مكية{[1]} نزلت بعد آل عمران ، وهي ثلاث وسبعون آية ومائتان وثمانون كلمة وخمسة آلاف وسبعمائة حرف .
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا النبي اتق الله } اعلم أن الفرق ين نداء المنادى بقوله : «يَا رَجُلُ » ويا أيُّهَا الرَّجُل ، أن قوله : «يَا رَجُل » يدل على النداء ، وقوله : «يا أيها الرجل » يدل على ذلك وينبئ عن خطر المنادى له أو غفلة المنادى فقوله : «يا أيها » لا يجوز حمله على غفلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن قوله : «النبي » ينافي الغفلة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبيرٌ ، فلا يكون غافلاً ، فيجب حمله على خَطَر الخَطْب{[42983]} .
فإن قيل : الأمر بالشيء{[42984]} لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمورية إذْ لا يصلح أن ( يكون ){[42985]} يقال للجالس : اجلس وللساكت{[42986]} اسْكُتْ والنبي - عليه الصلاة والسلام{[42987]} - كان متقياً فما الوجه في قوله «اتق الله » ؟ .
فالجواب : أنه أمر ( بالمدينة{[42988]} ) بالمداومة فإنه يصح أن يقال للجالس : اجلس ههنا إلى أن يأتيك ويقال للساكت قد أصبت فاسكت تسلم أي دُمْ على ما أنت عليه ، وأيضاً من جهة العقل أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي - عليه ( الصلاة{[42989]} و ) السلام لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني ، وأما الثالث : فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا فكيف والأمور البدنية شاغلة فالآدَميُّ في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على ما لا بد منه وإن كان معه الله وإلى هذا أشار بقوله : { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ } [ الكهف : 110 ] يعني{[42990]} برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فأُمِرَ بتقوى توجب استدامة الحضور ، وقال المفسرون : نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور{[42991]} عمرو بن أبي ( رأس المنافقين ) بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمان على أن يكلموه فقام ( معهم{[42992]} ) عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح ، وطُعْمَةُ بن أُبَيْرِق فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ارفض ذكر آلهتنا اللاتَ والعُزَّى ومَنَاةَ وقل إن لها شفاعةً لمن عبدها وندعك وربَّك فشق على النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم فقال عمر : يا رسول اللَّهِ ائذنْ لي في قتلهم{[42993]} . فقال : إني قد أعطيتهم الأمان . فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أن يُخْرِجَهُمْ من المدينة فأنزل الله : { يا أَيُّهَا النبي اتق الله } أي دُم على التقوى كما يقول الرجل لغيره وهو قائم : «قُمْ{[42994]} قائماً » أي اثبتْ{[42995]} قائماً ، وقيل : الخطاب مع{[42996]} النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد الأمة ، وقال الضحاك معناه : اتق الله ولا تَنْقُضِ العهد الذي بينك وبينهم .
قوله : { وَلاَ تُطِعِ الكافرين } أي من أهل مكة يعني أبا سفيان ، وعكرمة وأبا الأعور ، والمنافقين من أهل المدينة عبد الله بن أبي ، وطعمة { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً ( حَكِيماً{[42997]} } بخلقه قبل أن يخلقهم حكيماً فيما دبره لهم .
فإن قيل : لم خص الكافر{[42998]} والمنافق بالذكر مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن لا يطع أحداً غير الله ؟ .
الأول : أن ذكر الغير لا حاجة إليه لأن غيرهما لا يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم {[42999]}- الإتباع ولا يتوقع أن يصير النبي - صلى الله عليه وسلم - مطيعاً له بل يقصد اتباعه ولا يكون عنده إلا مطاعاً .
الثاني : أنه ( تعالى ){[43000]} لما قال : { ولا تطع الكافرين والمنافقين } منعه ( من ){[43001]} طاعة الكل لأن كل من طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - طاعته فهو كافر أو منافق لأن من يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر إيجاب معتقداً{[43002]} أنه لو لم يفعله يعاقبه{[43003]} بحق يكون{[43004]} كافراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.