اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (30)

هذه الآية دالّة على كيفية تنظيم الله - تعالى - لآدم عليه الصَّلاة والسلام ، فيكون ذلك إنعاماً عامًّا على جميع بني آدم ، فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامّة التي أوردها .

" إذ " ظرفُ زمانٍ ماض ، يخلص المضارع للمضي ، وبني لشبهه بالحَرْفِ في الوضع والافتقار ، وتليه الجُمَل مطلقاً .

قال المبرد : إذا جاء " إذ " مع المستقبل كان معناه ماضياً كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ } [ الأنفال : 30 ] يريد : إذ مكروا ، وإذا جاء مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] وقد يبقى على مُضِيِّهِ كهذه الآية .

وإذا كانت الجملة فعلية قبح تقديم الاسم ، وتأخير الفعل نحو : " إذ زيد قام " ، ولا يتصرّف إلا بإضافة الزمن إليه ، نحو : " يومئذ " و " حينئذ " ، ولا يكون مفعولاً به ، وإن قال به أكثر المعربين ، فإنهم يقدرون " ذكر وقت كذا " ، ولا ظرف مكان ، ولا زائداً ، ولا حرفاً للتعليل ، ولا للمفاجأة خلافاً لمن زعم ذلك .

وقد تحذف الجملة المضاف هو إليها للعلم ، ويعوض منها تنوين كقوله : { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } [ الواقعة : 84 ] وليس كَسْرته - والحالةُ هذه - كسرة إعراب ، ولا تنوينه تنوينَ صرفٍ خلافاً للأخفش ، بل الكسر لالتقاء السَّاكنين ، والتنوين للعوض بدليل وجود الكسر ، ولا إضافة ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

نَهَيْتُكَ عَنْ طِلاَبِكَ أُمَّ عَمْرٍو *** بِعَاقِبَةٍ وَأَنْتَ إِذٍ صَحِيحُ{[1026]}

وللأخفش أن يقول : أصله : " وأنت حينئذ " فلما حذف المضاف بقي المُضَاف إليه على حاله ، ولم يقم مقامه نحو : { وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ }

[ الأنفال : 67 ] بالجر ، إلا أنه ضعيف .

و " قَالَ رَبُّكَ " : جملة فعلية في محلّ خفض بإضافة الظرف إليها ، واعلم أنّ " إذ " فيه تسعة أوجه ، أحسنها أنه منصوب ب { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا } أي : قالوا ذلك القول وَقْتَ قول الله عز وجل إني جاعل في الأرض خليفة ، وهذا أسهل الأوجه .

الثاني : أنه منصوب ب " اذكر " مقدراً ، وقد تقدم أنه لا يتصرّف ، فلا يقع مفعولاً .

الثالث : أنه منصوب ب " خلقكم " المتقدّم في قوله : { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } [ البقرة : 21 ] والواو زائدة . وهذا ليس بشيء لطول الفصل .

الرابع : أنه منصوب ب " قال " بعده ، وهذا فاسد ؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف .

الخامس : أنه زائد ، ويُعْزَى لأبي عبيدة .

السادس : أنه بمعنى " قد " .

السابع : أنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف تقديره : ابتداء خلقكم وَقْتَ قول ربك .

الثامن : أنه منصوب بفعل لائقٍ تقديره : ابتدأ خلقكم وَقْتَ قوله ذلك .

وهذان ضعيفان ، لأن وقت ابتداء الخَلْقِ ليس وقت القول ، وأيضاً فإنه لا يتصرف .

التاسع : أنه منصوب ب " أحياكم " مقدراً ، وهذا مردودٌ باختلاف الوقتين أيضاً .

و " للملائكة " متعلّق ب " قال " واللاَّم للتبليغ . و " ملائكة " جمع " مَلَك " ، واختلف في " ملك " على ستة أقوال ، وذلك أنهم اختلفوا في ميمه ، هل هي أصلية أو زائدة ؟ والقائلون بأصالتها اختلفوا .

فقال بعضهم : " ملك " وزنه " فَعَلٌ " من المِلْك ، وشذّ جمعه على " فَعَائلة " ، فالشذوذ في جمعه فقط .

وقال بعضهم : بل أصله " مَلأْك " ، والهمزة فيه زائدة ك " شَمْأَل " ، ثم نقلت حركة الهمزة إلى " اللام " ، وحذفت الهمزة تخفيفاً ، والجمع جاء على أصل الزيادة ، فهذان قولان عند هؤلاء .

والقائلون بزيادتها اختلفوا أيضاً :

فمنهم من قال : هو مشتقٌّ من " أَلَكَ " أي : أرسل ، ففاؤه همزة ، وعينه لام ؛ ويدلّ عليه قوله : [ المنسرح ]

أَبْلِغْ أَبا دَخْتَنُوسَ مَألُكَةً *** عَنِ الَّذِي قَدْ يُقَالُ مِلْكَذِب{[1027]}

وقال الآخر : [ الرمل ]

وَغُلاَمٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ *** بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ{[1028]}

وقال آخر : [ الرمل ]

أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَألُكاً *** أَنَّه قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي{[1029]}

فأصل ملك : مألك ، ثم قلبت العين إلى موضع " الفاء " ، و " الفاء " إلى موضع " العين " على وزن " مَعْفَل " ثم نقلت حركة " الهمزة " إلى " اللام " ، وحذفت " الهمزة " تخفيفاً ، فيكون وزن ملك : " مَعَلاً " بحذف الفاء .

ومنهم من قال : هو مشتقّ من " لأك " أي : أرسل أيضاً ، ففاؤه لام ، وعينه همزة ، ثم نقلت حركة الهمزة ، وحذفت كما تقدّم ، ويدلّ على ذلك أنه قد نطق بهذا الأصل قال : [ الطويل ]

فَلَسْتَ لإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لمَلأَكٍ *** تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ{[1030]}

ثم جاء الجمع على الأصل ، فردّت الهمزة على كلا القولين ، فوزن " ملائكة " على هذا القول " مَفَاعلة " ، وعلى القول الذي قبله " مَعَافِلَة " بالقَلْب .

وقيل : هو مشتقٌّ من : " لاَكَهُ - يَلُوكُه " إذا " أداره - يديره " ؛ لأن الملك يدير الرسالة في فِيْهِ ، فأصل مَلْك : مَلْوَك ، فنقلت حركة " الواو " إلى " اللام " الساكنة قبلها ، فتحرك حرف العلّة ، وانفتح ما قبله فقلب " ألفاً " ، فصار : ملاكاً مثل : " مقام " ، ثم حذفت الألف تخفيفاً ، فوزنه : " مفل " بحذف العين ، وأصل " ملائكة " : " ملاوكة " ، فقلبت " الواو همزة " ، ولكن شرط قلب الواو والياء همزة بعد ألف مفاعل أن تكون زائدة نحو : " عَجَائز " و " رَسَائل " ، على أنه قد جاء ذلك في الأصل قليلاً قالوا : " مَصَائب " و " مَنَائِر " ، وقرئ شاذًّا : { مَعَائِشَ } [ الأعراف : 10 ] بالهمز ، فهذه خمسة أقوال .

السّادس : قال النضر بن شُمَيْلٍ{[1031]} : لا اشتقاق ل " الملك " عند العرب " والهاء " في " ملائكة " لتأنيث الجمع ، نحو : " صَلاَدمة " .

وقيل : للمُبَالغة ك " عَلاّمة " و " نسَّابة " ، وليس بشيء ، وقد تحذف هذه الهَاء شذوذاً ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]

أَبَا خَالِدٍ صَلَّتْ عَلَيْكَ المَلاَئِكُ{[1032]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فصل في ماهية الملائكة

اختلفوا في ماهيّة الملائكة ، وحقيقتهم ، والضابط فيه أن يقال : إن المَلاَئكة ذوات قائمة بأنفسها ، وهي إما متحيّزة ، أو ليست بمتحيّزة ، فإن كانت متحيّزة فهاهنا أقوال :

أحدها : أنها أجسام لطيفة هَوَائية تقدر على التشكُّل بأشكال مختلفةٍ مسكنها السماوات ، وهذا قول أكثر المسلمين .

الثاني : قول طوائف من عَبَدَةِ الأوثان : أن الملائكة هي هذه الكواكب الموصوفة بالإسْعَادِ ، والإِنْحَاسِ ، فَالْمُسْعِدَات منها ملائكة الرَّحمة ، والمنحسات منها مَلاَئكة العذاب .

الثالث : قول معظم المَجُوس ، والثنوية : وهو أن هذا العَالمَ مركّب من أصلين أزليين ، وهما النور والظّلمة ، وهُمَا في الحقيقة جَوْهَرَان شَفَّافان مُخْتَاران قادران ، متضادا النّفس والصورة ، مختلفا الفعل والتدبير ، فجوهر النُّور فاضل خيّر ، نقيّ طيّب الريح ، كريم النفس يسر ولا يضر ، وينفع ولا يمنع ، ويَحْيَا ولا يبلى ، وجوهر الظلمة على ضدّ ذلك .

ثم إنَّ جوهر النور لم يزل يولد الأولياء ، وهم الملائكة لا على سبيل التَّنَاكح ، بل على سبيل تولّد الحكمة من الحكيم ، والضوء من المضيء ، وجوهر الظلمة لم يزل يولد الأعداء ، وهم الشياطين على سبيل تولّد السَّفهِ من السفيه لا على سبيل التناكح .

القول الثاني : وهو أنها ذوات قائمة بأنفسها ، وليست بمتحيّزة ، ولا بأجسام . فهاهنا قولان :

الأول : قول طوائف من النَّصَارى ، وهو أن الملائكة في الحقيقة هي الأنفس النَّاطقة المفارقة لأبدانها على نَعْتِ الصفاء والخيرية ، وذلك لأن هذه النفوس المفارقة إن كانت صافيةً خالصة فهي الملائكة ، وإن كانت خبيثةً كَدِرَةً فهي الشياطين .

والثاني : قول الفَلاَسفة وهي أنها جَوَاهر قائمة بأنفسها وليست بمتحيّزة ألبتة ، وأنها بالماهية مخالفة لأنواع النفوس النَّاطقة البشرية ، وأنها أكملُ قوةً منها ، وأكثر علماً منها ، وأنها للنفوس البشرية جارية مجرى الشَّمس بالنسبة إلى الأضواء ، ثم إنَّ هذه الجَوَاهر على قسمين : منها ما هي بالنسبة إلى أجْرَام الأَفْلاَك والكواكب كنفوسنا الناطقة بالنسبة إلى أبداننا ، ومنها ما هي لا عَلَى شَيْءٍ من تدبير الأفلاك ، بل هي مستغرقة في معرفة الله ، ومحبته ومشتغلة بطاعته ، وهذا القسم هُمُ الملائكة المُقَرَّبُون ، ونسبتهم إلى الملائكة الَّذِين يدبرون السَّمَاوات ، كنسبة أولئك المدبرين إلى نفوسنا النَّاطقة ، فهذان القِسْمَان قد اتفقت الفلاسفة على إثباتهما ، ومنهم من أثبت أنواعاً أُخَرَ من الملائكة ، وهي الملائكة الأرضية المدبِّرة لأحوال هذا العالم السفليّ ، ثم إن المدبرات لهذا العَالَم إن كانت خيرةً فهم الملائكة ، وإن كانت شريرةً فهم الشياطين .

فصل في شرح كثرتهم

قال عليه الصلاة والسلام : " أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أن تَئِطَّ ما فيها مَوْضِعُ قَدَمٍ إلا وفيه مَلَكٌ ساجدٌ ، أو راكع " {[1033]} .

[ وروي أن بني آدم عشر الجن ، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البَرّ ، وهؤلاء كلهم عُشْر الطيور ، وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البَحْرِ ، وهؤلاء كلّهم عشر ملائكة الأرض الموكّلين بها ، وكلّ هؤلاء ملائكة سَمَاء الدنيا ، وكل هؤلاء عشر ملائكة السَّماءِ الثانية وعلى هذا الترتيب إلى ملائكة السَّماء السَّابعة ، ثم الكل في مقابلة ملائكة الكُرسي نَزْر قليل ، ثم كل هؤلاء عشر ملائكة السّرادق الواحد من سُرَادقات العرش التي عددها ستمائة ألف ، طول كلّ سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السَّمَاوات والأرضون وما فيها وما بينها ، فإنها كلها تكون شيئاً يسيراً وقدراً صغيراً ، وما من مقدار موضع قدم إلا وفيه مَلَكٌ ساجد ، أو راكع ]{[1034]} وقائم ، لهم زَجَلٌ بالتسبيح والتَّقديس ، ثم كلّ هؤلاء في مُقَابلة الملائكة الذين يَحُومُونَ حول العرش كالقَطْرَةِ في البحر ، ولا يعلم عَدَدَهُمْ إلا اللهُ تعالى ، ثم مع هؤلاء ملائكة اللَّوْحِ الذين هم أشياع إسرافيل عليه السّلام ، والملائكة الذين هم جنود جبريل عليه السَّلام ، ولا يحصى أجناسهم ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا الله تعالى ، على ما قال : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [ المدثر : 31 ] .

وروي في بعض كتب التَّذكير أنه - عليه الصلاة والسلام - حين عرج به رأى ملائكة في مَوْضِعٍ بمنزلة سوق بعضهم يمشي تُجَاهَ بعض ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَى أيْنَ يَذْهَبُونَ ؟ فقال جبريل عليه السَّلام : لا أَدْرِي إِلاّ أنِّي أراهُمْ مذ خلقت ولا أرى واحداً منهم قد رأيته قبل ذلك ، ثم سأل واحداً منهم وقيل له : مذ كم خلقت ؟ فقال : لا أدري غير أن الله - تعالى - يخلق كوكباً في كلّ أربعمائة ألف سنةٍ ، فخلق مثل ذلك الكوكب منذ خَلَقَنِي أربعمائة ألف مرة فسبحانه من إله ما أعظم قدرته وما أجلّ كماله .

فصل فيمن قيل له من الملائكة : " إني جاعل "

اختلفوا في المَلاَئكة الَّذِين قال لهم : " إنِّي جاعلٌ لهم " كُلّ الملائكة ، أو بعضهم ؟ فروى الضَّحَّاك عن ابن عباس أنه سبحانه إنما قال هذا القول للملائكة الذين [ كانوا مُحَاربين ] مع " إبليس " ؛ لأن الله - تعالى - لما أسكن الجنّ الأرض ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا الدِّماء ، وقتل بعضهم بعضاً ، بعث الله " إبليس " في جُنْدٍ من الملائكة ، فقتلهم " إبليس " بعسكره حتى أخرجوهم من الأرض ؛ وألْحَقُوهُمْ بِجَزَائِرِ البَحْر ، وشعوب الجِبَالِ ، وسَكَنُوا الأرض ، وخفّف الله عنهم العبادة ، وأعطى " إبليس " ملك الأرض ، وملك سماء الدنيا ، وخزانة الجنّة ، فكان يعبد الله تارة في الأرض ، وتارة في السماء ، وتارة في السماء ، وتارة في الجنة ، فأخذه العجب وقال في نفسه : ما أعطاني الله هذا المُلْكَ إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال تعالى لهم : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } .

وقال أكثر الصحابة والتابعين إنه قال ذلك لجماعة الملائكة من غير تخصيص ، لأن لفظ الملائكة يفيد العُمُوم .

فإن قيل : ما الفائدة في أن الله قال للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } مع أنه مُنَزّه عن الحاجة إلى المَشُورة ؟ .

فالجواب من وجهين :

الأوّل : أنه - تعالى - علم أنهم إذا اطَّلَعُوا على ذلك السّر أوردوا عليه ذلك السُّؤال ، فكانت المَصْلَحَة تقتضي إحاطتهم بذلك الجَوَاب ، فعرّفهم هذه الواقعة لكي يوردوا ذلك السُّؤال ، ويسمعوا ذلك الجواب .

والثاني : أنه - تعالى - علم عباده المَشُورة .

قوله : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } هذه الجملة معمولُ القول ، فهي في محل نصب به ، وكسرت " إِنَّ " هنا ، لوقوعها بعد القول المجرَّد من معنى الظَّنِّ محكية به ، فإن كان بمعنى الظَّن جرى فيها وجهان : الفَتْح والكَسْر ؛ وأنشدوا : [ الطويل ]

إِذَا قُلْتَ إِنِّي آيبٌ أَهْلَ بَلْدَةٍ *** نَزَعْتُ بِهَا عَنْهُ الْوَلِيَّةَ بِالهَجْرِ{[1035]}

وكان ينبغي أن يفتح ليس إلاَّ ؛ نظراً لمعنى الظن ، لكن قد يقال جاز الكسر مُرَاعاةً لصورة القول .

و " إن " على ثلاثة أقسام :

قسم يجب فيه كسرها ، وقسم يجب فيه فتحها ، وقسم يجوز فيه الوجهان .

والضابط الكُليّ في ذلك : أن كلَّ موضع سَدَّ مسدَّها المصدرُ ، وجب فيه فتحها ؛ نحو : " بلغني أنك قائمٌ " ، وكلَّ موضعٍ لم يَسُدَّ مسدَّهَا ، وجب فيه كَسْرُها ؛ كوقوعها بعد القول ومبتدأةً وصلةً وحالاً ، وكل موضع جاز أن يسدّ مسدّها ، جاز الوجهان ؛ كوقوعها بعد فاء الجزاء ، و " إذا " الفجائية .

و " جاعل " فيه قولان :

أحدهما : أنه بمعنى " خالق " فيكون " خليفة " مفعولاً به و " فِي الأَرضِ " فيه حينئذ قولان :

أحدهما : وهو الواضح - أنه متعلّق ب " جاعل " والثاني : أنه متعلّق بمحذوف ؛ لأنه حال من النكرة بعده .

القول الثاني : أنه بمعنى " مُصَيِّر " ذكره الزَّمَخْشَرِي ، فيكون " خليفة " هو المفعول الأول ، و " في الأرض " هو الثَّاني قدم عليه ، ويتعلّق بمحذوف على ما تقرر .

والأرض قيل : إنها " مكة " ، روى ابن سابط{[1036]} عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " دُحِيَتِ الأَرْضُ من مَكَّةَ " ولذلك سميت " أم القرى " ، قال : وقبر نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب بين " زمزم " والمَقَام{[1037]} .

والظاهر أنّ الأرض في الآية جميع الأرض من المشرق والمغرب .

و " خليفة " يجوز أن يكون بمعنى " فاعل " أي : يخلفكم أو يخلف من كان قبله من الجنّ ، وهذا أصح ، لدخول تاء التأنيث عليه .

وقيل : بمعنى " مفعول " أي : يخلف كل جيل من تقدمه ، وليس دخول " التَّاء " حينئذ قياساً ، إلاَّ أن يقال : إن " خليفة " جرى مجرى الجَوَامِدِ ك " النَّطيحة " و " الذَّبيحة " . وإنما وحّد " خليفة " وإن كان المراد الجمع ؛ لأنه أريد به آدم وذرّيته ، ولكن استغني بذكره كما يستغنى بذكر أبي القَبِيْلَةِ نحو : " مُضَر " و " رَبِيْعَة " وقيل : المعنى على الجنس .

وقال " ابن الخطيب " : الخليفة : اسم يصلح للواحد والجمع كما يصلح للذكر والأنثى .

و " الخَلَفُ " - بالتحريك - من الصَّالحين ، وبتسكينها من الطَّالحين .

واختلفوا في أنه لِمَ سمّاه - أي : خليفة - على وجهين :

فروي عن " ابن عباس " أنه - تعالى - لما نفى الجنّ من الأرض ، وأسكنها آدم كان آدم - عليه الصلاة والسَّلام - خليفة لأولئك الجنّ الذين تقدّموه ، لأنه خلفهم{[1038]} .

والثاني : إنما سمَّاه الله خليفةً ، لأنه يخلف الله في الحكم بين خلقه ، ويروى عن ابن مسعود ، وابن عباس ، والسّدي وهذا{[1039]} الرأي متأكّد بقوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } [ ص : 26 ] . [ روى أبو ذر قال : قلت : يا رسول الله أنبياً كان آدم مرسلاً ؟ قال : نعم . . الحديث ]{[1040]} .

فإن قيل : لمن كان رسولاً ، ولم يكن في الأرض أحد ؟ .

فيقال : كان رسولاً إلى ولده ، وكانوا أربعين ولداً في عشرين بطناً في كل بَطْنٍ ذكر وأنثى ، وتوالدوا حتى كثروا ، وأنزل عليه تحريم الميتة والدَّم ولحم الخِنْزِير ، وعاش تسعمائة وثلاثين سنةً . ذكره أهل التوراة والله أعلم . [ وروي عن وهب بن منبه أنه عاش ألف سنة ]{[1041]} .

وقرئ{[1042]} : " خلِيقةً " بالقاف ، و " خليفة " منصوب ب " جاعل " كما تقدّم ؛ لأنه اسم فاعل ، وأسم الفاعل يعمل عمل فعله مطلقاً إن كان فيه الألف واللام ، ويشترط الحال أو الاستقبال والاعتماد إذا لم يكونا فيه ، ويجوز إضافته لمعموله تخفيفاً ما لم يفصل بينهما كهذه الآية .

فصل في وجوب نصب خليفة للناس

هذه الآية دليلٌ على وجوب نصب إمام وخليفة يسمع له وَيُطَاع{[1043]} ، لتجتمع به الكلمة ، وتنفذ به أحكام الخليفة ، ولا خلاف في وجوب ذلك بَيْنَ الأئمة إلاّ ما روي عن الأصَمّ ، وأتباعه أنها غير واجبةٍ في الدين - وأن الأمة متى أقاموا حججهم وجهادهم ، وتناصفوا فيما بينهم ، وبذلوا الحقّ من أنفسهم ، وقسموا الغَنَائم والفَيْء والصدقات على أهلها ، وأقاموا الحُدُود على من وجبت عليه ، أجزأهم ذلك ، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماماً يتولّى ذلك ، وشروط الإمامة مذكورة في كتب الفِقْه .

قوله : { قَالُواْ : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } قد تقدم أن " قالوا " عامل في { إِذْ قَالَ رَبُّكَ } ، وأنه المختار ، والهمزة في " أتجعل " للاستفهام على بابها ، وقال الزمخشري : " للتعجب " ، وقيل : للتقرير ؛ كقوله : [ الوافر ]

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا *** وَأَنْدَى الْعَالِمينَ بُطُونَ رَاحِ{[1044]}

وقال " أبو البَقَاءِ " للاسترشاد ، أي : أتجعل فيها من يفسد كمن كان قبل . و " فيها " الأولى متعلّقة ب " تجعل " إن قيل : إنها بمعنى " الخَلْق " ، و " من يفسد " مفعول به .

وإن قيل : إنها بمعنى " التصيير " ، فيكون " فيها " مفعولاً ثانياً قدّم على الأول ، وهو " من يفسد " ، و " من " تحتمل أن تكون كموصولةً ، أو نكرة موصوفة ، فعلى الأول لا محلّ للجملة بعدها من الإعراب ، وعلى الثَّاني محلها النصب ، و " فيها " الثانية متعلّقة ب " يفسد " . و " يفسك " عطف على " يفسد " بالاعتبارين .

والجمهور على رَفْعِهِ ، وقرئ منصوباً{[1045]} على جواب الاستفهام بعد " الواو " التي تقتضي الجمع بإضمار " أن " كقوله : [ الكامل ]

أَتَبِيتُ رَيَّانَ الْجُفُونِ مِنَ الكَرَى *** وَأَبِيتَ مِنْكَ بِلَيْلَةِ الْمَلْسُوعِ{[1046]}

وقال : " ابن عطية " : " منصوب بواو الصرف " وهذه عبارةُ الكوفيين ، ومعنى " واو الصرف " أن الفعل كان يقتضي إعراباً ، فصرفته " الواو " عنه إلى النصب .

والمشهور " يَسْفِكُُ " بكسر الفاء ، وقرئ بضمها{[1047]} وقرئ أيضاً{[1048]} بضم حرف المُضَارعة من " أُسْفِكُ " .

وقرئ أيضاً{[1049]} مشدداً للتكثير . و " السَّفْك " : هو الصَّب ، ولا يستعمل إلاّ في الدم .

وقال ابن فارس والجوهري : " يستعمل أيضاً في الدمع " .

وقال " المَهْدَوِيّ " : ولا يستعمل السَّفك إلاّ في الدم ، وقد يستعمل في نَثْرِ الكلام ، يقال : سفك الكلام ، أي : نثره .

و " السَّفاك " : السفاح ، وهو القادر على الكلام .

و " الدِّمَاء " جمع " دَمٍ " ولا يكون اسمٌ معربٌ على حرفين ، فلا بُدَّ له من ثالث محذوف هو لامه ، ويجوز أن تكون " واواً " وأن تكون " ياء " ؛ لقولهم في التثنية " دَمَوَان " و " دَمَيَان " ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا *** جَرَى الدَّمَيَانِ بِالخَبَرِ الْيَقِينِ{[1050]}

وهل وزن دم : " فَعْل " بسكون العين ، أو " فَعَل " بفتحها ؟ قولان ؛ وقد يُرَدُّ مَحْذُوفُهُ ، فيستعمل مقصوراً ك " عَصَا " ؛ وعليه قول الشاعر :

كَأَطُومٍ فَقَدَتْ بُرْغُزَهَا *** أَعْقَبَتْهَا الْغُبْسُ مِنْهُ عَدَمَا

غَفَلَتْ ثُمَّ أَتَتْ تَرْقُبُهُ *** فَإِذَا هِيْ بِعِظَامٍ وَدَمَا{[1051]}

" الأَطُوم " : الناقة ، " وبرغزها " : ولدها ، و " الغُبْسُ " : الضباع .

وقد تشدّد ميمه ؛ قال الشاعر : [ البسيط ]

أَهانَ دَمَّكَ فَرْغاً بَعْدَ عِزَّتِهِ *** يَا عَمْرُو بَغْيُكَ إِصْرَاراً عَلَى الْحَسَدِ{[1052]}

وأصل الدِّمَاء : " الدِّمَاو " أو " الدِّمَاي " فقلب حرف العلّة همزة لوقوعه طرفاً بعد ألف زائدةٍ ، نحو : " كِسَاء " و " رِدَاء " .

فإن قيل : الملائكة لا يعملون إلا بما علموا ، ولا يسبقونه بالقول ، فكيف قالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } ؟ .

فالجواب : اختلف العلماء فيه ، فمنهم من قال : إنهم ذكروا ذلك عن ظَنّ قياساً على حالِ الجِنّ الذين كانوا في الأرض قبل آدم عليه الصَّلاة والسّلام ، قاله ابن عباس ، والكلبي وأحمد بن يحيى .

الثَّاني : أنهم عرفوا خلقة آدم ، وعرفوا أنه مركّب من الأخلاط الأربعة فلا بد وأن يتولد منه المشهور بالغَضَبِ ، فيتولّد الفساد من الشَّهْوَةِ ، وسَفْك الدماء من الغضب .

ومنهم من قال : إنهم قالوا ذلك على يَقِيْنٍ ، وهو مروي عن " ابن مسعود " وناس من الصحابة ، وذكروا وجودهاً :

أحدها : أنه - تعالى - لما قال : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } قالوا : ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟

قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ، ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضاً ، فعند ذلك قالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } ؟

إما على طريق التعجُّب من استخلاف الله من يعصيه ، أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه ، وينعم عليه بذلك ، وإما على طريق الاستعظام والاستكبار للفعلين جميعاً الاستخلاف والعصيان .

وثانيها : أنه - تعالى - كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الأرض خلقٌ عظيم أفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء .

وثالثها : قال ابن زَيْدٍ : لما خلق الله النَّارَ خافت الملائكة خوفاً شديداً ، فقالوا : ربنا لمن خلقت هذه النار ؟ قال : لمن عَصَانِي من خلقي ، ولم يَكُنْ لله يومئذ خلقٌ سوى الملائكة ، ولم يكن في الأرض خلق ألبتة ، فلما قال : { إني جاعِلٌ في الأرض خليفةً } عرفوا أن المعصية تظهر منهم .

ورابعها : لما كتب القلم في اللوح [ المحفوظ ]{[1053]} ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فلعلّهم طالعوا اللّوح ، فعرفوا ذلك .

وخامسها : إذا كان مَعْنَى الخليفة من يكون نائباً لله في الحكم والقضاء ، والاحتياج إلى الحاكم والقاضي إنما يكون عند التنازع ، والتَّظَالم ، فكان الإخبار عن وُجودِ الخليفة إخباراً عن وقوع الفساد والشَّرِّ بطريق الالتزام .

وسادسها : قال قتادة : كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خليفةً يفعل كذا وكذا ، قالوا : أتجعل فيها الَّذي علمناه أم غيره .

قوله : { ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } الواو : للحال ، و " نحن نسبح " : جملة من مبتدأ وخبر في محلِّ النصب على الحال .

و " بحمدك " : متعلّق بمحذوف ؛ لأنه حالٌ أيضاً ، و " الباء " فيه للمصاحبة أي : نسبّح ملتبسين بحمدك ، نحو : جاء زيدٌ بثيابه . فهما حَالاَنِ مُتَدَاخلان ، أي حال في حال .

وقيل : " الباء " للسببية فتتعلّق بالتسبيح ، قل " ابن عطية " : ويحتمل أن يكون قولهم : " بحمدك " اعتراضاً بين الكلامين ، كأنهم قلوا : ونحن نسبح ونقدس ، ثم اعترضا على جهة التسليم ، أي : وأنت المَحْمُودُ في الهداية إلى ذلك وكأنه يحاول أنه تكون " الباء " للسببية ، ولكن يكون ما تعلّقت به " الباء " فعلاً محذوفاً لائقاً بالمعنى تقديره : حصل لنا التسبيح والتقديس بسبب حمدك .

و " الحمد " هنا : مصدر مُضَاف لمفعوله ، وفاعله محذوف تقديره بحمدنا إيّاك ، وزعم بعضهم أنّ الفاعل مضمر فيه ، وهو غلط ؛ لأنَّ المصدر اسم جامد لا يضمر فيه على أنه قد حكي الخِلاَف في المصدر الواقع موقع الفِعْل ، نحو : " ضرباً زيداً " هل يتحمّل ضميراً أو لا وقد تقدم .

و " نُقَدِّسُ " عطف على " نُسَبِّحُ " فهو خبر أيضاً عن " نحن " ، ومفعوله محذوف أي : نقدس أنفسنا وأفعالنا لك .

و " لك " متعلّق به ، أو ب " نسبح " ومعناها العلّة .

وقيل : زائدة ، فإنَّ ما قبلها متعدٍّ بنفسه ، وهو ضعيف ، إذ لا تُزَاد " اللام " إلا مع تقديم المعمول ، أو يكون العامل فرعاً .

وقيل : هي مُعَدِّيَةٌ : نحو : " سجدت لله " .

وقيل : للبيان كهي في قولك : " سُقْياً لك " فعلى هذا تتعلّق بمحذوف ، ويكون خبر مبتدأ مضمر أي : تقديساً لك .

وهذا التقدير أحسن من تقدير قولهم : أعني ؛ لأنه أليق بالموضع . وأبعد من زعم أن جملة " ونحن نسبح " داخلة في حيز استفهام مقدر تقديره : وأنحن نسبح أم نتغير ؟ واستحسنه ابن عطية{[1054]} مع القول بالاستفهام المحض في قولهم : " أتجعل " وهذا يأباه الجمهور ، أعني : حذف همزة الاستفهام من غير ذكر " أم " المعادلة وهو رأي " الأخفش " وجعل من ذلك قوله تعالى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ }

[ الشعراء : 22 ] أي : وأتلك نعمة .

وقول الآخر : [ الطويل ]

طَرِبْتُ وَمَا شَوْقَاً إِلَى البِيضِ أَطْرَبُ *** وَلاَ لَعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ{[1055]}

أي : وأذو الشيب ؟

وقول الآخر : [ المنسرح ]

أَفْرَحَ أَنْ أُزْرَأَ الكِرَامَ وَأَنْ *** أُورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبَلا{[1056]}

أي : أأفرح ؟ .

فأما مع " أم " جائز لدلالتها عليه ؛ كقوله : [ الطويل ]

لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِياً *** بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ{[1057]}

أي : أبسبع ؟

و " التسبيح " : التنزيه والبَرَاءة ، وأصله من السَّبح وهو البعد ، ومنه السَّابح في الماء ، فمعنى " سبحان الله " أي : تنزيهاً له وبراءةً عما لا يليق بجلاله ومنه : [ السريع ]

أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ *** سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ{[1058]}

أي : تنزيهاً ، وهو مختص بالباري تَعَالى .

قال " الراغب " في قوله : سبحان من عَلْقَمَةَ الفاخر إن أصله : سُبْحَانَ علقمة ، على سبيل التهكُّم فزاد فيه " من " .

وقيل : تقديره : سبحان الله من أجل عَلْقَمَة ، فظاهر قوله أنه يجوز أن يقال لغير البَارِي على سبيل التهكُّم ، وفيه نظر .

و " التقديس " : التَّطهير ، ومنه الأرض المقدَّسَة ، وبيت المَقْدِس ، ورُوح القُدُس ؛ وقال الشاعر : [ الطويل ]

فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنَّسَا *** كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَانُ ثَوْبَ الْمُقَدِّسِ{[1059]}

أي : المُطَهِّر لهم .

وقال : " الزمخشري " {[1060]} : هو من قدس في الأرض : إذا ذهب فيها وأبعد ، فمعناه قريب من معنى " نسبّح " .

ثم اختلفوا على وجوه :

أحدها : نطهرك أي : نَصِفُكَ بما يليق بك من العلو والعزّة .

وثانيها : قول مجاهد : نطهر أنفسنا من ذنوبنا ابتغاءً لمرضاتك .

وثالثها : قول أبي مسلم : نطهر أفعالنا من ذنوبنا حتى تكون خالصةً لك .

ورابعها : نطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك حتى تصير مستغرقةً في أنوار معرفتك .

قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على مذهبنا من وجوه :

أحدها : قولهم : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } أضافوا هذه الأفعال إلى أنفسهم ، فلو كانت أفعالاً لله - تعالى - لما حسن التمدُّح بذلك ، ولا فضل لذلك على سفك الدماء ؛ إذ كل ذلك من فعل الله تعالى .

وثانيها : إذا كان لا فاحشة ، ولا ظُلْم ، ولا وجود إلاّ بصنعه وخلقه ومشيئته ، فكيف يصح التنزيه والتقديس ؟

وثالثها : أن قوله : { أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يدلّ على مذهب العَدْلِ ، لأنه لو كان خالقاً للكفر لكان خلقهم لذلك الكفر ، فكان ينبغي أن يكون الجواب نعم خلقهم ليفسدوا وليقتلوا ، فلما لم يَرْضَ بهذا الجواب سقط هذا المذهب .

ورابعها : لو كان الفساد والقَتْلُ من فعل الله - تعالى - لكان ذلك جارياً مجرى أجسامهم ، وألوانهم ، وكما لا يصح التعجُّب من هذه الأشياء ، فكذا من الفساد والقتل .

والجواب : المُعَارضة بمسألة الداعي والعلم ، والله أعلم .

قوله : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .

أصل " إِنِّي " : فاجتمع ثلاثة أمثال ، فحذفنا أحدها ، وهل هو " نون " الوقاية ، أو " النون " الوسطى ؟

قولان : الصحيح الثاني ، وهذا شبيه{[1061]} بما تقدم في { إِنَّا مَعَكُمْ }

[ البقرة : 14 ] وبابه ، والجملة في محل نَصْب بالقول .

و " أعلم " يجوز فيه أن يكون فعلاً مضارعاً ، وهو الظاهر ، و " ما " مفعول به ، وهي : إما نكرة موصوفة أو موصولة ، وعلى كل تقدير ، فالعائد محذوف لاستكماله الشروط : أي : تعلمونه .

وقال " المهدي ، ومكّيّ " {[1062]} وتبعهما " أبو البقاء " {[1063]} : إن " أعلم " اسم بمعنى " عالم " ؛ كقوله : [ الطويل ]

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وإِنِّي لأَوْجَلُ *** عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ{[1064]}

ف " ما " يجوز فيها أن تكون في محلّ جر بالإضافة ، أو نصب ب " أعلم " ، ولم ينون " أعلم " لعدم انصرافه بإجماع النحاة .

واختلفوا في أفعل إذا سمي به وكان نكرة ، فسيبويه والخليل لا يصرفانه ، والأخفش يصرفه نحو : " هؤلاء حَوَاجّ بيت الله " .

وهذا مبني على أصلين ضعيفين :

أحدهما : جعل " أفعل " بمعنى " فاعل " من غير تفضيل .

والثاني : أن " أفعل " إذا كانت بمعنى اسم الفاعل عملت عمله ، والجمهور لا يثبتونها .

وقيل : " أعلم " على بابها من كونها للتفضيل ، والمفضل عليه محذوف ، أي : أعلم منكم ، و " ما " منصوبة بفعل محذوف دلّ عليه " أفعل " أي : علمت ما لا تعلمون ، ولا جائز أن ينصب ب " أفعل " التفضيل ؛ لأنه أضعف من الصفة المشبّهة التي هي أضعف من اسم الفاعل الذي هو أضعف من الفِعْلِ في العمل ، وهذا يكون نظير ما أوّلوه من قول الشاعر : [ الطويل ]

فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الحَيِّ حَيًّا مُصَبَّحاً *** وَلاَ مِثْلَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا فَوَارِسَا

أَكَرَّ وأَحْمَى لِلْحَقِيقَةِ مِنْهُمُ *** وَأَضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا{[1065]}

ف " القَوَانِس " منصوب بفعل مقدر أي : ب " ضرب " لا ب " أضرب " ، وفي ادعاء مثل ذلك في الآية الكريمة بعد الحَذْف يتبيّن المفضل عليه ، والناصب ل " ما " .

فصل في بيان علام الجواب في الآية

اختلف علماء التأويل في هذا الجواب وهو قوله : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فقيل : إنه جواب لتعجّبهم ، كأنه قال : لا تتعجّبوا من أن فيهم من يفسد ، ويقتل ، فإني أعلم مع هذا أن فيهم صالحين ، ومتّقين ، وأنتم لا تعلمون .

وقيل : إنه جواب لغمّهم كأنه قال : لا تغتمّوا بسبب وجود المفسدين ، فإني أعلم أيضاً أن فيهم جمعاً من المتّقين ، ومن لو أقسم على لأبرّه . وقيل : إنه طلب الحكمة كأنه قال : إن مصلحتكم أن تعرفوا وَجْهَ الحكمة فيه على الإجمال دون التفصيل . بل ربما كان ذلك التفصيل مفسدةً لكم .

وقال " ابن عباس " : كان " إبليس " - لعنه الله - قد أعجب ودخله الكِبَرُ لما جعله خازن السّماء ، وشرفه ، فاعتقد أن ذلك لمزيّةٍ له ، فاستحب الكفر والمعصية في جانب آدم - عليه الصلاة والسلام - وقالت الملائكة : { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } ، وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك ، فقال الله لهم : { إني أعلم ما لا تَعْلَمُونَ{[1066]} } ، وقيل : المعنى عام ، أي : أعلم ما لا تعلمون مما كان ، وما يكون ، وما هو كائن .


[1026]:- ينظر البيت في ديوان الهذليين: (1/68)، ابن يعيش: (3/29)، (9/31)، الخصائص: (2/376)، مغني اللبيب: (1/86)، الجنى الداني: (187)، شرح الأشموني: (1/56)، خزانة الأدب: (6/539، 543، 544)، اللسان: شلل، الدر المصون: (1/174).
[1027]:- ينظر الخصائص: (1/311) (3/375) الأمالي الشجرية: (1/97، 386)، المفصل: (8/35)، (9/100، 116)، اللسان ألك، الدر المصون: (1/175).
[1028]:- ينظر ديوان لبيد: (178)، الخصائص: (3/275)، المنصف: (2/114)، التبيان: (1/46)، مجمع البيان: (1/159)، ابن الجوزي: (1/58)، القرطبي: (1/262)، الطبري: (1/446)، اللسان: ألك، الدر المصون: (1/175).
[1029]:- البيت لعدي بن زيد ينظر ديوانه: ص 93، خزانة الأدب: 8/513، الاشتقاق: ص 26، والأغاني: 2/94، شرح شواهد المغني: 2/658، الشعر والشعراء: 1/235، والمنصف: 2/104، جمهرة اللغة ص 982، الممتع في التصريف: 1/119، المحتسب: 1/44، مجمع البيان: 1/159، الزجاج: 1/80، القرطبي: 1/262، الطبري: 1/426، الدر المصون: 1/175.
[1030]:- تقدم.
[1031]:- النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن: أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة، ولد بـ"مرو" (من بلاد خراسان) سنة 122هـ من مصنفاته: "الصفات" كبير، في صفات الإنسان والبيوت والجبال والإبل والغنم والطير والكواكب والزروع، و"كتاب السلاح" و"المعاني" و"غريب الحديث" و"الأنواء". وتوفي بـ "مرو" سنة 203هـ. ينظر الأعلام: 338، وفيات الأعيان: 2/161، غاية النهاية: 2/341.
[1032]:- لم نهتد إلى قائله ولا إلى تمامه، وينظر المنصف: 2/103، والبحر المحيط: 1/284، الدرر: (1/251)، الدر المصون: (1/176).
[1033]:- أخرجه الترمذي في السنن (4/481 - 482) كتاب الزهد (37) باب (9) قول النبي صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا حديث رقم (2312) وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وابن ماجه في السنن 2/1402 كتاب الزهد (37) باب الحزن والبكاء (19) حديث رقم 4190 - وأحمد في المسند (5/172، 173) وذكره المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير 1/536.
[1034]:- سقط في أ.
[1035]:- البيت للحطيئة ينظر ديوانه: ص 225، وتخليص الشواهد: ص 459، خزانة الأدب: 2/440، شرح التصريح: 1/262، المقاصد النحوية: 2/432، أوضح المسالك: 2/72، شرح الأشموني: 1/165، الدر المصون: 1/176.
[1036]:- عبد الرحمان بن سابط القرشي الجمحي المكي أرسل وعن عمر ومعاذ ومرسلا، وعن عائشة بواسطة في فرد حديث وسعد وجابر، وعنه علقمة بن مرثد وابن جريج والليث وخلق، وثقه ابن معين وقال: لم يسمع من أبي أمامة والدارقطني وجماعة، قال ابن سعد: مات بمكة سنة ثماني عشرة ومائة. ينظر الخلاصة: 2/133 (4096)، تقريب التهذيب: 1/480 (943)، تاريخ البخاري الكبير: 5/294، 301، 9/65، تاريخ البخاري الصغير: 1/285.
[1037]:- أخرجه الطبري في التفسير: (1/448). وذكره ابن كثير في التفسير: 1/100 وعزاه لابن أبي حاتم وذكره السيوطي في الدر المنثور: (1/46) وزاد نسبته لابن عساكر عن ابن سابط.
[1038]:- ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/93).
[1039]:- في أ: فأهل.
[1040]:- سقط في ب.
[1041]:- سقط في ب.
[1042]:- قرأ بها زيد بن علي وعمران بن عثمان أبو البرهسم الزبيدي. ينظر غاية النهاية: 1/604، المحرر الوجيز: 1/117، البحر المحيط: 1/289، الدر المصون: 1/177.
[1043]:- ذهب جمهور العلماء إلى أن نصْب الخليفة، وإقامته على الأمة واجب على المسلمين. وخالفهم الأصمّ من المعتزلة، وبعض الخوارج؛ إذ قالوا بجواز نصب الخليفة لا وجوبه، والواجب عندهم إمضاء أحكام الشرع، فإذا اتفقت الأمة على العدل، وتواطأت على تنفيذ أحكام الله تعالى، لم تحتج إلى خليفة، ولا يجب عليها نضبه. والقائلون بوجوب نصب الخليفة اختلفوا في طريقه: فذهب أهل السنة، وأكثر المعتزلة إلى أن نصبه واجب بالسمع، وذهب جماعة منهم: الجاحظ، والخياط، والكعبي، وأبو الحسين البصري إلى أن نصبه واجب بالعقل. استدل أهل السنة، ومن وافقهم على الوجوب سمعا بأمور: الأول: تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على امتناع خلو الوقت عن خليفة، حتى قال أبو بكر في خطبته حين وفاة الرسول -عليه السلام -: "ألا إن محمدا قد مات، ولا بد لهذا الدين ممّن يقوم به" فبادر الكل إلى قبول قوله، ولم يقل أحد: لا حاجة لنا بذلك، بل اتفقوا عليه، وأخذوا ينظرون فيمن يتولّى أمرهم، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختلاف الصحابة في تعيين الخليفة لا يقدح في ذلك الاتفاق، ولم يزل الناس بعدهم على ذلك في كل عصر وزمن. الثاني: أن الشارع أمر بإقامة الحدود، وسد الثغور، وتجهيز الجيوش للجهاد، وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام، وحماية البيضة مما لا يتم إلا بخليفة؛ إذ لا يمكن لآحاد الناس أن يقوم به، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وكان مقدورا عليه - فهو واجب. الثالث: أن في نصب الخليفة جلب منافع كثيرة، ودفع مضار عديدة، وكل ما كان كذلك فهو واجب بالإجماع؛ وذلك لأنا نعلم علما ضروريا أن اجتماع الناس الموصّل إلى صلاحهم في دينهم ودنياهم، لا يتم إلا بسلطان قاهر يدرأ المفاسد، ويحفظ المصالح، ويمنع ما تتسارع إليه طباعهم، وتتنازع عليه أطماعهم. ولهذا لا ينتظم أمر أدنى اجتماع؛ كرفقة طريق بدون رئيس يقتدون برأيه، وربما يحصل مثل هذا بين الحيوانات كالنحل؛ إذ لها عظيم يقوم مقام الرئيس، ينتظم به أمرها، فإذا هلك، شاع بينها الانقسام والفساد. ونوقش هذا الدليل بأن في نصب الخليفة مضارّ كثيرة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضِرار". فإن تولية الإنسان على مثله ليحكم عليه فيما يهتدي إليه، وفيما لا يهتدي إليه ضرر لا محالة. وقد يستنكف عنه بعض الناس؛ كما وقع فيما مضى، فيفضي ذلك إلى الاختلاف والفتنة، وهذا ضرر عظيم. ويزاد على ذلك: أن الخليفة لا تجب عصمته، فيتصور منه الكفر والفسوق، وإن لم يعزل، أضرّ بالأمة، وإن عُزِل، أدى ذلك إلى الفتنة؛ لاحتياج الناس إلى محاربته. وأجيب عن ذلك: بأن المضارّ اللازمة من ترك نصب الخليفة أكثر بكثير من المضار الناشئة من نصبه، ودفع الضرر الأعظم عند التّعارض واجب. قال العلامة "السعد" في "شرح المقاصد" بعد أن ذكر الأدلة الثلاثة: وقد يتمسك بمثل قوله - تعالى -: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" فإن وجوب الطاعة والمعرفة يقتضي الحصول. واستدل القائلون بوجوب نصب الخليفة عقلا: بأن طباع العقلاء توجب التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم، ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، وأن كل أمة لا تستغني عن قوة تحمي قوانينها، وتدير شئون أفرادها، وعليه فوجود الحاكم الوازع ضرورة من ضرورات الاجتماع البشري الذي تختلف فيه الأهواء، وتتشتت الآراء، فيكثر النزاع، ويشتد الخصام، وتسود الفوضى؛ لذلك يقول الأفوه - وهو شاهر جاهلي -: (البسيط) لا يصلح الناس فوضى لا سراةَ لهم *** ولا سراة إذا جُهالهم سادُوا وردّ هذا التدليل: بأنه مبني على قاعدة (ما أدركه العقل حسنا، فهو عند الله حسن، وما أدركه قبيحا فهو عند الله قبيح). وهي قاعدة باطلة، إذ لو كان العقل كافيا في درك الأحكام الشرعية، وانتظام أمر الناس في دينهم ودنياهم، لما كان هناك حاجة لإرسال الرسل -عليهم السلام - إلى الخلق. وهذا هو الصواب الذي تركن إليه النفس، ويطمئن إليه القلب، ويخضع له الفكر السليم؛ لأن العقول متباينة ومتفاوتة، فربّ أمر يكون حسنا في نظر بعض العقول، هو قبيح في نظر بعض آخر، فكيف يدرك العقل الأحكام الشرعية؟ وكيف يكون متعلق المدح والثواب والذم والعقاب؟ لا بد إذا في انتظام أمر المجتمع من قانون سماوي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} يكون هو المرجع في تعريف الأحكام الشرعية، وتنظيم شأن المجتمع، حتى يسود العدل، ويستقرّ في نصابه، وينتظم أمر الدين والدنيا. هذه أدلة القائلين بوجوب نصب الخليفة، على اختلافهم في طريق الوجوب. أما القائلون بعدم وجوب نصب الخليفة، فاستدلوا بما يأتي: الأول: توفر الناس على مصالحهم الدنيوية، وتعاونهم على واجباتهم الدينية مما يحث عليه طبعهم، وينادي به دينهم، فلا حاجة بهم إلى قيام حاكم عليهم فيما يستقلون به؛ ويدل على ذلك انتظام أحوال العرب، وأهل البادية النائين عن السلطان وحكمه. الثاني: انتفاع الناس بالخليفة لا يكون إلا بالوصول إليه، ولا يخفى أن وصول آحاد الرعية إليه في كل ما يطرأ لهم من الأمور الدنيوية متعذّرٌ عادة، فلا فائدة إذا في نصبه للعامة؛ فلا يكون واجبا، بل جائزا. الثالث: اشترط العلماء في الخليفة شروطا قلّما تتوفر في كل عصر؛ وعلى ذلك فإن أقام المسلمون فاقدها، لم يأتوا بالواجب عليهم، وإن لم يقيموه، فقد تركوا الواجب، فوجوب نصْبه يستلزم أحد الأمرين الممتنعين؛ فيكون ممتنعا. ورد دليلهم الأول: بأنه وإن كان ممكنا عقلا، فهو ممتنع عادة لما نشاهده من قيام الفتن، وحدوث الخلاف والشقاق عند موت الولاة؛ حيث كان العرب من سكان البادية قساة غلاظا أجلافا يشنون الغارات لأنفه الأسباب، ويقتلون الأنفس والذّراري؛ فهم إذن بعيدون عن آداب الدين وسياسة الدنيا. ورد الثاني: بمنع ما يدعونه من أن الانتفاع بالإمام لا يكون إلا بالوصول إليه فقط، بل كما يكون بالوصول إليه يكون بوصول أحكامه وسياسته إلى الرعية، ونصبه من يرجعون إليه في مصالحهم. ورد الثالث: بأن الواجب على المسلمين أن يبايعوا من
[1044]:- ينظر البيت في ديوان جرير: (89)، المفصل: (8/123)، الخصائص: (2/463)، المغني: (11) شواهد المغني: (43)، الأخفش: (1/219)، مجاز القرآن: (1/35/184)، (2/118/150) إعجاز القرآن: (130)، اللسان: نقص، الدر المصون: (1/177).
[1045]:- قرأ بها الأعرج فيما رواه عنه أسيد، وكذلك قرأ بها ابن هرمز. انظر البحر المحيط: 1/290، والدر المصون: 1/177، والقرطبي: 1/190، والمحرر الوجيز: 1/118.
[1046]:- البيت للشريف الرضي ينظر ديوانه: 1/497، وحاشية الشيخ ياسين: 1/184، والدرر: 4/87، وللشريف المرتضى في مغني اللبيب: 2/668، شرح الأشموني: 3/566، وهمع الهوامع: 2/13، الدر المصون: 1/177.
[1047]:- وهي قراءة أبي حيوة، وابن أبي عبلة. انظر المحرر الوجيز: 1/118، والبحر المحيط: 1/290، والدر المصون: 1/177.
[1048]:-انظر البحر المحيط: 1/290، والدر المصون: 1/177.
[1049]:- انظر البحر المحيط: 1/290، الدر المصون: 1/177.
[1050]:- البيت للمثقب العبدي ينظر ملحق ديوانه: ص 283، والمقاصد النحوية: 1/192، والأزهية: ص 141، ولعلي بن بدال في أمالي الزجاجي: ص 20، وخزانة الأدب: 1/267، وشرح شواهد الشافية: ص 112، وللمثقب أو لعلي بن بدال ينظر خزانة الأدب: 7/482، 485، 486، 488، الإنصاف: 1/357، وجمهرة اللغة: ص 686، 1307، ورصف المباني: ص 242، وسر صناعة الإعراب: 1/395، وشرح الأشموني: 3/669، وشرح شافية ابن الحاجب: 2/64، وشرح شواهد الإيضاح: ص 281، وشرح المفصل: 4/151، 152، 5/84، 6/5، 9/24، ولسان العرب (أخا)، (وفي)، والمقتضب: 1/231، 2/238، 3/153، والمقرب: 2/44، والممتع في التصريف: 2/624، والمنصف: 2/148، الدر المصون: (1/178).
[1051]:- ينظر البيتان في المنصف: (2/148)، ابن الشجري: (2/34)، الهمع: (1/39)، الدرر: (1/13) رصف المباني: (16)، ابن يعيش: (5/84)، الخزانة: (7/491)، الجوزي: (1/6/61)، الدر المصون: (1/178).
[1052]:- ينظر البيت في الهمع: (1/120)، الدرر: (1/13)، الدر المصون: (1/178).
[1053]:- سقط في ب.
[1054]:- ينظر المحرر الوجيز: 1/118.
[1055]:- البيت للكميت في جواهر الأدب: ص 36، وخزانة الأدب: 4/313، 314، 315، 319، 11/123، والدرر: 3/81، وشرح شواهد المغني: ص 34، والمحتسب: 1/50، 2/205، ومغني اللبيب: ص 14، والمقاصد النحوية: 3/112، وهمع الهوامع: 2/69، الدر المصون: 1/179.
[1056]:- ينظر البيت في الكشاف: (4/296)، التهذيب: (11/263)، التفتازاني: (2/790)، اللسان: جزأ، الدر المصون: (1/179).
[1057]:- البيت لعمر بن أبي ربيعة ينظر ديوانه: ص 266، وخزانة الأدب: 11/122، 124، 127، 132، والدرر: 6/100، وشرح أبيات سيبويه: 2/151، والكتاب: 3/175، وشرح شواهد المغني: 1/31، وشرح المفصل: 8/154، ومغني اللبيب: 1/14، والمقاصد النحوية: 4/142، والأزهية: ص127، وبلا نسبة في جواهر الأدب: ص 35، والمحتسب: 1/50، والمقتضب: 3/294، وشرح ابن عقيل: ص 496، وشرح عمدة الحافظ: ص 620، والصاحبي في فقه اللغة: ص 184، ورصف المباني: ص 45، والجنى الداني: ص35، وهمع الهوامع: 2/132، الدر المصون: 1/179.
[1058]:- البيت للأعشى في ديوانه: ص 193، وأساس البلاغة (سبح)، الأشباه والنظائر: 2/109، جمهرة اللغة: ص 278، خزانة الأدب: 1/185، 7/234، 235، 238، الخصائص: 2/435، الدرر: 3/70، شرح أبيات سيبويه: 1/157، شرح شواهد المغني: 2/905، شرح المفصل: 1/37، 120، الكتاب: 1/324، لسان العرب (سبح)، خزانة الأدب: 3/388، 6/286، والمقتضب: 3/218، المقرب: 1/149، همع الهوامع: 1/190، 2/52، الدر المصون: 1/179.
[1059]:- ينظر ديوان امرئ القيس: (104)، القرطبي: (1/191)، اللسان قدس، الدر المصون: (1/180).
[1060]:- ينظر الكشاف: 1/125.
[1061]:- في ب: يشبه.
[1062]:- ينظر المشكل: 1/35.
[1063]:- ينظر الإملاء: 1/28.
[1064]:- البيت لمعن بن أوس في ديوانه: 39، خزانة الأدب: 8/244 و245 و289 و294، شرح التصريح: 2/51، شرح ديوان لحماسة للمرزوقي: 1126، لسان العرب (كبر)، (وجل)، المقاصد النحوية: 3/493، الأشباه والنظائر: 8/140، وأوضح المسالك: 3/161، جمهرة اللغة: 493، شرح الأشموني: 2/322، شرح شذور الذهب: 133، شرح قطر الندى: 23، شرح المفصل: 4/87، القرطبي: 1/191، والمنصف: 3/35، أمالي ابن الشجري: 1/328، والدر المصون: 1/180.
[1065]:- البيتان للعباس بن مرداس ينظر ديوانه: ص 69، والأصمعيات: ص 205، وحماسة البحتري: ص 48، وخزانة الأدب: 8/319، 321، وشرح التصريح: 1/339، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ص 441، 1700، ولسان العرب (قنس)، ونوادر أبي زيد: ص 59، وخزانة الأدب: 7/210، والأشباه والنظائر: 1/344، 4/79، وأمالي ابن الحاجب: 1/460، وشرح الأشموني: 1/291، ومغني اللبيب: ص 2/618، الكشاف: 4/429، الدر المصون: 1/180.
[1066]:- أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس كما ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/95).