اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ} (10)

وأيضاً ترتب عليه قوله تعالى : { فَدَعَا رَبَّهُ } ، وهذا الترتب في غاية الحسن ، لأنهم لَمَّا زَجَرُوهُ وانْزَجَرَ هو عن دعائهم دعا ربه أَنِّي مَغْلُوبٌ{[53956]} .

قوله : «أَنِّي مغلوب » العامة على فتح الهمزة ؛ أي دعا بأَنِّي مغلوبٌ ، وجاء بهذا على حكاية المعنى ولو جاء على حكاية اللفظ لقال : إنِّي مغلوب وهما جائزان .

وعن ابن أبي إسحاق والأعمشِ - ورُوِيَتْ عن عاصمٍ{[53957]} - بالكسر إما على إضمار القول{[53958]} ، أي فقال فسّر به الدعاء ، وهو مذهب البَصْريّين ، وإما إجراء للدعاء مُجْرَى القول . وهو مذهب الكوفيين{[53959]} .

فصل

في معنى مغلوب وجوه :

أحدها : غلبني الكفار فانْتَصْر لي منهم .

ثانيها : غَلَبَتْنِي نَفْسِي وَحَمَلَتْنِي على الدعاء عليهم ، فانْتَصِرْ لي من نفسي . قاله ابن عطية . وهو ضعيف{[53960]} .

ثالثها : أن يقال : إِنَّ النبي لا يدعو على قومه ما دام في نفسه احْتِمَالٌ وحِلْمٌ ، واحتمال نفسه يمتد ما دام الإيمان منهم محتملاً ، ثم إنَّ يأسه يحصل والاحتمال والحلم يفر الناس{[53961]} مدة بدليل قوله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الشعراء : 3 ] { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] وقال لنُوحٍ - عليه الصلاة والسلام - : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ } [ هود : 37 ] و[ المؤمون : 27 ] فقال نوح : يا إِلهي إن نفسي غلبتني وقد أمَرْتَنِي بالدُّعاء عليهم فأهلكتهم فيكون معناه مغلوب بحكم البشرية أي غُلبت وعِيلَ صَبْرِي فانْتَصِرْ لي منهم لا من نفسي .

قال ابن الخطيب : وهذا الوجه مُرَكَّبٌ من الوجهين . وهو أحسنهما .

وقوله : «فَانْتَصِرْ » أي فانتصر لِي أو لنفسك ، فإِنهم كفروا بك ، أو انتصر للحَقِّ{[53962]} .


[53956]:السابق أيضا وانظر البغوي 6/274 والقرطبي 17/131.
[53957]:ولم تُرْوَ عنه في المتواتر، وهي قراءة شاذة ذكرها صاحب البحر 8/176، وصاحب الكشاف 4/37.
[53958]:قاله الزمخشري وأبو حيان في مرجعيهما السابقين.
[53959]:وقال بهذه التوجيهات ناقلا رأي البصرة والكوفة أبو حيان في بحره السابق.
[53960]:لما فيه من الضعف والخور من نبيٍّ كنوح –عليه السلام-. وانظر رأي ابن عطية في الرازي 15/37.
[53961]:كذا في النسختين وفي الرازي: والاحتمال يفر بعد اليأس بمدّة.
[53962]:وانظر كل هذا في تفسير الإمام الرازي 15/37.