قوله : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِه } «مَنْ » موصول مبتدأ وما بعده صلته والخبر محذوف فقدره الكسائِيُّ «تذهب نفسك عليهم حَسَرَاتٍ » لدلالة : «فَلاَ تَذْهَب » عليه{[45048]} وقدره الزجاج : «وأَضَلَّهُ اللَّهُ كَمَنْ هَدَاهُ »{[45049]} وقدره غيرهما كمن لم يُزَيَّنْ له . وهو أحسن ، لموافقته لفظاً ومعنى{[45050]} ونظيره «أفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ ( هُوَ أعْمَى ) »{[45051]} { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى } [ الرعد : 19 ] والعامة على «زُيِّنَ » مبنياً للمفعول «سُوءُ » رفع {[45052]} وعُبَيْدُ بْنُ عَمَيْر{[45053]} زَيَّنَ مبنياً للفاعل وهو الله «سُوءَ » بالنصب به . وعنه «أَسْوأَ » بصيغة التفضيل منصوباً{[45054]} وطلحةُ{[45055]} «أَمَنْ » بغير فاء{[45056]} قال أبو الفضل : الهمزة للاستخبار بمعنى العامة للتقرير ويجوز أن تكون بمعنى حرف النداء فحذف التَّمَامُ كما حذف من المشهور{[45057]} الجواب ، يعني أنه يجوز في هذه القراءة أن تكون الهمزة للنداء وحذف التّمام أي ما{[45058]} نُودي لأجله كأنه قيل : يَا مَنْ زينَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ارْجِع إلى الله وتب إليه ، وقوله : «كما حذِف الجواب » يعني به خبرَ المبتدأ الذي تَقدَّم تقريره{[45059]} .
قال ابن عباس : نزلت في أبي جهل ومشركي مكة{[45060]} وقال سعيد بن جبير : نزلت في أصحاب الأهْوَاء والبِدَع{[45061]} فقال{[45062]} قتادة : منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم فأما أهل الكبائر فليسوا منهم لأنهم لا يستحلون الكبائر . ومعنى زين له سوء عمله شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبح{[45063]} عمله فرآه حسناً زين له الشيطان ذلك بالوسواس . وفي الآية حذف مجازه : أفمن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فرأى الباطل حَقًّا كَمَنْ هداه الله فرأى الحق حقاً والباطل باطلاً{[45064]} ؟ «فإنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء » وذلك لأن أشخاص الناس متساوية في الحقيقة والإساءة والإحسان والسيئة والحسنة تمتاز بعضها عن بعض فإذا عرفها البعض دون البعض لا يكون ذلك بالاستقلال منهم فلا بدّ من الاستناد إلى إرادة الله تعالى{[45065]} .
ثم سلى- رسول الله صلى الله عليه وسلم - حيث حزن على إصرارهم بعد إتيانه بكل آية ظاهرة وحجةٍ قاهرة{[45066]} فقال : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } كقوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } [ الكهف : 6 ] أي لا تغتمّ بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا .
قوله : { فَلاَ تَذْهَبْ } العامة على فتح التاء مسنداً «لِنَفْسِك » من باب «لاَ أَرَيَنَّكَ هَهُنَا »{[45067]} أي لا تتعاط أسباب ذلك . وقرأ أبو جعفر{[45068]} وقتادة والأشهب{[45069]} بضم التاء وكسر مسنداً لضمير المخاطب ( و ) نَفْسَك مفعول به{[45070]} .
قوله : { حَسَرَاتٍ } فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول من أجله أي لأَجْلِ الحَسَرَاتِ .
والثاني : أنه في موضع الحال على المبالغة{[45071]} كأن كلها صَا ( رَ ){[45072]} تْ حَسَرَاتٍ لفرط التحسر كما قال :
4152- مشَقَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى . . . حَتَّى ذَهَبْنَ كَلاَكِلاً وَصُدُوراً{[45073]}
يريد : رجعن كلاكلاً وصدرواً ، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها كقولهم ( شعر ){[45074]} :
4153- فَعَلَى إثْرِهم تَسَاقَطُ نَفْسِي . . . حَسَرَاتٍ وذَِكْرُهُم لِي سَقَامُ{[45075]}
وكون «كلاكل وصدور » حال قول{[45076]} سيبويه{[45077]} وجعلهما المُبَرِّدُ تَمْييزين منقولين من الفاعلية{[45078]} والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر . ثم قال : { إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون } أي الله عالم بفعلهم{[45079]} يجازيهم على ما يصنعونه ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.