/104).
[596]:- ينظر ديوانه: (20)، الحجة: (1/184)، ومجمع البيان: (1/89)، الدر المصون: (1/104).
[597]:- البيت لزهير بن أبي سلمى. ينظر ديوانه: ص (232)، ورصف المباني: ص 46، والمقتضب: 3/288، ومجمع البيان: (1/92)، الدر المصون: 1/105.
[598]:- تقدم برقم (150).
[599]:- هذا البيت لمضرس بن ربعي. ينظر الجامع لأحكام القرآن: 1/129، الدر المصون: 1/105.
[600]:- البيت لذي الرمة ينظر ديوانه: ص 750، وأدب الكاتب: ص 224، والأزهية: ص 36، والكتاب 3/551، ولسان العرب (جلل)، وشرح المفصل: 1/94، 9/119، وشرح أبيات سيبويه: 2/257، وشرح شواهد الشافية: ص 347، والدرر: 3/17، والخصائص: 2/458، والأغاني: 17/309، وسر صناعة الإعراب: 2/723، واللمع: ص 193، 277، ومعجم ما استعجم: ص 388، والمقتضب: 1/163، والإنصاف: 2/482، وجمهرة اللغة: ص1210، والجنى الداني: ص 178، 419، وخزانة الأدب: 5/247، 11/267، ورصف المباني: ص 26/136، وشرح شافية ابن الحاجب: 3/64، وهمع الهوامع: 1/172، والكامل: (3/55). والأمالي الشجرية: (1/320)، والقرطبي: (1/129) والمخصص: (16/49)، والدر المصون: (1/105).
[601]:- البيت لذي الرمة. ينظر ملحقات ديوانه: (849). اللسان (الهمزة)، والحجة: (1/208)، والجامع لأحكام القرآن: (1/185)، والدر المصون: (1/106).
[602]:- انظر البحر المحيط: 1/175، وقال تعقيبا على كلام الزمخشري: "وقراءة ورش صحيحة النقل لا تدفع باختيار المذاهب...". وكلام الزمخشري في الكشاف: 1/48، وانظر إتحاف فضلاء البشر: 1/376.
[603]:- وكذا قرأ بها الزهري وابن كثير. انظر البحر المحيط: 1/175، وحجة القراءات: 86، وإتحاف: 1/376.
[604]:- ينظر البيتان في: خزانة الأدب: 2/76، 9/397، ولسان العرب (كفر)، والمقاصد النحوية: 4/8، وشرح التصريح: 2/96، وشرح شواهد المغنيك 2/687، وشرح قطر الندى: ص 242، وشرح الأشموني: 2/376.
[605]:- وإليك بيان معنى خبر الواحد: وهو في الاصطلاح: ما لم يبلغ مبلغ التواتر، فيصدق على المشهور والعزيز، والغريب. والعزيز: ما جاء في طبقة من طبقات رواية، أو أكثر من طبقة اثنان، ولم يقل في أي طبقة من طبقاته عنهما. والغريب: ما جاء في طبقة من طبقات رواته، أو أكثر، واحد تفرّد بالرواية. "أقسام خبر الواحد من حيث القبول والرّد" من المعلوم أن الحديث سواء كان مرفوعا، أو موقوفا، أو مقطوعا ينقسم إلى: متواتر يفيد الحكم، وآحاد؛ كما أن الآحاد ينقسم إلى: مشهور، وعزيز، وغريب، وكل من هذه الثلاثة تنقسم إلى: مقبول يفيد الظن، ما لم تكن فيه قرينة تفيد القطع، وإلى مردود لا يفيد ظنا ولا قطعا. "ضابط القبول والرّد". ينقسم الخبر المقبول إلى: خبر صحيح، وحسن، وينقسم الصحيح، إلى: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وأيضا ينقسم الحسن إلى: حسن لذاته وحسن لغيره. والمردود هو الضعيف، والضعيف ينقسم إلى أقسام كثيرة تنظر في كتب الحديث والاصطلاح. وضابط هذا التقسيم: أن صدق الحديث إنما يترجح بما يأتي: 1 - الاتصال. 2 - عدالة الرّاوي. 3 - ضبط الرّاوي. 4 - عدم الشذوذ. 5 - عدم العلة الخفيّة القادحة. والضبط ثلاث درجات: عليا. وسطى. دنيا. فمتى استوفى الحديث كل هذه الشروط، وكان في الدرجة العليا - من الضبط - كان حديثا صحيحا. ومتى استوفى الحديث كل هذه الشروط، وكان في الدرجة الوسطى، أو الدنيا - كان حديثا حسنا. وإن فقد أحد الشروط الخمسة السابقة، سُمّي ضعيفا، والضعيف: من المعلوم أن الخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، والصّدق هو مطابقة النسبة الحكمية للنسبة الواقعية. قال الجمهور: إذا ترجّح صدق الخبر على كذبه؛ بأن استوفى شروط القبول؛ وجب العمل به. ومما يدل على ذلك: إجماع الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم - على وجوب العمل بأخبار الآحاد؛ حيث نقل عنهم -رضي الله عنهم - الاستدلال بخبر الواحد؛ كما نقل عنهم العمل بها في الوقائع المختلفة، وتكرر ذلك وشاع بينهم، ولم ينكر عليهم أحد ذلك، ولو كان، لنُقل إلينا؛ حيث إن ذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم؛ كالقول الصريح. وصرّح الجبائي وأتباعه من المعتزلة: بأن التّعبد به محال عقلا، وهذا باطل مردود. وقال الحافظ ابن حجر: اتفق العلماء على وجوب العمل بكل ما صحّ، ولو لم يخرّجه الشيخان. وقال ابن القيم: الذي ندين لله به، ولا يسعنا غيره أن الحديث الصحيح إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصحّ عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا، وعلى الأمة الأخذ به، وترك ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس. ينظر الباعث الحثيث: 1/43، وقواعد التحديث للقاسمي: ص 87. منه ما هو مُعتبَرٌ به، ومنه غير مُعتبَر به. فإذا فقد الحديث الاتصال، أو فقد الضبط، أو إذا لم تثبت عدالة الراوي؛ بأن كان مجهول العين، أو الحال - كان الحديث ضعيفا، لكنه لم يفقد صفة الاعتبار به؛ بحيث إذا قويَ بغيره، فإنه يرتفع من الضعيف إلى الحسن، ويسمى حسنا لغير؛ كما أن الحديث الحسن لذاته إذا تقوّى بغيره وتعدّد، يرتفع إلى درجة الصحيح، ويسمّى صحيحا لغيره. وإذا كان الضعف من قبل الطعن في العدالة، فإن كان الطعن بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو الحديث الموضوع، لا يصلح لأن يُروى إلا لبيان حاله، أو كان الطعن بتُهمة الرّاوي بالكذب عليه - بأن كان يكذب في أحاديث الناس -، أو ثبت عليه الفسق المُخرج عن العدالة؛ كالسرقة، أو القتل، أو الغيبة، أو النميمة من سائر الكبائر، أو الإضرار على الصغائر - فهذا الراوي لا يعتدّ بحديثه، ولا يُكتب حديث ليقوى غيره، وإنما يروى حديثه فقط لبيان حاله. والكذب: هو عدم المطابقة بين النسبة الحكمية والنسبة الواقعية؛ فمثلا: إذا كان الشيء واقعا، وأخبرت به، فإن هذا الإخبار يحتمل الصدق؛ كما يحتمل الكذب أيضا، وإنما يرفع احتمال الكذب فيه الدليل القطعي. والدليل القطعيّ هو الذي يرفع احتمال النقيض عقلا؛ كما أنه ليس عندنا في الأخبار ما يرفع احتمال النقيض فيها، إلا إذا كان المُخبر صادقا بالدليل العقلي، مثل: أخبار الله عز وجل - وأخبار رسله - صلوات الله عليهم أجمعين - كذلك أخبار التواتر. وإذا كان الإخبار غير هذه الثلاثة، فإنه لا يفيد القطع؛ لأن احتمال الكذب ما زال باقيا. أما إذا كان الإخبار من مخبر صادق عدل ضابط، رُجّح أن يكون مطابقا للواقع، وتطرّق إليه احتمال ألا يكون مطابقا للواقع؛ لاحتمال النسيان، أو الغلط، أو الوهم، إلى غير ذلك من احتمالات. ومن ناحية أخرى: فإنه إذا تقوّى هذا الاحتمال بمعارض راجح، فإن الخبر يصير شاذا، ولا يُقبل أما إذا تعدّدت الطبقات، وجب أن تتوفر في كل طبقة منها العدالة، والضبط، وعدم الشذوذ، كما يجب أن يثبت الاتصال، والعدالة والضبط، وعدم المعارض الراجح من جميع الطبقات. أما إذا قسنا خبر الواحد بغيره من الأخبار التي تساويه في القوة، فوجدنا اختلاف من غير ترجيح، فإنه لا يكون راجح الصّدق؛ وعلى ذلك قلنا: إن خبر الواحد الذي استوفى شروط القَبول الخمسة - التي عرضناها سابقا - وليس خبرا لله ولا لرسوله، ولا متواتر - يفيد ظنا لا قطعا. وترتّب على ذلك أمور هي: 1 - جواز وجود المعارض المساوي من غير نسخٍ. 2 - لا يعارض المتواتر بحال. 3 - ترجيح الأقوى من المتعارضين. 4 - ليس الصدق مطّرداً فيه. 5 - لا يجب تخطئة المجتهد لمخالفته. خبر الواحد المحقق بالقرائن. إذا كانت هناك قرائن خارجية، تمنع احتمال النقيض، فإن الأكثرين من الفقهاء رأوا أن خبر الواحد لا يفيد القطع؛ وذلك لأن الذي يفيد القطع القرائن لا الخبر، بينما ذهب إمام الحرمين، والغزالي، والآمديّ، والإمام الرازي، وابن الحاجب، ورواية عن أحمد: إلى أنه يفيد القطع. وذهب ابن حجر إلى أن الخبر المحتفّ بالقرائن أنواع: 1 - ما يختص بما أخرجه الشيخان في الصحيحين، مما لم يبلغ حد التواتر؛ فإنه احتفّ بقرائن كثيرة، كجلالة الشيخين في هذا الشان، ومكانتهما في تمييز الصحيح، وتلقّي العلماء للصحيحين بالقبول. 2 - المشهور: إذا كانت له طرق متباينة ، سالمة من ضعف الرّواة والعِلل. 3 - ما رواه الأئمة الحفّاظ المتقنون: حيث لا يكون غريبا مثلا، يروى الإمام أحمد بن حنبل حدي
[606]:- في ا: الخبرية.
[607]:- ينظر الفخر الرازي: 2/39.
[608]:- سقط في ب.