اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ} (23)

قوله : { كَذَّبَتْ ( ثَمُودُ بالنّذُر } اعلم أَنَّه تعالى لم يقل في قوم نوح : «كَذَّبْت قَوْمُ نُوحِ ) {[54059]} بالنذر » وكذلك في قصة عاد . لأن المراد بقوله : { كذبت قبلهم قوم نوح } أن عادتهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحاً على مذهبهم وعادتهم .

وإنما صرح ههنا ، لأن كل قوم يأتون بعد قوم ، فالمكذِّب المتأخر يكذب المرسلينَ جميعاً حقيقةً ، والأولون يكذبون رسولاً واحداً حقيقة ويلزم منه تكذيب من بعده تبعاً ، ولهذا المعنى قال في قوم نوح : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين } [ الشعراء : 105 ] وقال في عاد : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } [ هود : 59 ] فذكر بلفظ الجمع المُسْتَغْرق ثم إنه تعالى قال عن نوح : { رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } [ الشعراء : 117 ] ولم يقل : كَذَّبُوا رُسُلَكَ إشارةً إلى ما صدر منهم حقيقة لا إلى ما لزم منه ، وقوله تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر } إن قلنا : إن النذر هم الرسل فهو كما تقدم ، وإن قلنا : إن النذر هي الإنذارات فنقول{[54060]} : قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم .

وأما ثمود فأُنْذِرُوا وأُخْرِجَ لهم ناقة من صخرةٍ وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإِنذاراتٍ وآياتٍ ظاهرة فصرَّح بها{[54061]} .


[54059]:ما بين القوسين سقط من أ الأصل؛ بسبب انتقال النظر.
[54060]:في ب فيقولون.
[54061]:قال بهذه الإعمالات العقلية الاجتهادية فخر الدين الرازي في مرجعه السابق.