مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر

{ اقتربت الساعة وانشق القمر } أول السورة مناسب لآخر ما قبلها ، وهو قوله : { أزفت الآزفة } فكأنه أعاد ذلك مع الدليل ، وقال قلت : { أزفت الآزفة } وهو حق ، إذ القمر انشق ، والمفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق ، وحصل فيه الانشقاق ، ودلت الأخبار على حديث الانشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة ، وقالوا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الانشقاق بعينها معجزة ، فسأل ربه فشقه ومضى ، وقال بعض المفسرين المراد سينشق ، وهو بعيد ولا معنى له ، لأن من منع ذلك وهو الفلسفي يمنعه في الماضي والمستقبل ، ومن يجوزه لا حاجة إلى التأويل ، وإنما ذهب إليه ذلك الذاهب ، لأن الانشقاق أمر هائل ، فلو وقع لعم وجه الأرض فكان ينبغي أن يبلغ حد التواتر ، نقول : النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتحدى بالقرآن ، وكانوا يقولون : إنا نأتي بأفصح ما يكون من الكلام ، وعجزوا عنه ، فكان القرآن معجزة باقية إلى قيام القيامة لا يتمسك بمعجزة أخرى فلم ينقله العلماء بحيث يبلغ حد التواتر . وأما المؤرخون فتركوه ، لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم ، وهو لما وقع الأمر قالوا : بأنه مثل خسوف القمر ، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم ، والقرآن أدل دليل وأقوى مثبت له ، وإمكانه لا يشك فيه ، وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وقوعه ، وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث اللئام ، وقد ثبت جواز الخرق والتخريب على السماوات ، وذكرناه مرارا فلا نعيده .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم وإمهالهم ليوم يخرجون فيه من الأجداث كأنهم جراد منتشر .

وتتابعت الآيات بعد ذلك ، تعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مع رسلهم ، والعذاب الذي حاق بهم ، وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسر لمن يطلب العظة والاعتبار .

منتهية إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب ، ثم ختمت السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصائرهم يوم يسبحون في النار على وجوههم ، ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم التي كنتم بها تكذبون ، وتطمئن المتقين إلى منازلهم في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

1- دنت القيامة وسينشق القمر لا محالة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية وآياتها خمس وخمسون

هذه السورة من مطلعها إلى ختامها حملة رعيبة مفزعة عنيفة على قلوب المكذبين بالنذر ، بقدر ما هي طمأنينة عميقة وثيقة للقلوب المؤمنة المصدقة . وهي مقسمة إلى حلقات متتابعة ، كل حلقة منها مشهد من مشاهد التعذيب للمكذبين ، يأخذ السياق في ختامها بالحس البشري فيضغطه ويهزه ويقول له : ( فكيف كان عذابي ونذر ? ) . . ثم يرسله بعد الضغط والهز ويقول له : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ? ) .

ومحتويات السورة الموضوعية واردة في سور مكية شتى . فهي مشهد من مشاهد القيامة في المطلع ، ومشهد من هذه المشاهد في الختام . وبينهما عرض سريع لمصارع قوم نوح . وعاد وثمود . وقوم لوط . وفرعون وملئه . وكلها موضوعات تزخر بها السور المكية في صور شتى . .

ولكن هذه الموضوعات ذاتها تعرض في هذه السورة عرضا خاصا ، يحيلها جديدة كل الجدة . فهي تعرض عنيفة عاصفة ، وحاسمة قاصمة ؛ يفيض منها الهول ، ويتناثر حولها الرعب ، ويظللها الدمار والفزع والانبهار !

وأخص ما يميزها في سياق السورة أن كلا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة . يشهدها المكذبون ، وكأنما يشهدون أنفسهم فيها ، ويحسون إيقاعات سياطها . فإذا انتهت الحلقة وبدأوا يستردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتهم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا . . وهكذا حتى تنتهي الحلقات السبعة في هذا الجو المفزع الخانق . فيطل المشهد الأخير في السورة . وإذا هو جو آخر ، ذو ظلال أخرى . وإذا هو الأمن والطمأنينة والسكينة . إنه مشهد المتقين : ( إن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . . في وسط ذلك الهول الراجف ، والفزع المزلزل ، والعذاب المهين للمكذبين : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) . .

فأين وأين ? مشهد من مشهد ? ومقام من مقام ? وقوم من قوم ? ومصير من مصير ?

اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر . فتول عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر . خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون : هذا يوم عسر . .

مطلع باهر مثير ، على حادث كوني كبير ، وإرهاص بحادث أكبر . لا يقاس إليه ذلك الحدث الكوني الكبير :

( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . .

فيا له من إرهاص ! ويا له من خبر . ولقد رأوا الحدث الأول فلم يبق إلا أن ينتظروا الحدث الأكبر .

والروايات عن انشقاق القمر ورؤية العرب له في حالة انشقاقه أخبار متواترة . تتفق كلها في إثبات وقوع الحادث ، وتختلف في رواية هيئته تفصيلا وإجمالا :

من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه - . . قال الإمام أحمد : حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس ابن مالك قال : سأل أهل مكة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] آية . فانشق القمر بمكة مرتين فقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . . وقال البخاري : حدثني عبد الله بن عبدالوهاب . حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك . أن أهل مكة سألوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يريهم آية . فأراهم القمر شقين حتى رأو حراء بينهما . وأخرجه الشيخان من طرق أخرى عن قتادة عن أنس . .

ومن رواية جبير بن مطعم - رضي الله عنه - . . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان ابن كثير ، عن حصين بن عبدالرحمن ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فصار فلقتين . فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . . تفرد به أحمد من هذا الوجه . . وأسنده البيهقي في الدلائل من طريق محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبدالرحمن . . ورواه ابن جرير والبيهقي من طرق أخرى عن جبير بن مطعم كذلك . .

ومن رواية عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - . . قال البخاري : حدثنا يحيى بن كثير ، حدثنا بكر ، عن جعفر ، عن عراك بن مالك ، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : انشق القمر في زمان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . . ورواه البخاري أيضا ومسلم من طريق آخر عن عراك بسنده السابق إلى ابن عباس . . وروى ابن جرير من طريق أخرى إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة ، انشق القمر حتى رأوا شقيه . . وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا . . وقال الطبراني بسند آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقالوا : سحر القمر ، فنزلت : ( اقتربت الساعة وانشق القمر )- إلى قوله : ( مستمر ) .

ومن رواية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا : حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر )قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة خلف الجبل . فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " اللهم اشهد " . . وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد . .

ومن رواية عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] شقتين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " اشهدوا " . وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة . وأخرجاه كذلك من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة ، عن ابن مسعود . وقال البخاري : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة . قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم من السفار ، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال : فجاء السفار فقالوا ذلك . . وروى البيهقي من طريق أخرى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ، بما يقرب من هذا .

فهذه روايات متواترة من طرق شتى عن وقوع هذا الحادث ، وتحديد مكانه في مكة - باستثناء رواية لم نذكرها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان في منى - وتحديد زمانه في عهد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قبل الهجرة . وتحديد هيئته - في معظم الروايات أنه انشق فلقتين ، وفي رواية واحدة أنه كسف " أي خسف " . . فالحادث ثابت من هذه الروايات المتواترة المحددة للمكان والزمان والهيئة .

وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه ؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه ؛ فلا بد أن يكون قد وقع فعلا بصورة يتعذر معها التكذيب ، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات ، لو وجدوا منفذا للتكذيب . وكل ما روي عنهم أنهم قالوا : سحرنا ! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر ، فعرفوا أنه ليس بسحر ؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه .

بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول : إن المشركين سألوا النبي [ صلى الله عليه وسلم ] آية . فانشق القمر . فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله ، لسبب معين : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها .

وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته ، وأنه ليس إلا بشرا رسولا . وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدة : ( قل : لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا . وقالوا : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . قل : سبحان ربي ! هل كنت إلا بشرا رسولا ? ) .

فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيدا عن مفهوم النصوص القرآنية ؛ وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده ، وما فيه من إعجاز ظاهر ؛ ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق ، وفي أحداث التاريخ سواء . . فأما ما وقع فعلا للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراما من الله لعبده ، لا دليلا لإثبات رسالته . .

ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته . ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات . ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة . باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب . .

وانشقاق القمر إذن كان آية كونية يوجه القرآن القلوب والأنظار إليها ، كما يوجهها دائما إلى الآيات الكونية الأخرى ؛ ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها ، كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونية الأخرى .

إن الخوارق الحسية قد تدهش القلب البشري في طفولته ، قبل أن يتهيأ لإدراك الآيات الكونية القائمة الدائمة ، والتأثر بإيقاعها الثابت الهادئ . وكل الخوارق التي ظهرت على أيدي الرسل - صلوات الله عليهم - قبل أن تبلغ البشرية الرشد والنضوج يوجد في الكون ما هو أكبر منها وأضخم ، وإن كان لا يستثير الحس البدائي كما تستثيره تلك الخوارق !

ولنفرض أن انشقاق القمر جاء آية خارقة . . فإن القمر في ذاته آية أكبر ! هذا الكوكب بحجمه ، ووضعه ، وشكله ، وطبيعته ، ومنازله ، ودورته ، وآثاره في حياة الأرض ، وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد . هذه هي الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب ، توقع إيقاعها وتلقي ظلالها ، وتقوم أمام الحس شاهدا على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عنادا أو مراء !

وقد جاء القرآن ليقف بالقلب البشري في مواجهة الكون كله ؛ وما فيه من آيات الله القائمة الثابتة ؛ ويصله بهذا الكون وآيات الله فيه في كل لحظة ؛ لا مرة عارضة في زمان محدود ، يشهدها جيل من الناس في مكان محدود .

إن الكون كله هو مجال النظر والتأمل في آيات الله التي لا تنفد ، ولا تذهب ، ولا تغيب . وهو بجملته آية . وكل صغيرة فيه وكبيرة آية . والقلب البشري مدعو في كل لحظة لمشاهدة الخوارق القائمة الدائمة ، والاستماع إلى شهادتها الفاصلة الحاسمة ؛ والاستمتاع كذلك بعجائب الإبداع الممتعة ، التي يلتقي فيها الجمال بالكمال ، والتي تستجيش انفعال الدهش والحيرة مع وجدان الإيمان والاقتناع الهادئ العميق .

وفي مطلع هذه السورة تجيء تلك الإشارة إلى اقتراب الساعة وانشقاق القمر إيقاعا يهز القلب البشري هزا . وهو يتوقع الساعة التي اقتربت ، ويتأمل الآية التي وقعت ، ويتصور أحداث الساعة في ظل هذا الحدث الكوني الذي رآه المخاطبون بهذا الإيقاع المثير .

وفي موضوع اقتراب الساعة روى الإمام أحمد . قال : حدثنا حسين ، حدثنا محمد بن مطوف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى .

ومع اقتراب الموعد المرهوب ، ووقوع الحادث الكوني المثير ، وقيام الآيات التي يرونها في صور شتى . . فإن تلك القلوب كانت تلج في العناد ، وتصر على الضلال ، ولا تتأثر بالوعيد كما لا تتأثر بإيقاع الآيات الكثيرة الكافية للعظة والكف عن التكذيب :

( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر ) .

ولقد أعرضوا وقالوا : سحرنا ، وهم يرون آية الله في انشقاق القمر . وكان هذا رأيهم مع آية القرآن . فقالوا : سحر يؤثر . فهذا قولهم كلما رأوا آية . ولما كانت الآيات متوالية متواصلة ، فقد قالوا : إنه سحر مستمر لا ينقطع ، معرضين عن تدبر طبيعة الآيات وحقيقتها ، معرضين كذلك عن دلالتها وشهادتها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية وآيها خمس وخمسون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { اقتربت الساعة وانشق القمر } روي أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر . وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ " وقد انشق القمر " أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " : كلمة بها نور القلوب والأبصار ، وبعرفانها يحصل سرور الأرواح والأسرار . كلمة تدل على جلاله – الذي هو استحقاقه لأوصافه . كلمة تدل على نعته الذي هو غاية أفضاله وألطافه .

قوله جل ذكره : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .

أجمع أهلُ التفسير على أنَّ القمرَ قد انشقَّ على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال ابن مسعود : " رأيت حراء بين فلقتي القمر " ولم يوجد لابن مسعود مخالف في ذلك ؛ فقد روي أيضاً عن أنس وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم . . كلهم رووا هذا الخبر .

وفيه إعجازٌ من وجهين : أحدهما رؤية مَنْ رأى ذلك ، والثاني خفاء مثل ذلك على مَنْ لم يَرَه ؛ لأنه لا ينكتم مثله في العادة فإذا خفي كان نقض العادة .

وأهل مكة رأوا ذلك ، وقالوا : إنَّ محمداً قد سحر القمر .

ومعنى { اقْتَرَبَتِ السَّاعِةُ } : أي ما بقي من الزمانِ إلى القيامةِ إلا قليلٌ بالإضافةِ إلى ما مضى .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة القمر

أهداف سورة القمر

سورة القمر مكية ، وآياتها ( 55 ) آية ، نزلت بعد سورة الطارق .

وهي سورة تمثل سياطا لاذعة للمكذبين المنكرين ، وتعرض مشاهد خاطفة لما أصاب المكذبين السابقين ، وتستعرض مواقف القيامة وأهوال الحشر ، وأحوال المجرمين ، وما يصبيهم من العذاب والنكال في الآخرة .

انشقاق القمر

يصف مطلع السورة حادثا فذا ، هو انشقاق القمر بقدرة الله تعالى معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد وردت روايات متواترة من طرق شتى عن وقوع انشقاق القمر في مكة قبل الهجرة ، حيث جاءت هذه الروايات في البخاري ، ومسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وغيرها من كتب السنة .

فقد روى الشيخان ، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما .

وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشةi ، قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم من السُّفارii فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم ، قال : فجاء السُّفار فقالوا ذلك .

وهذه الروايات مع غيرها تتفق على انشقاق القمر بمكة .

كما ثبت أن أهل مكة قابلوا هذه الآية بالعناد ، وادعوا أن محمدا سحر أهل مكة حتى يشاهدوا القمر منشقا ، ثم اتفقوا على أن يسألوا عن الحادث المسافرين القادمين إلى مكة ، وقد شهد المسافرون بأنهم شاهدوا القمر نصفين في ذلك اليوم ، فادعى أهل مكة أن محمدا سحر الناس جميعا .

قال تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } . ( القمر : 1-2 ) .

ويرى بعض المفسرين أن الآية تخبر عن الأحداث الكونية المستقبلة ، فعند قيام الساعة ستنشق الأرض والسماوات ، كما قال سبحانه : إذا السماء انشقّت . ( الانشقاق : 1 ) . كما ينشق القمر وينفصل بعضه عن بعض ، وتتناثر النجوم ، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات .

سياق السورة وأفكارها

في الآيات ( 1-8 ) وصف لجحود الكافرين ، وعدم إيمانهم بالقرآن ، وانصرافهم عنه إلى الهوى والبهتان .

وفي الآيات تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين بيوم الجزاء ، فهم يخرجون من قبورهم خاشعين من الذل ، في حالة سيئة من الرعب والهول ، فيسرعون الخطى ليوم الحشر كأنهم جراد منتشر ، وقد أسقط في أيديهم فيقول الكافرون : هذا يوم صعب عسر .

خمس حلقات من مصارع المكذبين

الآيات من ( 9-42 ) تشتمل على عرض سريع لمصارع قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط ، وفرعون وملئه ، وكلها موضوعات سبقت في سورة مكية ، ولكنها تعرض في هذه السورة عرضا خاصا ، يحيلها جديدة كل الجدة ، فهي تعرض عنيفة عاصفة ، وحاسمة قاصمة يفيض منها الهول ، ويتناثر حولها الرعب ويظللها الدمار والفزع .

وأخص ما يميزها في سياق السورة ، أن كلا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة ، يشهدها المكذبون وكأنما يشهدون أنفسهم فيها ، ويحسون إيقاعات سياطها ، فإذا انتهت الحلقة وبدؤوا يتسردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا ، حتى تنتهي الحلقات الخمس في هذا الجو المفزع الخانق .

1- قوم نوح ( الآيات 9-17 ) :

وتلمح في الآيات مشهد المكذبين يتهمون نوحا بالجنون ، ونوح يظهر لله ضعفه ويدعوه أن ينتصر له ، وتستجيب السماء فينهمر المطر وتنفجر عيون الأرض ، ويلتقي ماء السماء بماء الأرض ، ثم يغرق الكافرون ، وينجي الله نوحا ومن آمن معه ، ويسأل القرآن سؤالا لإيقاظ القلوب إلى هول العذاب وصدق النذير ، فيقول : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } . ( القمر : 16 )

والقرآن كتاب إلهي سهل التناول ميسر الإدراك ، فيه جاذبية الصدق والبساطة وموافقة الفطرة ، لا تفنى عجائبه ، ولا يَخلق على كثرة الرد ، وكلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد ، وكلما صحبته النفس زادت له ألفة وبه أنسا : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } . ( القمر : 17 ) .

هذا هو التعقيب الذي يتكرر بعد كل مصرع من مصارع السابقين .

2- عاد قوم هود ( الآيات 18-22 ) :

أرسل الله عليهم ريحا عاتية تدمر كل شيء بإذن ربها ، وقد سلسلوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا تعصف بهم الريح ، وشقوا لأجسامهم شقوقا داخل الأرض ، وتركوا رؤوسهم خارجها ، فكانت الريح تكسر رؤوسهم وتتركهم كالنخيل التي قُطعت رؤوسها وتُركت أعجازها وجذورها .

3- ثمود قوم صالح ( الآيات 23-32 ) .

وقد أرسل الله إليهم نبيه صالحا ومعه الناقة ، فأخبرهم بأن الماء قسمة بينهم وبينها ، فللناقة يوم ولهم يوم ، لها شِرب ولهم شِرب يوم معلوم .

وكان اليوم الذي ترد فيه ثمود البئر لا تأتي الناقة إليه ولا تشرب منه ، ولكنها تسقيهم لبنا ، وفي اليوم التالي تحضر شربها وحدها ومع وضوح هذه الآية ، فإن ثمود ملّت هذه القسمة ، وحرَّضوا شقيا من الأشقياء على قتل الناقة ، فلما قتلها استحقوا عقاب الله ، وأرسل الله عليهم صيحة واحدة فكانوا كفتات الحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه .

4- قوم لوط ( 33-40 ) .

اشتهر قوم لوط بالشذوذ الجنسي ، حيث استغنى الرجال بالرجال ، وهو انتكاس للفطرة وشرود في الرذيلة ، ولقد حذرهم لوط مغبة فعلتهم ، ، فكذبوه وجادلوا بالباطل ، وجاءت الملائكة إلى نبي الله لوط في صورة رجال عليهم مسحة الجمال والجلال ، فرغب قوم لوط في أن يفعلوا فعلتهم الشنعاء في الملائكة ، وراودوه عن ضيفه ليفعلوا بهم اللواط ، فاستحقوا عقوبة السماء ، وأرسل الله عليهم حاصبا ، أي ريحا تحمل الحجارة ، ليذوقوا العذاب .

5- ثم تعرض السورة حلقة قصيرة عن فرعون وجحوده وعقاب الله له حيث أخذه أخذ عزيز مقتدر .

وفي الآيات الأخيرة من السورة ( 43-55 ) تعقيب على هلاك السابقين ، وتوجيه لأهل مكة بأنهم لن يكونوا أحسن حالا ممن سبقهم ، ثم إن الساعة تنتظرهم وهي أدهى وأمر من كل عذاب شاهدوه فيما سبق ، أو سمعوا وصفه فيما مرَّ ، من الطوفان الذي أصاب قوم نوح ، إلى الصرصر مع عاد ، إلى الصاعقة مع ثمود ، إلى الحاصب مع قوم لوط ، إلى إغراق فرعون .

حكمة الخالق

وتشير الآيات إلى حكمة الله العالية ، فتقول : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . ( القمر : 49 ) .

وهذه الحكمة تظهر في خلق الكون ، وفي خلق السماء والأرض ، وفي خلق الإنسان ، وفي خلق الطيور والحيوانات ، وفي سائر خلق الله : { يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير } . ( النور : 45 ) .

إن قدرة الله تعالى وراء طرف الخيط البعيد لكل حادث ، ولكل نشأة ، ولكل مصير ، ووراء كل نقطة وكل خطوة وكل تبديل أو تغيير ، إنه قَدَر الله النافذ الشامل الدقيق العميق .

وأحيانا تخفى الحكمة على العباد فيستعجلون أمرا ، والله لا يعجل لعجلة العباد ، فالواجب أن يرضى المؤمن بالقضاء والقدر ، وأن يحني رأسه أمام حكمة الله ومشيئته .

ثم يعرض الختام مشهد المجرمين يسحبون في النار على وجوههم ليذوقوا العذاب ، كما يعرض مشهد المتقين في نعيم الجنة ورضوان الله العلي القدير .

انشقاق القمر وعناد المشركين

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ( 1 ) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ( 2 ) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ( 3 ) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ( 4 ) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ( 5 ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ( 6 ) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ( 7 ) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ( 8 ) }

المفردات

اقتربت : دنت وقربت .

الساعة : القيامة .

انشق القمر : انفصل بعضه عن بعض وصار فرقتين .

1

التفسير :

1- { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } .

اقتربت القيامة ، فالباقي من عمر الدنيا أقل بكثير مما سبق منها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " v . وقرن بين أصبعيه الوسطى والسبابة . ( متفق عليه ) .

وقد مرّ بعد الرسالة المحمدية أكثر من أربعة عشر قرنا ، لكنها قليلة بالنسبة إلى عمر الدنيا وهو قرابة13 بليون سنة .

وفي عام 1994م انعقد مؤتمر علمي في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن معرفة عمر الكون وعمر الإنسان على هذه الأرض ، وانتهى المؤتمر إلى أن عمر الكون 13 بليون سنة ، وأن عمر الإنسان على هذه الأرض 7 بلايين سنة .

وقد انشق القمر معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى رُئي جبل حراء بين الشقّين ، فقال أهل مكة : انتظروا حتى يأتي السفّار ، أي المسافرون خارج مكة ، فلم قدم المسافرون قالوا : شاهدنا القمر قد انشق نصفين ، فقال الكفار : إن محمدا سحر الناس جميعا .

وذهب بعض المفسرين على أن المعنى :

سينشق القمر عند قيام الساعة ، حيث يكون من علامات الساعة تكوير الشمس وذهاب ضوئها ، وانكدار النجوم ، وانشقاق القمر .

ونحن أمام الأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع ، وإشارة القرآن الكريم إلى ذلك ، نصدق ونؤيد وقوع انشقاق القمر ، معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقا له .

قال ابن كثير :

وهذا أمر متفق عليه بين العلماء ، أنّ انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرة .

وقد أيد هذا المعنى الآلوسي في تفسيره فقال : والأحاديث الصحيحة في الانشقاق كثيرة ، واختلف في تواترها ، فقيل : هي غير متواترة ، وفي شرح المواقف أنها متواترة ، وهو الذي اختاره العلامة السبكي ، فقد قال : الصحيح عندي أنَّ انشقاق القمر متواتر ، منصوص عليه في القرآن ، مروي في الصحيحين وغيرهما من طرق شتّى ، لا يمترى في تواتره .

وقد جاءت أحاديثه في روايات صحيحة ، عن جماعة من الصحابة ، منهم : علي بن أبي طالب ، وأنس ، وابن مسعود . أ . ه .

والساعة لا يعلم وقت مجيئها إلا الله ، واقتراب الساعة يمكن أن يراد به أن الباقي من عمر الدنيا قليل ، بالنسبة لما مضى منها .

روى الحافظ أبو بكر البزار ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب ، فلم يبق منها إلا سف يسير ، فقال : " والذي نفسي بيده ، ما بقي من الدنيا فيما مضى منها ، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " ، وما نرى من الشمس إلا يسيرا . والمقصود حثّ الناس على التوبة والإنابة والإيمان قبل فوات الأوان .

وقريب من ذلك قوله تعالى : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه . . . } ( النحل : 1 )

وقوله سبحانه : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ( الأنبياء : 1 ) .

وقوله تعالى : { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا . } ( الأحزاب : 63 ) .

والخلاصة : إن جمهور المحدثين والمفسرين على أن الانشقاق حقيقة ، فقد قال القرطبي : ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره ، وقيل : معناه : وضح الأمر وظهر ، والعرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح ، ثم علّق القرطبي قائلا : قد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ، ولا يلزم أن يستوي الناس في رؤيته ، لأنها كانت آية ليلية ، وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله عند التحدي . . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها خمس وخمسون

بسم الله الرحمان الرحيم

{ اقتربت الساعة } قربت القيامة جدا . { وانشق القمر } وانفلق القمر فلقتين معجزة له صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين ؛ حين سأله أهل مكة أن يريهم آية تدل على صدقه ، فأراهم القمر فلقتين حتى رأوا حراء بينها ؛ فقال صلى الله عليه وسلم اشهدوا ! ! وقد رآه كثير من الناس ؛ والأحاديث الصحيحة في هذه المعجزة كثيرة . وقيل : اقتربت الساعة ، فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية وآياتها خمس وخمسون ، نزلت بعد سورة الطارق . وهي كباقي السور المكية في معالجتها أصول الدين ، ولكن بطابع خاص ، وفي عرضها للموضوعات عرضا خاصا فيه التهديد والوعيد . وفيها حملة عنيفة على المكذبين بآيات القرآن المبين . وقد جاءت الآية الأولى من هذه السورة تنبه الأسماع إلى اقتراب القيامة ، وتحذّر الناس من أمرها ، ثم جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب على الرسول الكريم الإعراض عن المشركين وإمهالهم إلى يوم يخرجون فيه من قبورهم كأنهم جراد منتشر .

ثم تتابع الآيات بعد ذلك بالنذر والصبر ، وتعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مثل قوم نوح ، وعاد وثمود ، وقوم لوط ، وفرعون وملئه ، والعذاب الذي حاق بهم . وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسّر لمن يطلب العظة والاعتبار .

ثم تنتهي إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب . ثم تُختتم السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصيرهم يوم يُسحبون إلى النار على وجوههم ، ويقال لهم : { ذوقوا مسّ سقر } ، وتبيّن مآل السعداء المتقين ، وأنهم في منازلهم في جنات النعيم . ويظهر الفرق بالمقارنة بين الفجار المعاندين ، والمؤمنين المتقين المصدقين : { إن المتقين في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر } .

يخبرنا الله تعالى باقترابِ يوم القيامة ، ونهايةِ الدنيا وانقضائها ، وأنّ الكونَ يختلُّ كثيرٌ من نظامه عند ذاك ، كما جاء في قوله تعالى : { إِذَا الشمس كُوِّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت } [ التكوير : 1-2 ] ، والتكدُّر هو الانتثار ، فعبّر بالماضي ، وهنا التعبير جاء بالماضي ، وكما قال في آخر سورة النجم { أَزِفَتِ الآزفة } [ النجم : 57 ] .

وقد روى الإمام أحمد عن سهلِ بن سعد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « بُعثتُ أنا والساعةُ هكذا ، وأشار بأصبعَيه السبّابةِ والوسطَى » .

وهنا يقول : اقتربت القيامة ، وسينشقُّ القمرُ لا محالة . وتشير الأبحاثُ الفلكية إلى أن القمر يدنو من الأرض ويستمرُّ بالدنوّ منها حتى يبلغَ درجةً يتمزقُ عندها ويصير قِطعاً كلّ واحدةٍ تدور في فلكها الخاص . وهذا طبعاً سيحدُث عند انتهاء هذه الحياةِ الدنيا ، ولا يعلم وقتَ ذلك إلا الله .

ويقول المفسّرون الأقدمون : إن انشقاق القمر قد حدَث فعلا ، ويرون عدة أحاديث أسندوها إلى أنس بن مالك وعبد الله بن عباس ، وجبير بن مطعم ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم . ويقول ابن كثير : قد كان هذا في زمان رسول الله كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة .

والروايةُ عن خمسة من الصحابة فقط فكيف تكون متواترة ؟ واللهُ أعلم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

شرح الكلمات :

{ اقتربت الساعة وانشق القمر } : أي قربت القيامة ، وانفلق القمر فلقتين على جبل أبي قبيس .

المعنى :

قوله تعالى { اقتربت الساعة وانشق القمر } يخبر تعالى أن ساعة نهاية الدنيا وفنائها وقيام القيامة قد اقتربت ، وأن القمر قد انشق معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة ، وانشقاق القمر كان بمكة حيث طالبت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بمعجزة تدل على نبوته فسأل الله تعالى انشقاق القمر فانشق فلقتين على جبل أبي قبيس فلقة فوق الجبل وفلقة وراء فشاهدته قريش ولم تؤمن وهو معنى قوله تعالى : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } .

الهداية

من الهداية :

- تقرير عقيدة البعث والجزاء .

- ذكر بعض علامات الساعة . كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر معجزة له صلى الله عليه وسلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة اقتربت مكية

{ 1-5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ }

يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها ، وحان وقت مجيئها ، ومع ذلك ، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها ، غير مستعدين لنزولها ، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر ، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على [ صحة ما جاء به و ] صدقه ، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإذن الله تعالى ، فانشق فلقتين ، فلقة على جبل أبي قبيس ، وفلقة على جبل قعيقعان ، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية الكبرى{[921]}  الكائنة في العالم العلوي ، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل .


[921]:- في ب: العظيمة.