قوله : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ } مبتدأ و{ يًسَبحُونَ } خبره ، والعامة على فتح عين العَرش وابن عباس في آخرينَ بضَمَّها{[47925]} . فقيل : يحتمل أن يكون جمعاً لعَرْش كسُقُفٍ{[47926]} في سَقْفٍ وقوله { مِنْ حَوْلِهِ } يحتمل أن يكون مرفوع المحل عطفاً على { الذين يحملون العرش } أخبر عن الفريقين بأنهم يسبحون ، وهذا هو الظاهر ، وأن يكون منصوب المحل عطفاً على { العَرْشِِ } يعني أنهم يحملون أيضاً الملائكة الحافين بالعرش ، وليس بظاهر{[47927]} .
لما بين أن الكفار يبالغون في إظهار العداوة مع المؤمنين بين أن أشرف طبقات المخلوقات هم الملائكة الذين هم حملة العرش والحافّون حول العرش يبالغون في إظهار المحبة والنصرة للمؤمنين ، فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الأراذل يبالغون في العداوة فلا تلفت{[47928]} إليهم ولا تُقِمْ لهم وزناً فإن حملة العرش معك ، والحافّون من حول العرش ينصرونك وهم الكُرُبِيُّونَ ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمِائةِ عام ، وروى جعفرُ بْنُ محمد عن أبيه عن جده أنه قال : بين القائمةِ من قوائم العرش والقائمة الثانية خَفَقان الطير المسرع ثلاثين ألف عامٍ{[47929]} . وقال مجاهد : بينَ السماءِ الثانية وبين العرش سبعونُ ألف حجاب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وقال وهب بن منبه : إن حول العرشِ سبعونَ ألف صفٍّ من الملائكة ، صفّ خلف صفّ يطوفون بالعرش .
قوله { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } قال شهر بن حوشب : حملةُ العرش ثمانيةٌ ، فأربعةٌ منهم يَقُولُون : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَكَ الحَمْدُ عَلَى حِلْمك بعد عِلْمك ، وأربعةٌ منهم يقولون : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ لك الحمدُ على عَفْوِك بعْدَ قدْرَتِكَ ؛ قال : وكأنهم يرون ذنوب بني آدَمَ{[47930]} .
وقوله : { ويُؤمِنُونَ بِهِ } فيه سؤال{[47931]} وهو أن يقال : ما الفائدة في قوله { ويؤمنون به } مع أن الاشتغال بالتسبيح والتحميد لا يمكن إلا بعد سبق الإيمان بالله ؟
وأجاب الزمخشري : بأن المقصودَ منه التنبيه على أن الله تعالى لو كان حاضراً لكان حملة العرش والحافون بالعرش يشاهدونه ويعاينونه ، ولو كان كذلك لما كان إيمانهم بوجود الله موجباً للمدْح والثناء لأن الإقرارَ بوُجُود شيءٍ مشاهد معاين لا يوجب المدح والثناء ، ألا ترى أن الإقرار بوجود الشمس وبكونها مضيئةً لا يوجب المدح والثناء ؟ فلما ذكر الله سبحانه وتعالى إيمانهم بالله على سبيل المدح والثناء والتعظيم دل على أنهم إنما آمنوا به مع أنهم ما شاهدوه حاضراً جالساً هُنَاكَ .
قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } اعلم أن كمال السعادة بأمرين :
أحدِهِمَا : التعظيم لأمر الله .
والثاني : الشفقة على خلق الله ، ويجب أن يكون التعظيم لأمر الله مقدماً على الشفقة على خلق الله ، فقوله تعالى : { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } مشعر بالتعظيم لأمر الله ، وقوله { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } مشعرٌ بالشفقة على خلق الله ، واحتج كثير من العلماء بهذه الآية على أن المَلَكَ أفضلُ من البشر ؛ لأنها دلت على أن الملائكة لما فرغوا من ذكر الله تعالى بالثناء والتقدير اشتغلوا بالاستغفار لغيرهم وهم المؤمنون وهذا يدل على أنهم مستغنون بأنفسهم ؛ إذ لو كانوا محتاجين إلى الاستغفار لاستغفروا لأنفسهم أولاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم «ابدأ بنفسك »{[47932]} ولقوله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام { واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } [ محمد : 11 ] وقال{[47933]} عن نوح عليه الصلاة والسلام { رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } [ نوح : 28 ] وهذا يدل على أن من كان محتاجاً إلى الاستغفار ( فإنه يقدم الاستغفار{[47934]} لنفسه على الاستغفار لغيره والملائكة لو كانوا محتاجين إلى الاستغفار ) لاستغفروا لأنفسهم أولاً ثم استغفروا لغيرهم ، ولما لم يذكر الله تعالى استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم لم يكونوا محتاجين إلى الاستغفار ، وأما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم كانوا محتاجين إلى الاستغفار لقوله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام «واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » فظهر أن الملك أفضل من البشر والله أعلم{[47935]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.