قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } .
قرأ الكسائي : «لا يعذَّب{[60177]} ولا يُوثَقُ » مبنيين للمفعول ، ورواه أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الثاء والذال ، والباقون : قرأوهما مبنيين للفاعل .
فأمَّا قراءة الكسائي : فأسند الفعل فيها إلى : «أحد » ، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى ، والزبانية المتولون العذاب بأمر الله تعالى ، وأما عذابه ووثاقه ، فيجوز أن يكون المصدران مضافين للفاعل ، والضمير لله تعالى ، أو مضافين للمفعول ، والضمير للإنسان ، ويكون «عذابَ » واقعاً موقع تعذيب ، والمعنى : لا يُعذِّبُ أحدٌ مثل تعذيب الله - تعالى - هذا الكافر ، ولا يوثق أحد توثيقاً مثل إيثاق الله إياه بالسلاسل والأغلال ولا يعذب أحد مثل تعذيب الكافر ولا يوثق مثل إيثاقه لكفره ، وعناده .
والوثاق : بمعنى : الإيثاق ، كالعطاء بمعنى الإعطاء ، إلا أن في إعمال اسم المصدر عمل مسمَّاه خلافاً مضطرباً ، فنقل عن البصريين المنع ، وعن الكوفيين الجواز ، ونقل العكس عن الفريقين ؛ ومن الإعمال قوله : [ الوافر ]
5208- أكُفْراً بعْدَ ردِّ المَوْتِ عنِّي *** وبَعْدَ عَطائِكَ المِائةَ الرِّتَاعَا{[60177]}
ومن منع : نصب المائة بفعل مضمرٍ ؛ وأصرح من هذا القول الشاعر : [ الطويل ]
5209-*** . . . تُكَلِّمُنِي فِيهَا شفاءٌ لمَا بِيَا{[2]}
وقيل : المعنى : ولا يحمل عذاب الإنسان أحد ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } [ الأنعام : 164 ] . قاله الزمخشري{[3]} .
وأما قراءة الباقين : فإنَّه أسند الفعل لفاعله ، والضمير في : «عذابه » ، و«وثاقه » يحتمل عوده على الباري - تعالى - ، بمعنى : أنه لا يعذب في الدنيا ، مثل عذاب الله تعالى يومئذ أحد ، أي : أن عذاب من يعذب في الدنيا ، ليس كعذاب الله - تعالى - يوم القيامة ، كذا قاله أبو عبد الله .
وفيه نظر ، من حيث إنه يلزم أن يكون : «يومئذ » معمولاً للمصدر التشبيهي ، وهو ممتنع لتقدمه عليه ، إلاَّ أن يقال : إنه توسع فيه .
وقيل : المعنى : لا يكل عذابه ، ولا وثاقه لأحد ؛ لأن الأمر لله - تعالى - وحده في ذلك .
وقيل : المعنى : أنه في الشدة ، والفظاعة ، في حين لم يعذب أحد في الدنيا مثله .
ورد هذا ، بأن «لا » ، إذا دخلت على المضارع صيرته مستقبلاً ، وإذا كان مستقبلاً لم يطابق هذا المعنى ، ولا يطلق على الماضي إلاَّ بمجازٍ بعيد ، وبأن يومئذ المراد به يوم القيامة ، لا دار الدُّنيا .
وقيل : المعنى : أنه لا يعذب أحد في الدنيا ، مثل عذاب الله الكافر فيها ، إلا أن هذا مردود بما ورد قبله .
ويحتمل عوده على الإنسان ، بمعنى : لا يعذب أحد من زبانية العذاب ، مثل ما يعذبون هذا الكافر ، ويكون المعنى : لا يحمل أحد عذاب الإنسان ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } [ الأنعام : 164 ] ، وهذه الأوجه صعبة المرام على طالبها من غير هذا الكتاب .
وقرأ نافع{[4]} في رواية ، وأبو جعفر وشيبة ، بخلاف عنهما : «وثاقه » بكسر الواو .
والمراد بهذا الكافر المعذب ، قيل : إبليس - لعنه الله - ؛ لأنه أشد الناس عذاباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.