قوله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } .
هذا هو القسم عليه ، وعلى هذا فيكون في هذا الكلام اعتراضان{[55065]} :
أحدهما : الاعتراض بقوله : «وإنه لقسم » بين القسم والمقسم عليه .
والثاني : الاعتراض بقوله : «لو تعلمون » بين الصفة والموصوف .
ومنع ابن عطية{[55066]} أن يجعل قوله : «وإنه لقسمٌ » اعتراضاً .
فقال : «وإنه لقسم » تأكيد للأمر ، وتنبيه من المقسم به ، وليس هذا باعتراض بين الكلامين ، بل هذا معنى قصد التهكُّم به ، وإنما الاعتراض قوله : { لَّوْ تَعْلَمُونَ } .
قال شهاب الدين{[55067]} : «وكونه تأكيداً ومنبّهاً على تعظيم المقسم به لا ينافي الاعتراض ، بل هذا معنى الاعتراض وفائدته » .
«والهاء » في «إنه لقرآن » تعود على القرآن ، أي : إن القرآن لقسم عظيم .
قاله ابن عبَّاس وغيره{[55068]} .
وقيل{[55069]} : أي ما أقسم الله به عظيم { إنه لقرآن كريم } ذكر المقسم عليه ، أي : أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن قرآن ليس بسحرٍ ولا كهانة ولا بمفترى ، بل هو قرآن كريم ، محمود جعله الله معجزة نبيه ، وهو كريم على المؤمنين ؛ لأنَّه كلام ربهم وشفاء صدورهم ، كريم على أهل السماء والأرض ؛ لأنه تنزيل ربهم ووحيه .
وقيل : «كريم » أي : غير مخلوق .
وقيل : «كريم » لما فيه من كرم الأخلاق ، ومعالي الأمور .
وقيل : لأنه يكرم حافظه ، ويعظم قدره .
قال ابن الخطيب{[55070]} : «كريم » أي : لا يهون بكثرة التلاوة ؛ لأن الكلام متى أعيد وكرر استهين به ، والقرآن يكون إلى آخر الدهر ، ولا يزداد إلاَّ عزاً . والقرآن إما ك «الغُفْرَان » ، والمراد به المفعول ، وهو المقروء كقوله : [ هَذَا خلقُ اللَّه ]{[55071]} وإما اسم لما يقرأ ك «القُرْبَان » لما يتقرب به ، والحُلْوان لما يحلى به فم الكاهن ، وعلى هذا يظهر فساد قول من رد على الفقهاء قولهم في باب الزَّكاة : يعطي شيئاً أعلى مما وجب ويأخذ الجبران أو شيئاً دونه ، ويعطي الجبران لأن الجبران مصدر لا يؤخذ ولا يعطى ، فيقال له : هو كالقرآن بمعنى المقرُوء .
فمعنى «كريم » أي : مقروء ، قرئ : ويقرأ بالفتح ، فإن معنى «كريم » أي : لا يهون بكثرة التلاوة ، ويبقى أبد الدَّهر كالكلام الغضِّ ، والحديث الطَّري .
وهو هنا يقع في وصف القرآن بالحديث ، مع أنه قديم يستمد من هذا مدداً ، فهو قديم يسمعه السَّامعون كأنه كلام [ الساعة ]{[55072]} .
قوله : { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } . مصون عند الله .
وقيل : «مَكْنُون » محفوظ عن الباطل ، والكتاب هنا : كتاب في السَّماء{[55073]} .
قاله ابن عبَّاس{[55074]} .
وقال جابر بن زيد وابن عباس أيضاً : هو اللوح المحفوظ{[55075]} .
وقال عكرمة : التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن{[55076]} .
وقال السدي : الزَّبُور{[55077]} .
وقال قتادة ومجاهد : هو المصحف الذي في أيدينا{[55078]} .
قال ابن الخطيب{[55079]} : قوله تعالى : { فِي كِتَابٍ } يستدعي شيئاً مظروفاً للكتاب وفيه وجهان :
أحدهما : أنه القرآن ، أي : هو قرآن في كتاب ، كقولك : «فلان رجلٌ كريم في نفسه » لا يشك السامع بأن المراد منه أن في الدَّار قاعد ، وأنه لا يريد به أنه رجل إذا كان في الدَّار غير رجل إذا كان خارجاً ، ولا يشك أيضاً أنه لا يريد أنه كريم وهو في البيت ، فكذلك هاهنا معناه : أنه كريم في كتاب .
فإذا قيل : «فلان رجل كريم في نفسه » يعلم كل أحد أن القائل لم يجعله رجلاً مظروفاً ، وأن القائل لم يرد أنه رجل في نفسه قاعد أو قائم ، وإنما أراد أن كرمه في نفسه ، وكذا قوله : «قرآن كريم ، في لوح » أي : أنه لم يكن كريماً عند الكُفَّار .
الثاني : أن المظروف هو مجموع قوله تعالى : { لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } أي : هو كذا في كتاب كقوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } [ المطففين : 19 ] ، كتاب أي : في كتاب الله تعالى .
والمعنى : أن في اللوح المحفوظ مكتوب : إنه قرآن كريم .
قال ابن الخطيب{[55080]} : فإن قيل : كيف سمي الكتاب كتاباً ، والكتاب «فِعَال » وهو إما مصدر كالحِساب والقِيام ونحوهما ، أو لما يكتب كاللِّباس ونحوه ، وكيفما كان ، فالقرآن لا يكون في القِرْطَاس ؛ لأنه بمعنى المصدر ، ولا يكون في مكتوب ، وإنما يكون مكتوباً في لوح ، أو ورق ، فالمكتوب لا يكون في الكتاب ، وإنما يكون في القرطاس ؟ .
وأجاب بأن اللوح لما لم يكن إلاَّ لأن يكتب فيه صح تسميته كتاباً .
وقوله : { فِي كِتَابٍ } إما خبر بعد خبر ، وإما صفة ل «كريم » ، وإما معمول ل «كريم » .
والأصح أنَّ الكتاب المكنون هو اللوحُ المحفوظ ، لقوله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21 ، 22 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.