اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِيلٗا} (23)

قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا } . يجوز أن يكون توكيداً لاسم «إن » وأن يكون فصلاً و «نَزَّلْنَا » على هذين الوجهين هو خبر «إن » ، ويجوز أن يكون «نحن » مبتدأ ، و«نَزَّلْنَا » خبره والجملة خبر «إنَّ » .

وقال مكي : «نَحْنُ » في موضع نصب على الصِّفة لاسم «إن » لأن المضمر يوصف بالمضمر ؛ إذ هو بمعنى التأكيد لا بمعنى الغلبةِ ، ولا يوصف بالمظهر ؛ لأنه بمعنى التَّحلية والمضمر مستغن عن التحلية ، لأنه لم يضمرْ إلا بعد أن عرف تحليته وعينه ، وهو محتاج إلى التأكيد لتأكيد الخبر عنه .

قال شهاب الدين{[58960]} : وهذه عبارة غريبة جدًّا ، كيف يجعل المضمر موصوفاً بمثله ، ولا نعلم خلافاً في عدم جواز وصف المضمر إلا ما نقل عن الكسائي أنه جوّز وصف ضمير الغائب بضمير آخر ، فلا خرف في عدم جوازه ، ثم كلامه يؤول إلى التأكيد فلا حاجة إلى العدول عنه .

فصل في مناسبة اتصال الآية بما قبلها

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجةً إليه ، فليس بسحرٍ ولا كهانةٍ ولا شعرٍ وأنه حقٌّ .

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - أنزل القرآن متفرقاً آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة فلذلك قال : «نَزَّلْنَا »{[58961]} .

قال ابن الخطيب{[58962]} : المقصود من هذه الآية تثبيت الرسول وشرح صدره فيما نسبوه إليه من كهانة وسحر ، فذكر تعالى أن ذلك وحي من الله تعالى ولا جرم بالغ في تكرار الضمير بعد إيقاعه تأكيداً على تأكيد فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الكفار يقولون : إن ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق ، أقول على سبيل التأكيد : إن ذلك وحيٌ حقٌّ وتنزيلُ صدقٍ من عندي ، وفي ذلك فائدتان :

إحداهما : إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار ؛ لأن الله - تعالى - عظّمهُ وصدقه .

والثانية : تقويته على تحمُّل مشاق التكليف ، فكأنه - تعالى - يقول : إني ما نزلت عليك القرآن متفرقاً إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين ، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال .


[58960]:الدر المصون 6/450.
[58961]:ينظر القرطبي (19/96) والطبري (12/373).
[58962]:ينظر الفخر الرازي (30/227).