اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

قوله : «وَلاَ تُصَعِّرْ » قرأ ابن كثير وابنُ عامر وعاصمٌ «تُصَاعِرْ »{[42479]} بألف وتخفيف العين ، والباقون بالألف وتشديد العين ، والرسم يحتملهما ، فإنه رسم بغير ألف ، وهما لغتان لغةُ الحجاز التخفيف وتميم التثقيل فمن التثقيل قوله :

4050 - وَكُنَّا إِذَا الجَبَارُ صَعَّرَ خَدَّهُ *** أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَيُقَوَّمُ{[42480]}

ويقال أيضاً : تَصَعَّر ، قال :

4051 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** أقَمْنَا لَهُ مِنْ خَدِّه المُتَصَعِّر{[42481]}

وهو من الميل ، وذلك أن المتكبر يميل بِخَدِّهِ تكبراً كقوله { ثَانِيَ عِطْفِهِ } [ الحج : 9 ] . قال أبو عبيدة : أصله من الصَّعَرِ داء يأخذ الإبل في أعناقها فتميل وتَلْتَوِي{[42482]} ؛ يقال : صَعَّرَ وجهه وصاَعَرَ{[42483]} إذا مال وأعرض تكبُّراً ، ورجل أصْعَرُ أي مائل العنق ، وتفسير اليَزِيدِيّ{[42484]} له بأنه التَّشَدُّق في الكلام{[42485]} لا يوافق الآية هنا ، قال ابن عباس : يقول لا تتكبر فتحتقر الناس وتعرض عنهم وجهك إذا كلموك{[42486]} ، وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبين إحْنَةٌ فتلقاه فيعرض عنك{[42487]} بوجهه ، وقال عكرمة : هو الذي إذا سلم عليه لوى عُنُقَه تكبراً{[42488]} ، وقال الربيع بن أنس وقتادة ولا تحتقر الفقراء ليكون الغنيّ والفقير عندك سواء{[42489]} ، واعلم أنه لما أمره بأن يكون كاملاً في نفسه مكملاً لغيره فكان يخشى بعدهما من أمرين :

أحدهما : التكبر على الغير لكونه مكملاً له .

والثاني : التبختر في المشي لكونه كاملاً في نفسه فقال : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ } تكبراً { وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً } أي خُيَلاَءَ { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } في نفسه «فَخُورٍ » على الناس بنفسه .


[42479]:قاله في الإتحاف 350، وابن مجاهد في السبعة 513 والبحر 7/188 والفراء 2/328 والكشاف 3/234.
[42480]:البيت من الطويل. وهو مختلف في نسبته ما بين عمرو بن حنيّ التغلبي والمتلمس. وجيء بالبيت استشهاداً بلغة تميم وهي التثقيل في "صعّر" وقد نسب أبو عبيدة البيت في المجاز 2/127 إلى عمرو، ونسب الأصمعي في الأصمعيات 245 البيت للمتلمس. انظر: البحر المحيط 7/182 والقرطبي 14/69 وابن كثير 3/446 وابن جرير 21/47 ومجمع البيان للطبرسي 7/500 وقد روي البيت بقافية الخطاب والغيبة والإطلاق فروي: "فتقوم" وروي: "فيقوم" كما هو أعلى وروي: "فتقوما" كما في ابن كثير. وانظر اللسان: "ص ع ر" 2247 والتاج: " د ر أ" 1/222.
[42481]:شطر بيت من الطويل عجزاً وصدره: إذا الأصعر الجبار صعر خده *** ........................... وهو للأخطل التغلبيّ وجيء به استشهاداً للغة التثقيل وهي لغة تميم في كلمة "متصعر" وفي الديوان: "متصاعر" بلغة التخفيف وهي لغة أهل الحجاز وعلى ذلك فلا شاهد فيه حينئذ، ويكون شاهداً لقراءة ابن كثير وصحبه أي لا على لغة الحجازيين. انظر: الديوان "433" والقرطبي 14/69 والبحر المحيط.
[42482]:مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/127.
[42483]:انظر: اللسان:" ص ع ر" 2447.
[42484]:اليزيدي: يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد اليزيديّ النحوي المقرئ، حدث عن أبي عمرو والخليل وعنهما أخذ العربية، صنف مختصراً في النحو، المقصور والممدود، النوادر وغير ذلك مات سنة 202 هـ انظر: بغية الوعاة 2/340.
[42485]:نقله في البحر 7/182.
[42486]:زاد المسير 6/322.
[42487]:السابق.
[42488]:السابق.
[42489]:وهو رأي أبي العالية أيضاً. انظره في زاد المسير 6/322.