قوله : { مُّتَّكِئِينَ } . حال من مفعول «جزاهم » والعامل فيها «جزى » ولا يعمل فيها «صبروا » ؛ لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتِّكاء في الآخرة .
وقرأ علي{[58891]} - رضي الله عنه - «وجازاهم » .
وجوَّز أبو البقاء : أن يكون صفة ل «جَنَّةً » .
وهذا لا يجوز عند البصريين ؛ لأنه كان يلزم بروز الضمير ، فيقال : «مُتَّكِئِينَ هُمْ فِيهَا » لجريان الصفة على غير من هي له .
وقد منع مكي أن يكون «متكئين » صفة ل «جنة » لما ذكرنا من عدم بروز الضمير .
وممن ذهب إلى كون «متكئين » صفة ل «جنة » ، الزمخشري ، فإنه قال : «ويجوز أن يكون مُتَّكئينَ ، ولا يَروْنَ ، ودَانيةً ، كلها صفات الجنة » . وهو مردود بما تقدم .
ولا يجوز أن يكون «متكئين » حالاً من فاعل «صبروا » ؛ لأن الصبر كان في الدنيا ، واتكاؤهم إنما هو في الآخرة . قال معناه مكي .
ولقائل أن يقول : إن لم يكن المانع إلا هذا فاجعلها حالاً مقدرة ، لا ما لهم بسبب صبرهم إلى هذه الحالة ، وله نظائر .
قال ابن الخطيب{[58892]} : وقال الأخفش : وقد ينصب على المدح والضمير في «فيها » أي في الجنة وقال الفراء : وإن شئت جعلت «متكئين » تابعاً ، كأنه قال : جزاؤهم جنة متكئين فيها .
والأرائك : السُّرُر في الحجال ، وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : إحداها الأريكة لا تكون إلاَّ حجلة على سرير . وثانيها : السَّجل ، وهو الدلو الممتلئ ماء ، فإذا صفرت لم تسم سجلاً ، وكذلك الذنُوب لا تسمى ذَنوباً حتى تملأ ، قاله القرطبي{[58893]} .
وهذا فيه نظر ، لأنه قد ورد في شعر العرب يصف البازي ؛ قال : [ الكامل ]
5042- . . . *** يَغْشَى المُهَجْهِجْ كالذَّنُوبِ المُرسَلِ{[58894]}
يعني الدَّلو إذا ألقي في البئر ، وهو لا يلقى في البئر إلا إذا كان فارغاً .
قال : والكأس لا تسمى كأساً حتى تُترعَ من الخمر ، قال : وكذلك الطبق الذي تهدى فيه الهدية إذا كانت فيه يسمى مِهْدًى ، فإذا كان فارغاً يُسمَّى طبقاً أو خواناً .
قال ابن الأعرابي : مِهْدى - بكسر الميم - ، ولا يسمى الطبق مهدى إلا وفيه ما يهدى ، والمهداء - بالمد - الذي من عادته أن يهدى .
وقيل : الأرائك : الفرش على السرر ؛ قال ذو الرمة : [ الطويل ]
5043- خُدودٌ جَفتْ في السَّيْرِ حتَّى كأنَّمَا *** يُبَاشِرْنَ بالمَعْزَاءِ مسَّ الأرَائِكِ{[58895]}
قوله : { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً } . فيها أوجه :
أحدها : أنها حال ثانية من مفعول «جزاهم » .
الثاني : أنها حال من الضمير المرفوع المستكن في «متَّكئينَ » فتكون حالاً متداخلة .
الثالث : أن تكون صفة ل «جنة » ك «متكئين » عند من يرى ذلك - كما تقدم - عن الزمخشري .
والزمهرير : أشد البرد ، وهذا هو المعروف ؛ وقيل : هو القمرُ بلغة طيّىء ، وأنشد : [ الرجز ]
5044- فِي لَيْلةٍ ظلامُهَا قد اعْتكَرْ *** قطَّعتُهَا والزَّمهرِيرُ مَا نَهَرْ{[58896]}
ويروى : ما ظهر ، أي : لم يطلع القمر ، والمعنى : لا يرون فيها شمساً كشمس الدنيا ، ولا قمراً كقمر الدنيا ، أي : أنهم في ضياء مستديم ، لا ليل فيه ولا نهار لأن ضوء النهار بالشمس ، وضوء الليل بالقمر ، والمعنى : أن الجنة لا يحتاج فيها إلى شمس ولا إلى قمر ، ووزنه «فعلليل » ، وقيل : المعنى : لا يرون في الجنَّة شدة حر كحرِّ الشمس ، ولا زمهريراً ، أي : ولا برداً مفرطاً .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اشْتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّهَا سُبحانَهُ ، قالتْ : يَا ربِّ ، أكَلَ بَعْضِي بعْضاً ، فجعلَ لَهَا نفسينِ : نفساً في الشِّتاء ، ونفساً في الصَّيْف فشِدَّةُ ما تَجِدُونَ من البَرْدِ من زَمْهَرِيرِهَا ، وشدَّةِ ما تَجِدُونَ من الحرَِّ في الصَّيْفِ من سَمُومِهَا »{[58897]} .
قال مرة الهمداني : الزمهرير : البرد القاطع .
وقال مقاتل بن حيان : هو شيء مثل رءوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : هو لونٌ من العذاب ، وهو البرد الشديد ، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم في النار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوماً واحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.